كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: تَواصَل جنون ارتفاع الدولار والاسعار دافِعاً البلاد الى مزيد من الانهيار على كل المستويات في ظل انسداد الافق السياسي والخوف من الدخول في فراغ دستوري شامل نتيجة انسحاب الانقسام السياسي الذي كان سائداً قبل الانتخابات على الواقع الراهن، بينما اللبنانيون يكتوون يوماً بأزمة معيشية تتفاقم باضطراد وتهدد بثورة الجياع وانفجار اجتماعي يرافقه تفلّت امني وقتلى وجرحى في الطرق نتيجة اعمال سلب تسجّل يومياً في بيروت وضواحيها ومعظم المناطق، فيما دعا مجلس الامن الدولي الى الاسراع في تأليف «حكومة شاملة» وتطبيق الاصلاحات، معتبراً ان تشكيلها يسمح «بالتوصّل السريع الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي».
في هذه الاجواء دعا رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، بصفته رئيس السن للمجلس النيابي الجديد، إلى «عقد جلسة عامّة في تمام السّاعة 11 من قبل ظهر يوم الثلاثاء الواقع فيه 31 أيّار 2022، في القاعة العامّة لمجلس النواب في ساحة النجمة، وذلك لانتخاب رئيس ونائب رئيس للمجلس النّيابي وأمينَي سرّ وثلاثة مفوّضين؛ وذلك عملًا بأحكام المادّة 44 من الدستور».
وقالت مصادر نيابية بارزة لـ«الجمهورية» انّ دعوة بري الى الجلسة تحتمل امرين: امّا ان الطبخة المجلسية قد نضجت لعقد الجلسة بحيث يتم خلالها انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس وبقية عناصر المطبخ التشريعي، واما ان بري التزم المهلة الدستورية ودعا خلالها الى الجلسة ليحضّ من يعنيهم الامر على التوافق قبل انعقادها بما يؤدي الى انجاز المهمة المطلوبة منها بكل عناصرها.
ولكن في الوقت الذي لم تكشف فيه المصادر النيابية عن حقيقة ما انتهت إليه الاتصالات لمقاربة الاستحقاق النيابي، توسّعت الروايات حول هوية نائب الرئيس الى درجة يعتقد فيها انّ المعركة لم تعد على مستوى انتخاب الرئيس بري فهو مرشح وحيد ولا ثاني شيعياً له وأنها باتت على مستوى نائبه.
وتزامناً، بدأت المعلومات تتوسع في اتجاه الأسماء المطروحة لنيابة الرئاسة، فترشيح النائب الياس بو صعب لا يحظى على ما يبدو حتى الآن بموقف موحد لتكتل «لبنان القوي» الذي ينتمي إليه، وكذلك فإنّ كتلة «القوات اللبنانية» التي لا ترغب بالتصويت لبري لن تخوض بالتالي معركة نائب الرئيس لأحد اعضائها النائب غسان حاصباني.
وعلمت «الجمهورية» ان الاتصالات تتركز على محور بري ـ «حزب الله»- التيار الوطني الحر وما حوله لتأمين انعقاد الجلسة ونجاحها، وينتظر ان تتبلور نتائج هذه الاتصالات خلال الايام الفاصلة عن موعد الجلسة.
مجلس الامن
في غضون ذلك دعا أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ15 امس الاول، في اعلان صاغَته فرنسا وتبنّوه بالإجماع، إلى «الإسراع في تشكيل حكومة شاملة جديدة» في لبنان بعد الانتخابات التشريعية، وتطبيق إصلاحات من بينها إقرار موازنة 2022. واعتبر انّ من شأن تشكيل حكومة أن يسمح «بالتوصل السريع لاتفاق مع صندوق النقد الدولي».
وشدد المجلس على «الحاجة إلى التدابير المتوقعة لتعزيز «المشاركة والتمثيل السياسي الكامل والكبير وبالمساواة للمرأة بما في ذلك في الحكومة الجديدة». وذكّر بـ«ضرورة الانتهاء السريع من تحقيق مستقل ونزيه ومعمق وشفاف في انفجار 4 آب 2020 في بيروت وهو أمر ضروري لتلبية التطلعات المشروعة للشعب اللبناني في المساءلة والعدالة».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد اشار الاثنين الفائت إلى أنه «ينتظر بفارغ الصبر التشكيل السريع لحكومة شاملة» في لبنان.
لبنان والامم المتحدة
الى ذلك، التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس وكيلة الامين العام للامم المتحدة والمديرة المساعدة لبرنامج الامم المتحدة الانمائي «UNDP» اوشا راو موناري، ونوّه امامها بـ«الشراكة القائمة بين لبنان والامم المتحدة»، واصفاً اياها بـ«الاساسية لمساعدة لبنان على اعادة النهوض، خصوصا بعد سلسلة الازمات غير المسبوقة التي تعرض لها والتي كانت لها انعكاسات ضخمة اقتصادية ومالية واجتماعية».
ونقلت موناري الى عون «تحيات الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش والتهنئة بإنجاز الانتخابات النيابية التي تعطي فرصاً اضافية للبنان كي ينعم بالاستقرار والاصلاح». وشددت على «اهمية الشراكة القائمة بين الامم المتحدة ولبنان في معظم المجالات»، لافتة الى أنّ «المنظمة الدولية ستبقى ملتزمة في دعم الحكومة اللبنانية لتحقيق التنمية المستدامة والاصلاحات الانمائية المطلوبة». واشارت الى ان «الموازنة التي خصصها برنامج الامم المتحدة الانمائي للبنان لهذا العام تبلغ 75 مليون دولار من اجل تنفيذ برنامج الاصلاحات ومكافحة الفساد ودعم المجتمعات المضيفة، فضلاً عن المساعدة في الانتخابات النيابية».
بن فرحان وعبداللهيان
من جهة ثانية، وبعد يومين على حديث وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بين فرحان في دافوس عن تقدّم في المفاوضات السعودية الايرانية، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في كلمة له في منتدى دافوس: «إذا كانت السعودية مهتمة بالعودة إلى علاقاتها مع إيران فنحن نرحّب بذلك»، مضيفاً: «أحرزنا تقدما في المحادثات الأخيرة مع السعودية ونرحّب بعودة العلاقات إلى وضعها الطبيعي وقد اجتمع بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في دولة ثالثة». ولفت إلى أن «إيران والسعودية دولتان كبيرتان وذات نفوذ في المنطقة وطهران لم تقطع علاقاتها الديبلوماسية مع الرياض بالكامل».
ثورة جياع
على الصعيد المعيشي لاحت في الافق مؤشرات الى ثورة الجياع وانفجار اجتماعي نتيجة تفاقم الازمات المعيشية التي تتحرك على وقع الدولار، وشهد الشارع تحركات للقطاع الاستشفائي والطبي وتوقّف عن العمل وانتقاد «للسياسة النقدية المتوحشة التي تمارسها الدولة»، وسط تحذير من انقطاع الدواء والعلاج عن المرضى كان قد سبقه مطلع الاسبوع اضراب للقطاع الصيدلاني، فيما نفذ أصحاب الأفران والمخابز اعتصاما أمس في مؤشر الى أزمة خبز.
ويؤكد خبراء انّ الانهيار الذي يتواصل في لبنان منذ أكثر من عامين لم يصل بعد الى القعر، ولكن مع تَسارع وتيرة ارتفاع الدولار ستزداد سرعة الانهيار لأن التثبيت المصطنع لسعر الدولار الذي اعتمد خلال الاشهر الماضية بدأ بالتفلّت وهو ما يفسر التقلبات الحادة في سعر الصرف.
وقالت مصادر لـ«الجمهورية» انه «مع كل ما يحصل لا نزال في اول الطريق ولم نصل تماما الى القعر، ومع احترامنا للخروق التي تحققت بنتائج الانتخابات والوجوه الجديدة التي دخلت الا ان الأزمة أكبر بكثير من قدراتنا وامكاناتنا المتوفرة ويقابلها وضع اقليمي غير مؤات ليكون لبنان اولوية عند الدول». واضافت: «للاسف في هذا الوقت لا تزال الطبقة السياسية تتلهّى بمن سيكون رئيسا لمجلس النواب ومن هو نائبه ومن سيترأس اللجان… بينما الدولار يطير ويحلق بحيث ان 60% على الاقل ممن يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانية باتوا ما دون خط الفقر، ولا أحد يكترث».
