مع ان انهيار الجزء الشمالي من صوامع الاهراءات في مرفأ بيروت، وتحرك أهالي ضحايا انفجار المرفأ لالزام الحكومة حماية الجزء الجنوبي، احتلا واجهة المشهد الداخلي امس، فان ذلك لم يحجب تقدم تداعيات الازمات الاجتماعية بقوة منذرة بمزيد من تفاقمها عند مشارف استحقاقات بالغة الخطورة لاسيما منها التخبط في تعقيدات الملف الحكومي، واقتراب بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وترقب التطورات المتصلة بملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
وبدا لافتا تصاعد وتيرة تداعيات الازمات المطلبية والاجتماعية على نحو يصعب فصله عن التعقيدات التي واجهت المحاولة الأخيرة لتأليف حكومة جديدة بما يعكس بلوغ هذه الأزمات مستويات بالغة السلبية تتهدد البلاد برمتها بانفجارات اجتماعية متعاقبة من ابرز نماذجها “انتفاضة قضائية ” تتمثل باضراب واسع غير مسبوق ايده بدون تحفظ مجلس القضاء الأعلى في ظاهرة نادرة. كما ان ثمة مخاوف متصاعدة بقوة من تطورات سوق المحروقات بعدما برزت معالم الاتجاه الى رفع الدعم رفعا كاملا عن البنزين خصوصا بما ينذر باشتعال أسعار المشتقات النفطية كما أسعار المواد الاستهلاكية عموما ويضع البلاد برمتها امام واقع شديد الصعوبة والخطورة في تزامن مع مرحلة الاستحقاق الرئاسي . ويبدو واضحا ان التشابك المتزامن بين الاستحقاقات الدستورية وملف ترسيم الحدود وما يحمله من حذر ومخاوف حيال أي تطورات تصعيدية وتداعيات الازمات الحياتية والمالية والاجتماعية يعزى الى تفلت الواقع الحكومي الضائع بين عرقلة تشكيل حكومة جديدة واطلاق العنان لحرب الاجتهادات والاحتمالات المتعلقة بواقع حكومة تصريف الاعمال حيال إدارة الاستحقاق الرئاسي خصوصا في حال حصول فراغ رئاسي. وسادت معطيات وانطباعات في الساعات الأخيرة مفادها ان محاولات تعويم الحكومة الحالية مع تطعيمها بتسمية وزراء دولة كما كان يطالب رئيس الجمهورية ميشال عون قد تطرح مجددا، وان لقاء جديدا يرجح انعقاده اليوم بين عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي ويفترض ان تكشف مداولاته الاتجاه المرجح للاستحقاق الحكومي، وما اذا كانت معالم تسوية لا تزال واردة بين الرجلين بعد كل ما خلفته من تداعيات عدائية الحرب الإعلامية والسجالية الشعواء التي دارت رحاها بين ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل . وترددت معلومات عن صيغة تسوية يجري العمل عليها وان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط رفض طلبا من الرئيس ميقاتي بتسمية بديل عن وزير المهجرين الحالي عصام شرف الدين لعدم رغبته في التدخل بتشكيل الحكومة.
وبدا لافتا ان محطة “او تي في” نقلت عن مصادر رئيس الحكومة المكلف بأن ميقاتي سيزور قصر بعبدا اليوم ويلتقي رئيس الجمهورية، وأنه رغم التصعيد وتبادل البيانات وطالما هناك رغبة فعلية بتشكيل الحكومة، لا بد من هذا الإجتماع أن يتم. ولفتت إلى أنه “في الإجتماع الأخير، الفجوة كانت ضيقة وإقتصرت على بعض الوزارات وبعض الشخصيات، لذلك قد يكون إجتماع اليوم مناسبة لوضع حد لموضوع المراوحة”.وأكدت أنه “يمكن أن يكون هناك إجتراح للحكومة تفاديًا للغط كبير على مستوى التفسيرات بالنسبة للموضوع الدستوري”.
اعتكاف القضاة
اما في وقائع الازمات التي تتخبط فيها البلاد فبرز امس انعقاد الجمعية العمومية للقضاة في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز، حيث حضرها نحو 400 قاض يتقدمهم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وأعضاء في مجلس القضاء وقضاة في محاكم التمييز والاستئناف والنيابات العامة والمحاكم والدوائر القضائية كافة. وافيد ان المناقشات تناولت أسباب الاعتكاف الذي دخل أسبوعه الثاني، وما يعانيه قضاة لبنان من ظروف مادية ومعنوية واجتماعية وصحية صعبة. وفي ختام المداولات تبين أن الاتصالات مع المسؤولين لم تفض الى أي نتيجة لتحقيق الحد الأدنى من مطالب القضاة، فقرر المجتمعون وبالاجماع الاستمرار في الاعتكاف وإبقاء اللقاءات مفتوحة لمتابعة كل التطورات.
