كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : لم تحجب جلسة انتخاب أعضاء اللجان النيابية ورؤسائها والمقررين امس الاهتمام بملف ترسيم الحدود الذي اشتعل بنيتجة توجّه باخرة الحفر والتنقيب عن النفط والغاز اليونانية «انرجين باور» الى حقل كاريش البحري المتنازَع عليه بين لبنان واسرائيل، في وقت أعلن لبنان انّ الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين لبّى دعوته وسيزور بيروت الاحد او الاثنين المقبلين ليستأنف رعاية مفاوضات الناقورة لترسيم الحدود البحرية. ويُنتظر ان يواكب وصول هوكشتاين انطلاق الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف الشخصية التي ستؤلف الحكومة الجديدة وتترأسها.
تتبّع المسؤولون باهتمام أمس الاتصالات الجارية لمعالجة التطورات التي استجدت بعد تحركات سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال «Energean Power» قبالة المنطقة الحدودية البحرية اللبنانية المتنازَع عليها، واطلعوا على التقارير حول المنطقة التي وصلت اليها، لا سيما منها تلك التي رفعتها إليهم قيادة الجيش ومراجع اخرى لديها الامكانات عينها.
جنوب الخط 29
وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» انّ الباخرة لم تدخل المنطقة المتنازع عليها وهي لا تزال على بعد ثلاثة اميال جنوب الخط 29 الى الجانب الاسرائيلي من المنطقة الاقتصادية، في خطوة وُصِفت بأنها تعبّر عن تريّث اسرائيل في القيام بأي عمل استفزازي انتظاراً لوصول الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين الى المنطقة نهاية الأسبوع الجاري، ومنعاً لخلق اجواء من التوتر لا تريدها الحكومة الاسرائيلية بفِعل الضغوط الاميركية التي دخلت على الخط في انتظار الجديد اللبناني على رغم مخاوف تل أبيب من قدرة الجانب اللبناني على وقف العملية.
وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» انّ الاتصال الذي أجراه نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب مع هوكشتاين أمس الأول انتهى بإبلاغه انه سيكون في بيروت خلال نهاية الأسبوع الجاري او بداية الأسبوع المقبل، اي ما بين الاحد او الاثنين، وهو ما سيؤكده في وقت لاحق قبل هذا الموعد، مؤكداً انّ الزيارة ستكون بناء على طلب الجانب اللبناني للبحث في استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية والعمل على إنهائها في اسرع وقت ممكن.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد قال خلال جلسة انتخاب اللجان النيابية أمس، رداً على استفسارات بعض النواب ودعوتهم الى مناقسة اقتراح قانون موجود حول الخط 29، «إنّ الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، آموس هوكشتاين، سيصل إلى العاصمة بيروت الأحد أو الإثنين المقبلين».
لا نفي ولا تأكيد
ولم تشأ وزارة الخارجية الأميركية نفي أو تأكيد ما أعلنه بري، من أنّ هوكشتاين سيزور بيروت الأحد أو الاثنين المقبلين للبحث في مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
ونقلت قناة «الحرة» الاميركية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس قوله: «ليس لدينا أي شيء نُضيفه إلى ما قاله المتحدث نيد برايس أمس (الأول)».
وكان برايس قد أكد في مؤتمره الصحافي امس الاول أنه «ليس لديه أي إعلان عن سفر هوكشتاين في هذا الوقت». وقال إن مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل «قرار يجب اتخاذه من قبل الدولتين»، مضيفاً: «نعتقد أن الصفقة ممكنة إذا تفاوضَ الجانبان بحسن نية وحقّقا فائدة لكلي البلدين. وندعم بقوة الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق مفيد للطرفين».
ميقاتي
من جهته، تَتبّعَ رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي نتائج الاتصالات الديبلوماسية الجارية في شأن ملف ترسيم الحدود البحرية، وما هو متوقع على صعيد مهمة الوسيط الاميركي، وكرّر التأكيد «أنّ الدولة اللبنانية تتابع معطيات هذا الملف السيادي بامتياز وتجري معالجته بالطرق الديبلوماسية للخروج بنتائج ايجابية، وتحرّك المفاوضات غير المباشرة مجدداً». و شدد على «أهمية إبعاد هذا الملف عن السجالات الداخلية والحسابات السياسية، كونه يخصّ جميع اللبنانيين، ويحفظ حقوق لبنان في مياهه وثرواته الطبيعية واستقراره».
الى ذلك ينتظر ان يتناول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله آخر التطورات السياسية وفي مقدمها ملف الحدود البحرية، وذلك في إطلالة تلفزيونية عند الثامنة و35 دقيقة مساء غد.
