رغم الحرب الأوكرانية المستمرّة منذ ستّة أشهر، يتجّه العالم ومعه منطقة الشرق الأوسط إلى مرحلة تسويات جديدة، بدأت معالمها تتضح مع نضوج الاتفاق النووي الإيراني، إعلان الإمارات إرسال سفيرٍ لها إلى طهران في إطار استعادة العلاقات الدبلوماسية، ونيّة أنقرة تسمية سفير لها في تل أبيب في الأيام المقبلة، ما يُشير إلى أن هدوءاً مرتقباً بعد سنوات من العواصف والحروب اللامنتهية في الإقليم.
فقد أعلنت واشنطن أن العودة إلى الاتفاق النووي هي الأقرب منذ أسبوعين، وأشارت إلى أن إيران تخلّت عن بعض الشروط التي كانت تُعتبر عراقيل رئيسية في العودة إلى الاتفاق، فيما ينتظر الاتحاد الأوروبي الرد الأميركي على الصيغة التي اقترحها للعودة إلى الاتفاق، والملاحظات الإيرانية، وتؤشّر الأجواء إلى أن إيجابية قد تلوح في الأفق، لكن يبقى الملف غير محسوم حتى موعد توقيع الاتفاق.
ولا شك أن العودة إلى الاتفاق سترخي بظلالها على لبنان، الذي سيتراجع من كونه ساحة حرب ورسائل بين واشنطن وطهران، مع العلم أن مجمل الاستحقاقات الهامة المرتقبة في لبنان تنتظر بشكل أو بآخر الاتفاق النووي، لكن علامات استفهام تُطرح حول مسألة ترسيم الحدود مع العودة إلى الاتفاق، إلّا أن حاجة أوروبا المتعطّشة للغاز والضغط الأميركي سيؤدّيان في نهاية المطاف إلى إنجاز الملف.
داخلياً، فإن الساحة السياسية مجمّدة حتى ما بعد الاستحقاق الرئاسي رغم زيارة رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي إلى بعبدا، المتوقّع أن يزورها اليوم مرّة أخرى، فالحكومة والوزراء يصرّفون الأعمال بالحد الأدنى، ويرفضون الدخول في ملفات كبيرة ستكون لها تداعياتها، كملف الدولار الجمركي. ولا شك أن مرحلة ما بعد ميشال عون لن تكون كما قبلها، وقد يكون المسؤولون يؤجّلون كل هذه الملفات حتى ما بعد انتهاء العهد، لإطلاقها مع البداية الجديدة.
في سياق ملف الدولار الجمركي، فإن تقاذف الصلاحيات والمسؤوليات أدى إلى تطيير الملف مؤقتاً، فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تذّرع بأن المسألة تحتاج إلى قانون من مجلس النواب، فيما تبرّأ الأخير من المسؤولية وأكّد أن رفع قيمة الدولار مسألة إجرائية مُناطة بوزارة المالية.
الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان أشار إلى أن “لا أحد يريد تحمّل مسؤولية رفع قيمة الدولار الجمركي وما له من تداعيات، وبالتالي “طار” مبدئياً، ومن غير المعلوم ما إذا كان سيعود إلى الطرح في وقت قريب ويتم إقراره“.
وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفت بو سليمان إلى أن “ثمّة بدائل لتأمين الإيرادات للدولة، كفرض الضرائب على الأملاك البحرية، أو على الأملاك والأراضي غير المستثمرة، أو حتى فرض ضرائب ورسوم انتقائية على منتجات دون أخرى لتفادي التداعيات على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، كالسيارات المرتفعة الثمن“.
ورداً على سؤال عن مصدر تأمين الإيرادات لدفع الزيادات التي أُقرّت للقطاع العام، كشف بو سليمان إلى أن “لا حل سوى بطباعة المزيد من العملة الوطنية، لكن ذلك سيعني تضخمّاً“.
في هذا السياق، من المرتقب أن يُعقد اليوم المؤتمر النقابي الوطني بمشاركة هيئات وروابط موظفي القطاع العام، لا سيما الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة، التي لم تتراجع عن إضرابها بعد رغم الخروقات التي حصلت.
رئيسة الرابطة نوال نصر أشارت إلى أن “المؤتمرين سيناقشون الوضع القائم واقتراحات حلول لتحصيل حقوق الموظفين“.
وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفتت إلى أن “الموظفين الذين خرقوا الإضراب سيعودون إليه بقسمهم الأكبر، وقد يكون البعض خاف من التهديدات أو طمعا بالزيادات، لكنهم ما لبثوا أن أيقنوا أن لا جدوى إلّا بالعودة إلى الإضراب“.
وعن صرف الموظفين في حال التخلّف عن عملهم لمدّة 15 يوماً، أكّدت نصر أن “الدولة لا تستطيع أن تصرف أي موظّف وفقاً للدستور والاتفاقيات الدولية، وليؤمّنوا لنا النقل كي نذهب إلى مراكز عملنا“.
هكذا هي يوميات لبنان أزمات وإضرابات طالت حتى الجسم القضائي بعد اعلان 400 قاض الاستمرار في الاعتكاف، فأي بلد سيدار وحتى قضاته قرروا الاضراب؟