كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: راهنت قوى 8 آذار على تشرذم صفوف الأكثرية ونجحت في رهانها… هذا ما حصل باختصار أمس تحت قبة البرلمان، حيث أعاد “حزب الله” رسم خريطة الأكثرية النيابية وسحب البساط من تحت أقدام الأحزاب والقوى السيادية والتغييرية، فرصّ أصوات الحلفاء وأمّن “النصف زائداً واحداً” لتمرير انتخاب مرشحَيْه لرئاسة المجلس ونيابة الرئاسة، نبيه بري والياس بو صعب، فضلاً عن الاستحواذ على أغلبية أعضاء هيئة المكتب.
وبالنتيجة، خلصت مشهدية “ساحة النجمة” إلى إبداء مصادر نيابية معارضة أسفها لكون “حزب الله” استطاع أن يأكل “البيضة” المجلسية بأكملها “بينما كان نواب التغيير يتلهّون بالقشور من خلال التركيز على شكل التغيير وليس على جوهره”، مشددةً على أنّ “الناس صوّتوا في الانتخابات لتحقيق حركة اعتراضية منتجة في مجلس النواب لا حركات استعراضية أمام عدسات الكاميرات وفي الساحات لم تسفر سوى عن تقديم هدايا مجانية للسلطة والطبقة السياسية الفاسدة على أرض الواقع“.
وفي وقائع الجلسة، ساد هرج ومرج في القاعة العامة على امتداد العملية الانتخابية، بدءاً من انتخاب رئيس المجلس، مروراً بانتخاب نائب الرئيس، ووصولاً إلى انتخاب أعضاء هيئة المكتب، الأمر الذي شكّل مدخلاً لمطالبة النائب علي عمار الرئيس بري “بالتشدد أكثر في إدارة الجلسات من الآن فصاعداً”، خصوصاً بعدما بدت إدارة الأخير “هزيلة” للجلسة أسوةً بالنتيجة “الهزيلة” التي حققها في نسبة الأصوات التي حاز عليها للفوز بولايته السابعة في رئاسة المجلس، إذ بشقّ الأنفس حصل على المعدّل المطلوب لانتخابه من الدورة الأولى بواقع 65 صوتاً مقابل 23 ورقة بيضاء و 40 ورقة ملغاة توزعت فيها أصوات نواب التغيير بين “العدالة لتفجير ضحايا المرفأ” و”العدالة للمودعين وللبنان” و”لقمان سليم” و”شهداء زوارق الموت” و”العدالة لمن فقدوا عيونهم برصاص شرطة المجلس النيابي” و”العدالة للنساء المغتصبات”، إضافة إلى استخدام أعضاء كتلة “الجمهورية القوية” اسم تكتلهم في عملية الاقتراع لرئاسة المجلس تأكيداً على عدم تصويت أي منهم لبري كما حاول أن يروّج “التيار الوطني الحر” عشية الجلسة.
أما المعركة على نيابة الرئاسة الثانية، فلم يفز بها مرشح “التيار الوطني الحر” والثنائي الشيعي الياس بو صعب إلا في الدورة الانتخابية الثانية بعدما حاز في الدورة الأولى على 64 صوتاً مقابل 49 صوتاً لمنافسه المرشح السيادي غسان سكاف، ليعود إلى تأمين فوزه بـ65 صوتاً في الدورة الثانية مقابل 60 لسكاف بالإضافة إلى ورقة ملغاة وورقتين بيضاوين، علماً أنّ عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم دحض نفي رئيس “التيار الوطني” جبران باسيل التصويت لبري، فأكد هاشم جازماً من ساحة النجمة عقب الجلسة إجراء عملية مقايضة في الأصوات بين الكتلتين قائلاً: “نحن أعطينا أصواتنا لصالح بو صعب ومتأكدون من أنّ “التيار” أعطونا مجموعة أصوات كبيرة لانتخاب الرئيس بري“.
وبعدما ضرب رئيس المجلس موعداً جديداً لانعقاد جلسة انتخاب اللجان النيابية الثلاثاء المقبل، انتقل إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون في زيارة بروتوكولية تطرقت “من دون شك” إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة العتيدة، حسبما أكد بري لدى مغادرته القصر رداً على استفسارات الصحافيين. ونقلت أوساط مطلعة على كواليس قوى الثامن من آذار أنّ الاستحقاق النيابي أمس شجّع هذه القوى على “الاستعجال في إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لإعادة تكريس أكثريتها في الاستحقاق الحكومي“.
وإذ لفتت إلى أنّ “الصورة لا تزال ضبابية” حول الشخصية التي ستحظى بدعم نواب وكتل السلطة لمهمة تكليف الحكومة الجديدة، أعربت الأوساط نفسها عن ثقتها بأنّ الساعات المقبلة ستشهد اتصالات متسارعة يقودها “حزب الله” لمحاولة اقتناص اللحظة السانحة ورصّ الصفوف مجدداً خلف مرشح موحد يحظى بدعم الأكثرية النيابية التي نجحت في إيصال بو صعب لنيابة الرئاسة الثانية، مشيرةً في هذا المجال إلى أنّ حظوظ الرئيس نجيب ميقاتي لا تزال مرتفعة لدى “حزب الله” خصوصاً وأنّ قنوات اتصاله لا تزال مفتوحة مع الفرنسيين ومع المجتمعين العربي والدولي، بالإضافة إلى مفاوضاته المستمرة مع صندوق النقد الدولي، غير أن الأوساط نفسها كشفت في المقابل أنّ “باسيل سيسعى إلى فرض شروطه الاستيزارية بقوة في الميزان الحكومي، وقد بدأ بالفعل بعملية ابتزاز ميقاتي عبر إعادة طرح اسم جواد عدرا لترؤس الحكومة الجديدة“.