يُجمع عدد من المسؤولين السياسيين والماليين في مجالسهم الخاصة على ان خريف لبنان المقبل لن يكون كعادته ضيفا خفيفا مرحبا بهوائه العليل، انما سيكون هذا العام قاسيا لا بل قاسيا جدا في ظل تفاقم الازمة المالية واستمرار ارتفاع سعر الصرف من دون سقف، وغياب اي خطط سريعة للتعامل مع الواقع خاصة مع تعطل المفاوضات مع صندوق النقد والتي تم ربطها على ما يبدو باستحقاق الرئاسة الذي بات شبه محسوم انه مفتوح على المجهول القاتم.
وفيما يُنتظر ان يحسم لقاء يعقد اليوم بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف المسار الذي سوف تسلكه عملية التأليف، وما اذا كان سيكون هناك حكومة جديدة مكتملة الصلاحيات تستلم البلد في ظل فراغ رئاسي جديد متوقع مطلع تشرين الثاني المقبل، ام اننا سنكون مقبلين على صراع سياسي- دستوري يُخشى ان يتطور دراماتيكيا في حال سلم عون حكومة تصريف الاعمال الحالية صلاحيات الرئاسة الاولى، بدا واضحا ان الانهيار يتسارع من دون مكابح مع ما يرافقه من تلاشي مظاهر الدولة والتي تجلت بأبهى حللها يوم أمس بتأجيل جلسات اللجان النيابية لعدم توفر مادة المازوت لتأمين الطاقة.
خريف قاس
وقال مصدر نيابي لـ»الديار» ان كل المؤشرات تؤكد اننا مقبلون على ايام صعبة وخريف «قاس» مع التقنين الحاد الذي يمارسه «مصرف لبنان نتيجة تجاوز الخطوط الحمراء بما يتعلق بالاحتياطي الالزامي، والذي تجلى مؤخرا بقرار وقف الدعم التدريجي السريع عن مادة البنزين ما ادى لارتفاع سعر الصرف الذي يؤكد المعنيون انه سيواصل ارتفاعه مع لجوء المستوردين للسوق السوداء لتأمين دولاراتهم التي لم تعد تؤمنها «صيرفة». واوضحت المصادر ان ما يجعل الصورة سوداوية اكثر هو غياب الحلول الجدية مع الجمود المسيطر على المفاوضات مع صندوق النقد نتيجة الخلافات الداخلية حول صيغ «الكابيتال كونترول» واعادة هيكلة المصارف والدولار الجمركي، وسط معلومات عن ان الصندوق بات يربط اصلا احياء المفاوضات بانجاز الاستحقاق الرئاسي ما يعني الفراغ على المستويات كافة في ظل انهيار غير مسبوق، ما يجعل الوضع مفتوحا على اسوأ الاحتمالات.
وبعدما كان رفع الدولار الجمركي قاب قوسين او ادنى من الاقرار، علمت «الديار» ان عددا من الفرقاء بات يدفع باتجاه القاء كرة النار هذه في حضن مجلس النواب بعد رفض الرئيس عون توقيع المرسوم كما بعد رفض وزير المال السير باقتراح ميقاتي الاخير بأن يرفعه هو شخصيا، ما كان سيعني تحمل مرجعيته السياسية اي الرئيس نبيه بري تبعاته.
لقاء حاسم حكومي
حكوميا، علمت «الديار» ان لقاء يعقد اليوم في قصر بعبدا بين الرئيسين عون وميقاتي من شأنه ان يكون حاسما في عملية التشكيل.
وقالت مصادر معنية بالملف ان «سجال ميقاتي- باسيل لا شك كان له اثر سلبي على الحراك الذي استجد مؤخرا لتشكيل حكومة، لكنه لم ينسف كل الايجابيات والا لما سيتوجه ميقاتي الى بعبدا اليوم». وتحدثت المصادر لـ»الديار» عن «صيغتين اساسيتين موضوعتين على الطاولة، الاولى تقول بالحفاظ على الحكومة الحالية مع الاكتفاء بتغيير وزيري المهجرين والاقتصاد، وهو ما لا يمانعه عون طالما التعديل لن يطال وزير الطاقة، اما الثانية فتأخذ باقتراح عون اضافة ٦ وزراء للتشكيلة الحالية يكونون ممثلين مباشرين للقوى السياسية، وهو امر لا يحبذه ميقاتي».
وتضيف المصادر: «يبدو ان كل القوى باتت على يقين ان اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها امر يصبح بعيد المنال مع اقترابنا من المهل الدستورية المحددة، لذلك يعتقد معظم المعنيين بالملف انه من الاجدى تشكيل حكومة تقطع الطريق على فتاوى دستورية تُدخل البلد في نفق مظلم وتهدد الوضع الامني الذي لا يزال وحيدا ممسوكا».
لا مازوت… لا لجان
وفي مظهر جديد من مظاهر الانهيار، عطل فقدان مادة المازوت العمل النيابي يوم امس وبالتحديد جلسات اللجان. لذا كتبت النائبة حليمة قعقور على حسابها على «تويتر»: «للأسف تأجلت جلسات اللجان الفرعية بكرا (اليوم) والمخصصة لمناقشة قانون استقلالية القضاء وقانون تضارب المصالح، بسبب عدم توفر مازوت بالمجلس النيابي! دورنا كمشرعين ومشرعات منتهك لأسباب كثيرة منها غياب شفافية التصويت، وصولا لعجزنا عن مجرد الاجتماع في قاعات البرلمان. وين رئيس المجلس؟»
وقال مصدر نيابي لـ»االديار» ان عدم توفر المازوت يعني عدم وجود إضاءة وتكييف ومصاعد وعدم امكانية تشغيل أجهزة الصوت والتسجيل وبالتالي لا مجال لتجاوز هذه العوائق، معتبرا ان هيبة الدولة باتت اكثر من اي وقت مضى بخطر.
حكاية الصوامع… تابع
وفي فصل جديد من فصول حكاية صوامع اهراءات مرفأ بيروت، انهارت يوم امس صوامع الجزء الشمالي وسط تصاعد الدخان والغبار بشكل كثيف. وقال وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال ناصر ياسين أن «الغبار الذي سببه انهيار صوامع المرفأ انسحب بإتجاه البحر لحسن الحظ».
من جهته، طلب ميقاتي من وزير الاشغال والنقل علي حميه في كتاب الافادة عن الاجراءات الواجبة للابقاء على الصوامع الجنوبية لمبنى الاهراءات والمحافظة عليها كمعلم تاريخي تخليدا لذكرى انفجار المرفأ.
وفيما اعتبر عدد من الخبراء ان الخطر على اي متواجد في محيط الاهراءات زال مع سقوط الصوامع الشمالية، علمت «الديار» ان لجنة الأشغال ستجتمع قريبا مع نقابة المهندسين لتطلب منها اعداد دراسة عن وضع الاهراءات الجنوبية واذا كان تدعيمها ممكنا ولا يشكل خطرا على من سيعملون على ذلك كما على العاملين في المرفأ في وقت لاحق