غاب ملف التأليف الحكومي كلياً عن المشهد السياسي امس، إذ لم يصدر عن المعنيين اي اشارات حول مصير هذا الملف الذي يكاد يُطوى نتيجة التباعد المستمر في المواقف حيال التشكيلة التي سلّمها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وبدا من الصمت الذي يحوط بهذا الملف، وكأنّ المعنيين ليسوا متحمسين لاستيلاد الحكومة الجديدة، خلافاً لكل الدعوات الداخلية والخارجية الى الاسراع في تأليفها، فيما كسر الجمود دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة نيابية الثلثاء المقبل، وعلى جدول اعمالها بعض مشاريع القوانين الاصلاحية المطلوبة داخلياً ودولياً، وتتصل بخطة التعافي ومستلزمات الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
فيما لم يُسجل امس اي جديد على جبهة التأليف الحكومي، تستمر البلاد موغلة في الازمات ومتروكة للمجهول، ويُنتظر ان يتصدّر ملف ترسيم الحدود البحرية واجهة الاهتمامات قريباً، في ضوء معلومات تحدثت امس عن انّ الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين سيزور لبنان نهاية الشهر الجاري ليومين، آتياً من اسرائيل وناقلاً منها ردّها على المقترحات اللبنانية الاخيرة حول حدود لبنان وحقوقه النفطية والغازية.
على طاولة مجلس الأمن
وفي سياق متصل، قدّم أمس كل من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السيدة يوانا فرونِتسكا ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام السيد جان بيار لاكروا احاطة إلى مجلس الامن في جلسة مغلقة في شأن التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول تنفيذ القرار 1701(2006).
وفي إشارة الى الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المستمرة وتأثيرها الاليم على حياة الناس اليومية، حذّرت المنسقة الخاصة من أنّ لبنان يقف على مفترق طرق بين النهوض أو الانهيار. وشدّدت على أنّ المسار الذي يسلكه يعتمد على قدرة واستعداد قادة البلاد للشروع في تطبيق حلول مستدامة على وجه السرعة.
تسريع تشكيل الحكومة
وفي هذا الإطار، اكّدت المنسقة الخاصة على أهمية مؤسسات دولة فاعلة يمكنها تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتلبية احتياجات الناس. وردّدت دعوات مجلس الأمن ومجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان، إلى الجهات اللبنانية المعنية، لإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية وتجنّب الشلل السياسي والإسراع في تشكيل الحكومة. كما أيّدت الدعوات لإجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهل الدستورية، نظرًا الى أنّ الولاية الرئاسية الحالية تنتهي في 30 تشرين الاول 2022.
وقد نوّهت المنسقة الخاصة بجهود القوات المسلحة اللبنانية والقوى الأمنية في الحفاظ على استقرار لبنان الهش ومنع التدهور الأمني، مشيدةً على وجه الخصوص بأدائها خلال الانتخابات النيابية. كما شجعت على دعم الجيش اللبناني والقوى الامنية الأخرى، باعتبار ذلك استثمارًا لا غنى عنه ومجديًا لاستقرار لبنان. مشدّدة على الأهمية القصوى لاتفاق لبناني مع صندوق النقد الدولي، وعلى أنّ الوقت ينفد. وقالت المنسقة الخاصة إنّه ينبغي على مجلس النواب والحكومة اتخاذ الإجراءات المسبقة المطلوبة بسرعة، لجعل هذه الصفقة ممكنة، بما في ذلك الإصلاحات المالية والنقدية وفي الحوكمة.
وبينما يستعد لبنان لإحياء في 4 آب الذكرى الثانية للانفجار المأساوي في مرفأ بيروت، أشارت المنسقة الخاصة إلى عدم وجود تقدّم في الإجراءات القضائية، مما يثقل كاهل أسر الضحايا وآلاف الجرحى. وكرّرت الدعوات لإزالة العقبات من أمام المسار القضائي ولإجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف في هذه القضية.
ملف الترسيم كان مطروحًا
وفي ما يتعلق بالوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل، سلّطت المنسقة الخاصة الضوء على نداءات الأمين العام، لجميع الأطراف، للوفاء بالتزاماتها بتنفيذ القرار 1701 (2006) بالكامل ووقف جميع الانتهاكات واحترام وقف الأعمال العدائية.
وشجعت المنسقة الخاصة لبنان وإسرائيل على التوصل إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية، وشدّدت على استعداد الأمم المتحدة المستمر لدعم هذه العملية على النحو الذي يطلبه الطرفان وضمن حدود قدراتها وولايتها. واكّدت التزام الأمم المتحدة بمواصلة الوقوف إلى جانب لبنان وشعبه.
