النفط والغاز هما ثروة لبنان، وملف وطني لا يجب ان تلوثه السياسة والمواقف الشعبوية، بل يجب ان يحافظ عليه على انه ثروة يستحقها الشعب اللبناني باكمله، فلا يجب السكوت عن التعديات الاسرائيلية التي لا تقيم اي اعتبار لموارد وحصة لبنان من الغاز والنفط. وهنا يبرز مجددا اهمية المقاومة وسلاحها الرادع للغطرسة الاسرائيلية، والوحيد الذي بامكانه كبح طمع الدولة العبرية بالسيطرة الكاملة على موارد المنطقة ومن ضمنها لبنان. فما اهمية الخطوط البحرية اذا استخرج الكيان الصهيوني الغاز كله وباعه لدول اوروبية؟ وهل يبقى مجال للتفاوض او للتشبث بخط 29 او خط 23 اذا فقد لبنان حصته من الغاز؟
وحده حزب الله اعطى الاجوبة الشافية لهذه الاسئلة من خلال كلمة الامين العام السيد حسن نصرالله اول من امس، الذي أوضح أن سياسة الردع والدفاع عن مصالح لبنان وعن سيادة الدولة اللبنانية بحرا وارضا وجوا هي الاستراتيجية الوحيدة التي تحمي الوطن وشعبه. ولكن للاسف دخل ملف النفط والغاز في بازار المواقف الشعبوية التي تضر بثروة لبنان وتحرم البلاد من الاستفادة من هذه الثروة للنهوض من الازمة الاقتصادية التي تفشت في كل مؤسسات الدولة والتي اغرقت الشعب اللبناني في الجوع والفقر.
اما المواقف التي تتهجم على حزب الله هي مواقف تضعف هيبة الدولة وتطرح علامات استفهام كثيرة: هل يحق للبنان ان يستفيد من نفطه وغازه؟ هل ستتمكن الشركات العالمية من التنقيب في المياه اللبنانية واستخراج النفط والغاز؟ هل مسموح للبنان ان يتعافى من ازمته الاقتصادية التي تفشت في كل مؤسسات الدولة وانهكت الوطن واغرقت شعبه في الفقر والجوع؟
في واقع الحال تنتهي في 15 حزيران مهلة تقديم الطلبات للشركات العالمية للتنقيب عن النفط، وحتى الآن لا عرض من اي شركة مختصة بالتنقيب عن النفط والغاز، وهذا دليل فاضح على ان هناك ضغطا اميركيا لقطع الطريق على لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية.
وفي هذا السياق، قالت مصادر 8 آذار لـ «الديار» ان ما يحصل اليوم في ملف ترسيم الحدود البحرية ودخول الباخرة اليونانية الى المنطقة المتنازع عليها كشفت الكثير من المواقف الدولية والاقليمية والمحلية من بينها موقف رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي اسقط ورقة التوت عنه، علما ان موقفه الاخير من الثروة النفطية اللبنانية من المواقف «الغريبة العجيبة»، ذلك ان موقفه متناقض بالفكر حيث ينادي بالسيادة وحقوق لبنان، ومن ثم يحاول اضعاف موقف الدولة امام قضية مصيرية وطنية مثل ترسيم الحدود البحرية، ويعرّض القوة الداخلية الى الاهتزاز من جديد، ويشوش على الموقف اللبناني، اضافة ان ما قاله هو كلام استباقي يكشف انه سيعترض على أي موقف سيتخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حيال هذه القضية.
وتابعت المصادر في 8 آذار ان هناك قصورا في الفهم وخلط بالمفاهيم بين مزارع شبعا وبين ما يحصل حاليا، لان هناك فرقا كبيرا، علما ان بني معروف في شبعا المحتلة يعتبرون انفسهم لبنانيين وليس سوريين، ولكن هذه ذريعة بان وضع شبعا غير محسوم، لان سوريا لم تقدم اوراق ثبوتية بلبنانية هذه الارض، وبالتالي يريد جنبلاط القول انه لا يمكن ان نرهن لبنان لحزب الله ليقوم باي ردة فعل في المياه المتنازع عليها، وعليه يسعى لنزع حق المقاومة من ردع «اسرائيل» من سرقة ثرواتنا البحرية، وهو امر غير مقبول على الاطلاق.
هل يتمكن لبنان من توقيع الاتفاق مع صندوق النقد قبل عطلته في آب؟
على صعيد الازمة الاقتصادية، بدأ الخطر يداهم لبنان بشكل خطير، ومن انزلاقه الى الفوضى التي لن تستطيع اي جهة امنية ضبطها. ذلك ان الوقت يعاكس لبنان المنهار اقتصاديا وماليا واجتماعيا، وبالتالي عليه ان يوقع على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول خطة التعافي الاقتصادي قبل ان يأخذ الصندوق عطلته في آب، اذ تبين ان لا مخرج لازمة لبنان سوى من خلال صندوق النقد الدولي.
انطلاقا من هذه المعطيات، شددت مصادر حكومية على ضرورة الاسراع في التواصل مع صندوق النقد وتفعيل القوانين المعتمدة على غرار «الكابيتال كونترول» واقرار مشروع موازنة 2022 الذي احالته الحكومة الى البرلمان في شباط الماضي، الى جانب اقرار قانون اعادة هيكلة المصارف ومعالجة الخسائر التي مني بها القطاع المصرفي والمالي. اضف على ذلك، اقرار قانون تعديل السرية المصرفية الذي قدمته الحكومة نهاية نيسان الماضي.
وهنا رأت المصادر الحكومية ان لجنة المال والموازنة عليها ان تباشر فورا بتطبيق الخطوات المطلوبة من صندوق النقد الدولي للنهوض من هذا القعر الذي وصل اليه لبنان.
وفي السياق ذاته، دعت المصادر الحكومية «القوى التغييرية» الى تقديم اقتراحات على القوانين التي تعترض عليها، وعدم الاكتفاء بالمعارضة فقط دون تقديم حلول بديلة تكون مقنعة لصندوق النقد وللواقع اللبناني.
حزب الله: لا نريد سجالا داخليا يضعف موقف الدولة اللبنانية
من جهة اخرى، اكدت اوساط مقربة من حزب الله ان المقاومة لن ترد على النائب السابق وليد جنبلاط الذي حذر من «شبعا بحرية»، ولا على اي فريق لبناني يصدر عنه موقف سلبي بحق المقاومة، باعتبار ان اي سجال داخلي قد يجر الى ردود فعل تظهر هشاشة موقف الدولة في مواجهة العدو الاسرائيلي، في حين ان حزب الله يطمح بحصول اجماع لبناني على المصلحة الوطنية الكامنة في ثروة لبنان النفطية.
واضافت الاوساط ان اي موقف لبناني يشكك بالخط 29 او موقف لا يرقى للمصلحة العليا، من شأنه ان يضعف موقف لبنان الرسمي الذي يجب ان يثبت حق الدولة في النفط والغاز. واكدت الاوساط المقربة من حزب الله لـ «الديار» ان الكيان الصهيوني هو من انشأ هذا الصراع وليس حزب الله او الجيش اللبناني او اي فريق لبناني آخر، لذلك يجب ان يقف الجميع مع المؤسسة العسكرية والمقاومة للحفاظ على الثروة النفطية اللبنانية.
هل سيجتمع الرؤساء الثلاثة للوصول الى نتيجة في ملف الترسيم ؟
من جانبها، كشفت اوساط سياسية ان موقف جنبلاط لا يختلف عن موقف الرؤساء الثلاثة وتحديدا الرئيس نبيه بري ونجيب ميقاتي الذين يريدون خط 23 ، حيث قال بري انه يجب الاستناد الى اتفاق الاطار لمرتكز على خط 23 ، وبالتالي سيبلغ الرؤساء عون وبري وميقاتي هوكشتاين بهذا الطرح ضمن تعديلات تزيل التعرجات التي ترفضها الدولة اللبنانية.
انما في الوقت ذاته، قالت هذه الاوساط ان بري لن يحضر اللقاء الذي سيجري اليوم بين الرئيسين عون وميقاتي لتجنب اي احراج في اعادة استئناف المفاوضات والانطلاق من خط 23.
اما الوسيط الاميركي فيصل الاثنين المقبل، وسيلبي دعوة العشاء عند نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، الذي كلفه الرئيس عون مهمة التفاوض معه. ويوم الثلثاء يبدأ هوكشتاين لقاءاته مع لبنان الرسمي ليأحذ ردا رسميا على طرحه الذي قدمه منذ اشهر.