وكان اللافت امس ما قاله الرئيس السابق للوفد التقني العسكري المفاوض حول الحدود البحرية الجنوبية العميد بسام ياسين، في تصريح لشبكة «يورونيوز»، من أنّه «وفقاً للرسالة اللبنانية الى الأمم المتحدة المؤرّخَة في 28/12/2021، يعدّ حقل كاريش متنازعاً عليه». وقال: «إن إسرائيل لم تبدأ عملية الحفر والتنقيب الآن بل بدأت بالحفر والتنقيب منذ العام 2013. والآن بدأت، وبوصول هذه الباخرة، عملية استخراج الغاز من كاريش، وهذه مشكلة كبيرة، فمنَ اللحظة التي تبدأ فيها عملية الاستخراج، يصبح حقل كاريش خارج المعادلة، وبالتالي يُسقِط لبنان أهم ورقة بملفه التفاوضي». وأضاف: «نحن أمام مرحلة جديدة لم يعد تَرف الوقت موجودا فيها، وبالتالي يتوجّب على الحكومة اللبنانية مجتمعة، حتى وإن كانت حكومة تصريف أعمال، أن تجتمع وأن تشدّد على الخط 29 وعلى الإحداثيات، وأن ترفع هذه الإحداثيات إلى الأمم المتحدة». ورأى أن «جميع الخيارات متاحة بما فيها الخيار العسكري للحفاظ على حقوق لبنان وحماية ثرواته، وسيكون هناك أيام صعبة، سيكون هناك ضغط كبير في لبنان من أجل توقيع المرسوم، وإيداع الأمم المتحدة هذه الإحداثيات، وبالنتيجة كل الخيارات متاحة أمام لبنان».
ورَدّ ياسين على قول وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس من انه سيتم حل الخلاف في شأن الغاز عبر الديبلوماسية بوساطة أميركية، فقال: «إننا جرّبنا الوساطة الأميركية ولم تكن سوى ترداد للموقف الإسرائيلي فقط، فلنقم الآن بتعديل المرسوم، وتأتي الوساطة وفق معطيات جديدة، للبنان خط قانوني جدي وقوي ولتكن الوساطة الأميركية على ضوء التغيّر الجديد حتى يأخذ لبنان حقه في الترسيم». واضاف: «لا يهمنا إطلاقاً أين تقف الباخرة اليوم ان كانت جنوب الخط 29 أو شماله، إذ انّ الاعتداء هو في سرقة حقل كاريش». وشدد على أنه «لتكن الصورة واضحة، الاعتداء هو سرقة الثروات وسرقة حقل كاريش المتنازع عليه، لبنان يجب أن يثبت حقه وأن يؤكد أنّ هذا الحقل متنازع عليه، وعليه أن يلزم شركة «إنرجين باور» بالتوقف فوراً عن أعمالها في حقل كاريش، وأن يهددها باستخدام كافة الوسائل الدبلوماسية والقانونية وحتى العسكرية إذا لزم الأمر».
تهديد إسرائيلي
في غضون ذلك، اطلقت اسرائيل تهديداً جديداً ضد لبنان، حيث نقل المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي، عبر «توتير»، تصريحاً لقائد المنطقة الشمالية الميجر جنرال أمير برعام لمناسبة الذكرى الـ16 لحرب تموز 2006، قال فيه: «16 عامًا مرّت على الحرب ومنظمة «حزب الله» الإرهابية تحاول فرض التحديات أمامنا لكنها لا زالت مردوعة جدًّا. الاستقرار الأمني على الجبهة الشمالية الذي نتج من هذه الحرب هو خير تأكيد على قوة الردع التي خلقتها». واضاف: «في الفترة الأخيرة ازدادت الأعمال لإقامة مواقع أمامية لـ»حزب الله» على الحدود. نحن نرصد نشطاء هذا الحزب في منطقة السياج الحدودي. من أين أتوا وأين يعملون، في النهاية سيدفعون الثمن، هم ومرسيلهم وطائفتهم أيضًا والقرية التي تسمح لهم باستخدامها كقاعدة عسكرية للإرهاب».
وعن تَموضع «حزب الله» في القرى جنوب لبنان، قال برعام: «في الحرب سنقوم بتدمير كل البنى التحتية على خط التماس العسكري هذا، ولن يبقى حجر على حجر! هذا ما سيكون عليه مصير كل مُنشأة في القرى أو المدن التي يستخدمها هذا الجيش الإرهابي».
واضاف: «دولة لبنان ستبقى على ما يبدو داخل مزبلة «حزب الله» – إيران الفاشلة، ونحن في جيش الدفاع سنستمر في العمل في سوريا ولبنان، سواء عبر تأمين الأمن اليومي أو من خلال المعركة الخفية بين الحروب من أجل تقويض كل جهود الإرهاب، وتَموضعه وتعاظمه».