دوكان
في غضون ذلك، اكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، خلال استقباله أمس السفير المكلّف تنسيق المساعدات الدولية في لبنان بيار دوكان، إصراره على «مواصلة المسيرة الإصلاحية الضرورية من اجل الانطلاق بالتعافي المالي والاقتصادي في لبنان»، متطلعًا إلى «ان يعمد المجلس النيابي الجديد إلى إقرار المشاريع الإصلاحية اللازمة ومن بينها: موازنة العام 2022، تعديل قانون السرية المصرفية وقانون «الكابيتال كونترول» وغيرها من مشاريع القوانين المحالة اليه لدراستها التزامًا بتحقيق هذه الغاية».
وشدّد عون على «استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي لأنّه المدخل الأساسي لبداية التعافي واستعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني»، متمنيًا على فرنسا «ان تعمل على حضّ المسؤولين في الصندوق على الإسراع في إبرام الاتفاق اللازم مع لبنان بعد اجراء الإصلاحات الأولية»، شاكرًا للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون «عنايته الدائمة بلبنان»، ومشيدًا بجهود فرنسا ومساهمتها في المساعدة على إعادة توطيد العلاقات بين لبنان ودول الخليج. معرباً عن امله في «ان تتشكّل قريبًا حكومة تقوم بواجباتها على اكمل وجه، لا سيما لجهة مواصلة الإصلاحات المطلوبة».
ومن جهته دوكان، نقل إلى عون تحيات الرئيس الفرنسي وتأكيده «استمرار الاهتمام الفرنسي بلبنان ورغبته في المساعدة على خروجه من الأزمة التي يمر فيها على مختلف المستويات»، مشدّدًا على «أهمية توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، قبل انتهاء ولاية الرئيس عون»، ولافتًا الى انّ «ذلك الإنجاز يحتاج الى إقرار مجلس النواب لقوانين إصلاحية ابرزها: مشروع قانون موازنة 2022، تعديل قانون السرية المصرفية وقانون «الكابيتال كونترول» الموجودة نصوصها في مجلس النواب، والإسراع في انجاز مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف».
وكان دوكان قد زار أيضًا كلاً من بري وميقاتي وعرض معهما لمجمل التطورات المتعلقة بالأزمة اللبنانية بكل مجالاتها.
قضية المطران
من جهة ثانية، تفاعلت قضية توقيف راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدّسة النائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية المطران موسى الحاج، فحضرت في السرايا الحكومية، حيث عقد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اجتماعًا مع وزير العدل هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والمدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات. وبعد الاجتماع قال خوري: «استعرضنا التطورات التي حصلت في هذين اليومين في ما يتعلق ببعض الملفات القضائية الشائكة، وطلب الرئيس ميقاتي معالجة الأمور وفق الأصول والقانون، وهذا كان الموضوع الأساسي».
وكان المكتب الإعلامي لوزير العدل افاد أنّه في صدد مطالبة كافة المراجع القضائية المعنية بإفادته فوراً وخطياً بالتطورات التي حصلت في اليومين الماضيين في ما يتعلق بالتحقيق مع سيادة المطران موسى الحاج ومداهمة مصرف لبنان، لإجراء المقتضى.
الامن العام
من جانبها، أشارت المديرية العامة للأمن العام الى انّ «بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تناقلت ما زعمت أنّه إتصال وحوار أجراه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بغبطة البطريرك الراعي، على إثر ما حصل مع المطران موسى الحاج في مركز أمن عام الناقورة الحدودي بتاريخ 18/7/2022». أضافت في بيان «إنّ المديرية العامة للأمن العام تؤكّد أنّ هذا الإتصال لم يحصل، وأنّ ما ورد في التسريبات المزعومة هو من نسج الخيال، ويستبطن نوايا خبيثة تهدف إلى الدخول على العلاقة الممتازة القائمة بين الصرح البطريركي والمدير العام للأمن العام، كما تحاول يائسة دق إسفين في علاقة التعاون والتنسيق اليومي القائمة بين قادة ورؤساء الأجهزة العسكرية والأمنية، وهذا أمر يتكرّر دائماً عندما يحاول صغار النفوس أخذ الأمور في اتجاهات من أجل حرف الأنظار والتعمية على قضايا مطروحة».