تكليف ولا تأليف للحكومة
الى ذلك، لم يعد خافيا على احد ان مسألة تكليف شخصية سنية لرئاسة الحكومة ليس بامر صعب، انما تشكيل حكومة في بلد معقد مثل لبنان امر بغاية الصعوبة. وعليه، تتجه الانظار الى ان يعاد تكليف نجيب ميقاتي مجددا، في حين ان التيار الوطني الحر و»قوى التغيير» لا يحبذون تسمية ميقاتي بل يريدون اسما جديدا.
وتعقيبا على ذلك، رأت اوساط وزارية مطلعة، ان هناك تكليفاً وليس تأليفاً، علما ان الاستشارات النيابية الملزمة ستحصل على الارجح نهاية الاسبوع المقبل. وتابعت ان الخلاف العميق بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والرئيس نبيه بري هو من الاسباب الرئيسية التي تمنع ولادة حكومة بسرعة وبسهولة. بيد ان التباين على ملفات عدة اكثر من التوافق على ملفات بين الجانبين، حيث ان الخلاف يتفاقم بينهما لناحية توزيع الوزارات وبرنامج الحكومة المقبلة واسم رئيس الحكومة ومعركة رئاسة الجمهورية. وتابعت الاوساط الوزارية ان الكيمياء معدومة بين الطرفين، ولن تحصل، بما ان توجهات بري وباسيل متباعدة بشكل كبير.
بعبدا: الرد اللبناني الرسمي لهوكشتاين سيكون حتما لمصلحة لبنان العليا
من جهتها، اشارت مصادر مقربة من قصر بعبدا لـ «الديار» ان اللقاء الذي سيجمع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي برئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا هو اجتماع تنسيقي للمواقف حول ملف ترسيم الحدود البحرية والثروة النفطية وملف الحكومة وقضايا اساسية اخرى.
اما عن دعوة الرئيس عون للاستشارات النيابية، فقد اوضحت المصادر انه بعد زيارة الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين سيدعو الرئيس للاستشارات النيابية. وعليه، ستكون الاستشارات النيابية الاسبوع المقبل على الارجح يوم الخميس.
وردا على سؤال عن المباحثات التي ستجري بين هوكشتاين وبين الرئيس عون، اكدت المصادر المقربة من قصر بعبدا، ان رئيس الجمهورية لا يريد الا مصلحة لبنان وعلى هذا الاساس سيتخذ عون موقفه، مشيرة ان الرئيس سيطلب استئناف المفاوضات غير المباشرة مع العدو الاسرائيلي حول الترسيم البحري منطلقين من خط 23 ضمن تعديلات يريدها لبنان الرسمي وتصب في مصلحة الوطن. وتابعت ان خط 23 هو طرح اميركي قدمه هوكشتاين، وبالتالي خلال اللقاء معه سيرد لبنان على هذا الطرح، مع المطالبة بتعديلات لازالة التعرجات التي يراها لبنان تنتقص من حقوقه. وبمعنى آخر، يريد لبنان الحصول على حقل قانا بالكامل وليس جزءاً منه.
اما عن لغة التخوين الذي اعتمدها البعض بان التنازل عن خط 29 هو خيانة وطنية، اختارت المصادر المقربة من قصر بعبدا عدم الرد على هذا الاسلوب المشين، مذكرة ان الدولة ليست جمعية او حزب، فلبنان الرسمي وجه عام 2011 رسالة الى الامم المتحدة يعتمد فيها خط 23 الخط الرسمي، في حين ان خط 29 لم يسجل، وهو خط تفاوضي لا اكثر .
واضافت المصادر: «لقد رفضنا خط هوف وتمسكنا بحقوقنا، ومن ثم تعاونا حول الطرح الاميركي باعتماد خط 23 ،علما اننا ابدينا ملاحظاتنا على بعض الشوائب في خط 23 لاننا نريد ان يكون لنا حصة اكثر وكلها تصب في مصلحة بلدنا».
وعن اقتراب انتهاء مهلة تقديم الشركات عرض للتنقيب، اشارت هذه المصادر انه ربما سينسق وزير الطاقة مع هيئة قطاع البترول لتمديد المهلة، خاصة ان لا شركة تقدمت بعرض في هذا المجال. وهنا اعربت المصادر المقربة من قصر بعبدا عن ريبتها حيال هذا الموضوع، معتبرة ان هناك شكوكا بحصول ضغوطات دولية تمنع شركات التنقيب من القدوم الى المياه اللبنانية والقيام بعملها، لان التعامل مع لبنان هو دون الحد الادنى وقد لمسنا ذلك على عدة اصعدة.
المعركة الرئاسية
على صعيد آخر، يبرز اصرار مثلث لانتاج الاستحقاق الرئاسي في وقته، وفقا لاوساط ديبلوماسية، بدءا من الارادة الدولية لان المجتمع الدولي يصب اهتمامه على رئاسة الجمهورية وليس على الحكومة، لانه يعتبر ان المهلة الدستورية للحكومة قليلة في ظل الانتخابات الرئاسية. ثانيا، ترى بكركي اهمية حصول الانتخابات الرئاسية في مهلتها الدستورية اي في ايلول، حيث يتم من بعدها تركيب جميع السلطات. ثالثا، يعتبر حزب الله ان عدم حصول الانتخابات الرئاسية ستكون لها تداعيات سلبية وخطيرة، حيث سيذهب لبنان الى المزيد من الانهيار والانزلاق، وحزب الله يرى ان الوضع الاقتصادي بات يشكل خطرا على دور المقاومة. ولذلك حزب الله يريد حصول الانتخابات الرئاسية كي يستعيد لبنان استقراره.
علاوة على ذلك، هناك الموقف المسيحي من خلال العامل العوني الذي لن يتخلى عن رئاسة الجمهورية بهذه السهولة، ولن يترك قصر بعبدا دون ضمانات فعالة. الى جانب ذلك، هناك تكتل «القوات اللبنانية» انطلاقا من وزنها المسيحي والتي اصبحت الفريق الاكثر تمثيلا للمسيحيين، وبالتالي لدى «القوات» قراءة خاصة بها للاستحقاق الرئاسي سيتبلور قريبا.
«القوات»: مكونات المعارضة مدعوة للاتفاق
بدورها، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ «الديار» ان حزبها عبّر عدة مرات في مجال ترسيم الحدود البحرية ، سواء من رئيسها او نوابها واعلامها، بأن لبنان قدم ورقة رسمية تتحدث ان انطلاقة المفاوضات تبدأ من خط 23 ، وان أي تعديل في هذا المجال يستدعي توقيع مرسوم جديد وارساله الى الامم المتحدة. واعتبرت ان ملف ترسيم الحدود البحرية اعتراه الكثير من المزايدات والتطبيل واشكاليات في غير مكانها ، حيث لا يمكن للبنان ان يغطي موقفه سوى بالشرعية الدولية.
اما عن شخصية رئيس الحكومة المقبلة، كررت مصادر «القوات» المواصفات المطلوبة لرئيس مجلس الوزراء في هذه المرحلة تحديدا، والاساس ان تقبل قوى المعارضة على مختلف تنوعها على مواصفات محددة التي من خلالها سنعلم البرنامج الذي سيحمله رئيس الحكومة المقبل، وبالتالي سنكون على دراية ان هذا الرئيس سيكون قادرا على اخراج لبنان من ازمته. ولا شك ان مكونات المعارضة مدعوة بشكل واضح ان تتفق على مرشح واحد وبرنامج واحد لتتمكن من تسمية رئيس الحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة.
وحول تشكيل اللجان النيابية، اكدت مصادر «القوات» انها منذ اللحظة الاولى قالت ان ليس لديها مشكلة مع التصويت والانتخاب او في التعيين، مشيرة الى انه من بعد التجربة الاخيرة على الجميع ان يعيد درس ما حصل، قائلة : «هل قدمت جديدا؟» واوضحت انه في نهاية المطاف ما يعني «القوات» هو تفعيل عمل اللجان النيابية، كاشفة ان رئيس الحزب سمير جعجع يعطي تعليماته باستمرار لكل نواب «القوات» من اجل حضور اجتماعات اللجان كونها المطبخ التشريعي للبرلمان من اجل تحديث القوانين وتطويرها.
الجيش وملاحقته لتجار المخدرات
في غضون ذلك، يشن الجيش اللبناني اشرس معاركه بوجه تجار المخدرات ضاربا بيد من حديد كل المخالفين والفارين من القانون بهدف اتمام العدالة وبسط سيطرة الدولة التي هي مطلب كل اللبنانيين الوطنيين. وقد استغربت اوساط وزارية الانتقاد اللاذع الذي وجهه النائب غازي زعيتر لقائد الجيش ومتهما اياه بتدمير بيوت، في حين ان قائد الجيش جوزاف عون شدد ان الجيش لا يحتاج الى غطاء طائفي او ديني.