نهار نيابي طويل
من جهة ثانية، أقفل النهار النيابي الطويل على دعوة وجّهها بري الى جلسة نيابية جديدة تعقد الثالثة بعد ظهر غد، لإستكمال انتخاب ما تبقى من اعضاء اللجان النيابية ثم انتخاب رؤساء كل اللجان ومقرريها.
وكانت جلسة الامس، التي انعقدت على مرحلتين قبل الظهر ومساء، قد انتهت الى فوز 9 لجان بالتزكية بينها لجنة الخارجية، وفوز 5 لجان بالانتخاب بينها لجان: المال والموازنة، الادارة والعدل، الدفاع والداخلية، الاشغال والطاقة. على ان تُنتخَب لجنتا الصحة والتربية في جلسة بعد غد.
وتبيّن انّ المعركة التي خاضها نواب قوى التغيير قد خَسّرتهم مقاعد في عدد من اللجان، وخصوصاً في لجنة الادارة والعدل التي لم يربحوا اي عضو فيها، ما دفعهم الى عقد اتفاقات جانبية أمّنت لهم الفوز بعضوية عدد من اللجان. مع العلم انّ بري قال خلال الجلسة: «موضوع اللجان ليس كالجلسة الاولى، كلها مشاركة، وعلينا ان نقوم بالواجبات نفسها، ويستطيع النائب ان يشارك في لجنة ليس عضواً فيها. بنتيجة الامر لم أر هذا الجو، اذا بقينا نَصوّت في كل أمر تأكدوا اننا لن ننتهي في أسابيع. أتمنى ان نخفّف قليلاً ونرى المصلحة الحقيقية، المطبخ الحقيقي هو هنا».
ولوحِظ انّ الجلسة اتّسَمت بمُشادات كلامية عكست الهوة الكبيرة بين نواب قوى التغيير ونواب الاحزاب.
النواب التغييريّون
وفي ظل الاجواء التي شهدتها الجلسة اعتبرت اوساط سياسية مواكبة لانتخاب اللجان النيابية للمجلس الجديد «انّ النواب التغييريين أثبتوا انهم لا يزالون متواضعي الخبرة»، مشيرة الى «انّ إصرارهم على عدم مَد جسور او نسج تفاهمات مع مكونات المجلس الأخرى سيؤدي الى إضعاف فعاليتهم وتهميش دورهم».
وقالت هذه الاوساط لـ»الجمهورية»: «انّ القوى السياسية أيضا وفي طليعتها مكونات 8 آذار مَدعوّة الى استيعاب الجسم الجديد الذي دخل الى المجلس والتعاطي معه ببراغماتية من خلال اعطائهم مساحة مقبولة في اللجان حتى يشاركوا الآخرين في تَحمّل المسؤولية»، مشددة على انه «من الضروري التَكيّف مع تركيبة المجلس المنتخب وإعطاء اشارة الى الداخل والخارج أنّ هناك ارادة للتفاعل الايجابي مع نواب المجتمع المدني الذين يجب التمييز بينهم وتَفادي وَضعهم جميعاً في سلة واحدة، «إذ انّ مواقف بعضهم حيال الخيارات الاستراتيجية، وتحديداً المقاومة، هي جيدة وتتقاطع الى حد كبير مع اتجاهات قوى أساسية على ضفة 8 آذار».
الاستشارات المُلزمة والحكومة
في غضون ذلك، وبعد الانتهاء من انتخاب اللجان النيابية، سيتصدر الاسحقاق الحكومي وجهة الاهتمامات الى جانب موضوع ترسيم الحدود البحرية. وعلمت «الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية ميشال عون يَعتزم توجيه الدعوة غداً او بعد غد الى الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها في القصر الجمهوري لتسمية رئيس الحكومة الجديدة، على ان يكون موعد هذه الاستشارات الاسبوع المقبل، وذلك بعد إتمام مشاوراته التي يُجريها بعيداً عن الاضواء مع بعض القيادات والقوى السياسية.
وقالت مصادر مطلعة على جانب من الاتصالات لـ»الجمهورية» انّ الرئيس نجيب ميقاتي هو المرشح الوحيد لتأليف الحكومة الجديدة حتى الآن. وكشفت «انّ عملية التكليف ليست مرتبطة بأيّ ملف آخر على الاطلاق، وهي استحقاق سيحصل في حدّ ذاته بعيداً عن تفاهمات مسبقة او ضمانات او غيرها من الامور المرتبطة بالتأليف، والتي تُنشَر وتُبثّ في بعض وسائل الاعلام.
أمّا شكل الحكومة، فرجّحت المصادر ان يعمل ميقاتي، في حال تكليفه، على تأليف حكومة شبيهة بالحالية، من دون ان يعني ذلك انه سينجح في هذه المهمة.