واشارت الى «أنّ ما قامت به عناصر المديرية في مركز الناقورة الحدودي مع المطران موسى الحاج، هو إجراء قانوني تنفيذاً لإشارة القضاء من جهة، والتعليمات الخاصة بالعبور من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي يخضع لها جميع العابرين بلا إستثناء، من جهة ثانية». وختم البيان: «أمَّا في ما خصّ التحقيق مع المطران الحاج، يهمّ المديرية أن توضح للمعنيين وللرأي العام، أنّه منذ اللحظة الأولى التي تبدأ فيها إشارة القضاء المعني بالتنفيذ، يُصبح المحقق العدلي في مركز الأمن العام بتصرف المرجع القضائي صاحب الإشارة طيلة فترة التحقيق حتى إقفال الملف».
جنبلاط
وفي وقت تواصلت الدعوات الى تنحية عقيقي والمتضامنة مع الحاج وبكركي، غرّد رئيس «الحزب النقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عبر «تويتر» فقال: «أياً كانت الملابسات وراء توقيف المطران الحاج الّا انّ من المفيد التنبيه الى انّ المعالجة الهادئة افضل من هذا الضجيج، وانّ احترام المؤسسات في هذا الظرف الصعب فوق كل اعتبار. ومن ناحية اخرى نرفض الاستغلال الاسرائيلي لمقام رجال الدين في محاولة تهريب الاموال لمآرب سياسية».
القضاء مسيّس
بدوره، قال رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بعد لقائه الراعي في الديمان انّ «القضاء في لبنان مسيّس والقاضي يخضع الى الترهيب السياسي». وأضاف فرنجية: «تحدثنا في قضية المطران الحاج. لماذا تحصل أمور تخدم فريقاً وتضرّ فريقاً آخر؟ فإما القاضي أخذ قراره من تلقاء نفسه أو أنّ هناك طابوراً خامساً يحاول تخريب الأمور». واعتبر انّ «موضوع السلاح اقليمي دولي ووطني، وعندما يتمّ التفاهم في المنطقة ستُحل المشكلة بطريقة او بأخرى والمزايدات توصل الى التشنجات والحقد».
ورداً على سؤال عما إذا كانت تنطبق عليه مواصفات رئيس الجمهورية التي حدّدها الراعي، لفت فرنجية، الى أنّ «البطريرك لم يقل لي العكس. وأنا منفتح ومعتدل ورجل حوار، ولكن لديّ موقفي السياسي».
لبنان ليس حاضراً
في هذه الاثناء، اعتبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، أنّ «لبنان ليس حاضراً على طاولة المجتمعيْن الإقليمي والدولي الّا كونه وطناً جديداً للاجئين والنازحين وهذا ما نرفضه جميعاً».
واشار ابراهيم خلال لقاء حواري مع جمعية متخرجي المقاصد تناول فيه موضوع «لبنان في مسار الإستحقاقات الحالية محليًا وخارجيًا»، الى أننا «نحن في وطن يطوف على رمال متحركة والدولة تسقط بشكل متسارع ولم يبقَ منها إلّا المؤسسات العسكرية والأمنية، وللأسف ما زال وطننا ساحة يتصارع فيها الآخرون وصندوق بريد إلى كل الإتجاهات وهو مرشح للتدهور أكثر فأكثر».
ولفت ابراهيم الى «أننا نفتقد لرجال دولة يفكرون للمستقبل ويعملون لأجله، ونعيش اليوم مع رجال مهمومين بالحواصل الإنتخابية لا الوطنية، ثم أين الذين قالوا أنّ الإنتخابات النيابية هي مدخل للتغيير؟ هم أصبحوا اليوم كالنعامة التي تضع رأسها في التراب، ثم ماذا يفعل النواب طالما المؤسسات تسقط تباعاً».
وأضاف: «دخلنا الاستحقاق الرئاسي من أعرض الأبواب والجميع ينخرط في السباق إلى سدّة الرئاسة فيما يبدو أنّ تشكيل الحكومة صار مؤجلّاً بسبب عوامل الاستعصاء السياسية، فقوس الأزمات أحاط بكل شيء في لبنان».
مصدر نيابي
وتعليقاً على كلام ابراهيم ردّ مصدر نيابي بالقول: «إنّ المجلس النيابي يفعل الكثير لإنقاذ البلد لمن يريد ان يسمع لا لمن يريد ان يستغل».
وكان بري دعا أمس إلى عقد جلسة عامة الحادية عشرة من قبل ظهر الثلثاء المقبل لانتخاب 7 نواب لعضوية المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ودرس وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال.