كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: من شرفته المطلة على “منظر رائع للاستيقاظ من مقر السفارة الاميركية في بيروت”، بدأ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين نهاره بتغريدة تفاؤلية “صبّح” فيها على العاصمة اللبنانية وأرفقها بصورة لبحر “متلألئ” بدا راكداً وراقداً على ثروة جوفية تنتظر من يستكشفها ويسبر آبارها النفطية والغازية. ومن هذه “الرسالة المصوّرة” استهل جولته المكوكية على المسؤولين بـ”رسالة مشفرة” أخرى تمثلت بحرصه على أن تكون “اليرزة” إحدى محطاته الأولى تأكيداً على مكانة الجيش ومتانة علاقته الاستراتيجية بالإدارة الأميركية بعيداً عن محاولات “التشويش” و”التحريض” على موقف المؤسسة العسكرية من قضية الترسيم الحدودي.
أما رحلة مشاوراته الرئاسية، فبدأها الوسيط الأميركي من قصر بعبدا حيث استمع من رئيس الجمهورية ميشال عون إلى “موقف لبنان الموّحد” حيال المقترح الذي كان قد حمله معه خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، مع التمني عليه “العودة سريعاً إلى لبنان بالجواب الإسرائيلي”. وأوضحت مصادر “نداء الوطن” في هذا السياق أنّ الموقف اللبناني رسم “خطاً شفهياً” للحدود البحرية الجنوبية أبدى فيه عون الاستعداد للتنازل عن حدود الخط 29 إلى حدود الخط 23 بما يمنح إسرائيل كامل حقل “كاريش” مقابل استحصال لبنان على كامل حقل “قانا”، على أن تكون ترجمة هذا التنازل “خطياً” عند نهاية المفاوضات، فيصار عندها إلى تكريسه رسمياً على “خرائط الترسيم” المتفق عليها مع إسرائيل.
ونقلت المصادر أنّ الموقف اللبناني الرسمي الذي تبلغه الوسيط الأميركي من الرؤساء الثلاثة “طالب بإدخال تعديل على الخط المقترح من قبله سابقاً والذي كان يعتمد الخط 23 لحدود لبنان البحرية الجنوبية بشكل يقتطع جزءاً من حقل قانا للإسرائيليين، بحيث يشمل التعديل الإبقاء على هذا الخط الأميركي المقترح للترسيم لكن مع إبقاء “قانا” كاملاً ضمن الحدود اللبنانية”، كاشفةً في الوقت عينه أنّ “الجانب اللبناني طالب الوسيط الأميركي بإلزام إسرائيل تجميد أي نشاط استثماري أو استكشافي في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان إلى حين إبرام الاتفاق النهائي على الترسيم، مع دعوته أيضاً إلى الدفع باتجاه العودة سريعاً إلى المفاوضات غير المباشرة لتحقيق هذا الهدف، فضلاً عن طلب المساعدة الأميركية بالمباشرة في عملية استكشاف البلوكات اللبنانية نظراً لكون الشركات المعنيّة التي تم تلزيمها هذه العملية لا تزال تتذرع بعدم وجود مناخ آمن يتيح البدء بأعمالها قبل انجاز الترسيم البحري بصورة نهائية“.
وإذ تم التشديد أمامه على أنّ “لبنان ينتظر جواباً سريعاً على المقترح الجديد”، أشارت المصادر إلى أنّ “الوسيط الأميركي وعد في المقابل بنقل المقترح اللبناني إلى إسرائيل الأسبوع المقبل” تمهيداً لعودته بأسرع وقت ممكن إلى بيروت حاملاً الجواب الإسرائيلي، كاشفةً في هذا الإطار عن “الاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية من الجانب اللبناني تتولى آلية المتابعة مع هوكشتاين لاستعجال مهمته في تلقي الرد الإسرائيلي وهي تتألف من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ومدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير“.
ولاحقاً استمع هوكشتاين أيضاً إلى الموقف اللبناني “المتفق عليه” في كل من عين التينة والسراي الحكومي، مع إبداء رئيس المجلس النيابي نبيه بري حرصه على التذكير بأنّ “اتفاق الإطار” الذي سبق أن رعى إبرامه “يبقى هو الأساس والآلية الأصلح في التفاوض غير المباشر استناداً إلى النصوص الواردة فيه والتي تدعو الى استمرار اللقاءات وصولاً الى النتائج المرجوة“.
وفي نهاية جولته، أطل الوسيط الأميركي في مقابلة خاصة مع قناة “الحرّة” نوّه فيها بما وجده من “إجماع لبناني حول الرسالة” التي سمعها من الرؤساء، كما أشاد بـ”الإعداد الجيّد” للزيارة. وإذ لفتت الابتسامة التهكمية التي سخر فيها من شعار “قانا مقابل كاريش” الذي طرحه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، أكد هوكشتاين رداً على سؤال بهذا الخصوص أنّ “الأمر ليس حكراً على الشعارات بل يجب النظر إلى نوع التسوية التي يمكن التوصل إليها”، واعتبر أنّ ما قدمه المسؤولون اللبنانيون من “أفكار” تشكل “أسس مواصلة المفاوضات والتقدم بها” في إشارة إلى أنّ الأمور يجب أن تكون قابلة لمزيد من التفاوض والمرونة والنقاش.
ومن هذا المنطلق، نصح الوسيط الأميركي الجانب اللبناني بعدم مقاربة الحلول من زاوية التفكير بما يملكه من أفضلية في الموقع والقانون، قائلاً: “أمتن الملفات التي يفترض بلبنان إعدادها هو ما قد ينجح، والحل الناجح يقتضي الإقلاع عن التفكير هل أملك أفضل قضيّة قانونية وهل أنا في أفضل موقع لي (…) ثمة طرفان على الجانبين وبدل التركيز على ما هو حق لي مقابل ما يراه الطرف الآخر حقاً له، يجب أن يكون التفكير قائمًا على الطاقة والأفكار الخلاقة التي يمكننا كلّنا أن نتفق عليها، فقد لا أحصل (في نهاية المفاوضات) على كل ما أردته لكنني حصلت على ما هو أكثر بكثير مما لدي الآن، وفي حالة لبنان الراهنة: لا شيء“.