الدولار الجمركي
وفيما تتخبط عملية إقرار مشروع الموازنة بتعقيدات إضافية حالت حتى الان دون انجاز إقرارها في لجنة المال والموازنة النيابية ازداد المشهد المالي تعقيدا مع تعذر التوصل الى حل لموضوع الدولار الجمركي. وفي هذا السياق اعتبر رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، أن الدولار الجمركي “جزء من خطة غير موجودة” واصفا بدوره ما لدى الحكومة بـ “خطوات عشوائية” . واشار إلى أن “هذا التشريع يحتاج إلى قانون من المجلس النيابي وكل ما تكلمت عنه الحكومة حول الدولار الجمركي لا يستند إلى مسوغ قانوني، ونسأل على أي أساس تم تحديد قيمة هذا الدولار بـ20 ألفاً؟”. واعلن عدوان في مؤتمر صحافي من المجلس النيابي ان “المواطنين يتعرضون لسرقة موصوفة لودائعهم منذ 3 أعوام وفي نهاية المطاف القانون يحمي المودعين والودائع”. ولفت إلى أن “ما يحاولون إتمامه اليوم هو سنّ قوانين صورية لإرضاء صندوق النقد الدولي ما يسمح بالحصول على حوالي المليارين وسيتم صرفها إلى جانب كل ما تم صرفه في الماضي” . وقال: المطلوب خطة اقتصادية نقدية شاملة لا قوانين صورية لإرضاء صندوق النقد، والحكومة مستمرة بممارسات سابقاتها. وتوجه عدوان للحكومة بالقول “عبثاً تحاولون تغطية السموات بالقبوات وليقدموا خطةً تحفز النمو إذ إن الحلول الترقيعية تزيد الوضع غرقاً”.
وليس بعيدا من هذه الاجواء إجتمع الرئيس ميقاتي مع وفد من الإتحاد العمالي العام برئاسة رئيسه بشاره الأسمر ، الذي اعلن رفض موضوع الدولار الجمركي “بشكل تام من قبل الاتحاد العمالي العام، لما له من تداعيات على الفقراء والعمال وذوي الدخل المحدود. نحن نعّول اليوم على مجلس النواب ورئيسه لإنتاج مشروع دولار جمركي متكامل مع خطة النهوض الاقتصادي والتعافي الموجودة اليوم في مجلس النواب.”
في السياق المعيشي ايضا، رأس ميقاتي إجتماعا تربويا في السرايا لبحث الاستعدادات للعام الدراسي الجديد. واثار وزير التربية عباس الحلبي فرض بعض إدارات المدارس الخاصة اقساطا بالدولار النقدي على الأهالي معلنا “قلت في أكثر من مناسبة، وأكرر بأن المدرسة التي تطلب قسطا بالدولار الأميركي تكون في حالة مخالفة للقانون رقم 515 الذي نص على العملة اللبنانية. وهناك اجتماع سيعقد (اليوم) في مكتب وزير التربية في حضور نقابة المعلمين وممثلين عن لجان الأهل وأيضا إتحاد المؤسسات التربوية الخاصة وبحضورنا لبلورة كل هذه الاقتراحات والخروج بموقف موحد في كل ما يتصل بالإجراءات التي يمكن ان تتخذ بحق المدارس المخالفة”.
الأهراءات
في غضون ذلك انهارت فجر أمس صوامع الجزء الشمالي من اهراءات مرفأ بيروت وسط تصاعد الدخان والغبار بشكل كثيف. وأشارت المعلومات الى ان الرياح القوية ساهمت في ابعاد الغبار الناتج عن انهيار الإهراءات عن المناطق السكنية القريبة بشكل سريع. وطلب ميقاتي من وزير الاشغال والنقل علي حميه في كتاب، وبالتنسيق مع من يلزم، مراجعة تقرير اللجنة الوزارية الذي ركن بدوره الى تقرير فني ورد فيه بأن انحناءات الكتلة الجنوبية لاهراءات القمح طبيعية وناجمة عن الحالة الطبيعية والموسمية واختلاف الحرارة في حين أن الكتلة الشمالية ليست مصممة لتحمل ضغط جانبي، والافادة عن الاجراءات الواجبة للابقاء على الصوامع الجنوبية لمبنى الاهراءات والمحافظة عليها كمعلم تاريخي تخليدا لذكرى انفجار المرفأ.
وقام أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت بتحرك مساء قرب تمثال المغترب حيث قطعوا الطريق لبعض الوقت، وأمهلوا الحكومة 12 ساعة لاتّخاذ “إجراءات عمليّة” لإطفاء الحريق وتعديل مرسوم هدم الأهراء، محذّرين من عودة قطع الطريق. وأكّد الأهالي حقّهم في أن يُشاركوا بتفاصيل القرارات والتعاطي مع كلّ ما يتعلق بالانفجار، وأضافوا: “على السلطة أن تحترم الأهراء لأنّنا نعتبرها مدافن تحفظ رفات ضحايانا، وهي موقع مقدّس ونريد الحفاظ عليها”.