بدوره، أكد الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود اننا لم نصل الى القعر بعد ووَضعنا سيستمر بالانزلاق في ظل الانهيار المتواصل لسعر الليرة. والسؤال المطروح الى اي مدى ستظل هذه العملة الوطنية مقبولة من التجار مع التقلبات الحادة في سوق الصرف؟ مبدياً خشيته من ان يلجأ التجار الى فرض الدولار في التعامل، اي بدلاً من ان يأخذ الليرة من الزبون ويشتري فيها الدولار من الصراف، ان يطلب الدولار من الزبون مباشرة وهذا تماماً ما حصل في أعوام 1987 و1988 و1989. وقال: ليس صحيحا اننا مُسيّرون تجاه الدولرة انما عناصر السوق تفرض هذا الواقع، ومن حق التاجر ان يحفظ قوته الشرائية خصوصا ان السوق يتقلّب بالدقائق.
وكان أصحاب الافران قد اعتصموا امس امام وزارة الاقتصاد للمطالبة بتأمين القمح للمطاحن ووضع تسعيرة لربطة الخبز تناسب سعر الصرف. وطالب المعتصمون مجلس النواب الجديد بـ«الاسراع في إقرار قانون قرض البنك الدولي لدعم القمح». وقال أمين سر نقابة المخابز والأفران في بيروت وجبل لبنان ناصر سرور: «مشكلتنا كبيرة لأنها تتعلق برغيف الخبز والطبقة السياسية أقفلت معظم مؤسسات البلد ولا مشكلة لديها أن نقفل نحن أيضاً».
الافران والخبز
بدوره، أشار نائب رئيس اتحاد نقابات المخابز والافران علي ابراهيم الى انّ «الافران تعمل بشكل طبيعي اليوم (امس) ولكن بعض المطاحن لا تسلّم، من ابرزها مطاحن الجنوب الكبرى». وقال ان «آلية الدعم التي حُكي عنها في مجلس الوزراء لم تنفذ، ووزير الاقتصاد غائب عن السمع». في هذه الاثناء واصلت أسعار المحروقات ارتفاعها حيث سُجلت زيادة امس بـ9000 ليرة في صفيحة البنزين 95 و98 أوكتان لتخترق عتبة الـ600 الف ليرة. فيما توقّع المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران أن يصبح التقنين المعتمد لدى المؤسسة أقسى، لافتاً الى انّ المازوت اذا لم يؤمن فسيتوقف توزيع المياه. وقال: «المياه موجودة ولكن لدينا صعوبة لنقلها الى الناس».
الى المجلس التأديبي
على الصعيد القضائي كشفت مصادر قضائية مجهولة امس عن إحالة النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون إلى المجلس التأديبي، لمخالفتها موجب التحفّظ.
وفي اول تعليق على الاحالة قالت عون، في تصريحات لها: «لم أتبلّغ عن موضوع الشكوى ضدي ولم يجرِ استدعائي أمام هيئة التفتيش التي أولاً من المُفترض عادةً أن تستمع الى القاضي قبل إحالته الى المجلس التأديبي وهي لم تفعل، وأرجّح أن يكون الموضوع مرتبطاً بمخالفات مزعومة لا أساس لها من الصحة وقد جرى استيضاحي بشأنها».
وقالت عون لـ محطة (OTV) انّ «توقيت إحالتي الى المجلس التأديبي يأتي خوفاً من استمراري في متابعة ملفات مالية دقيقة يمكن أن تصل الى نتيجة في موضوع محاربة الفساد، والبرهان أنّ المدعي العام التمييزي يتخطّى كل القوانين ولا أحد يَطاله».
عويدات لـ«الجمهورية»
وفي الوقت الذي لم تعلن اي جهة قضائية رسمية عن هذه الاحالة ومصدرها، وقبل ان تتحدث عون عنها، قال المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات في اتصال مع «الجمهورية» انه اطّلع على الاحالة من المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وليس له اي علاقة بهذه الاحالة ومدى صحتها.
هيئة التفتيش القضائي
وفي مواجهة هذه المعلومات التي لم يتبناها احد من المسؤولين قالت مصادر قضائية لـ«الجمهورية» انه «سبقَ لوزير العدل ان احال القاضية عون الى هيئة التفتيش القضائي فور عودتها من زيارة فرنسا التي قصدتها من دون إذن مسبق، ولكن لم يعلن عن حضورها أمام الهيئة، وان تم ذلك سراً ومن دون اي إعلان مسبق فإنّ ذلك امر عادي، فلم يسبق للهيئة التي يترأسها القاضي بركان سعد ان اعلنت عن اسماء القضاة الذين يُحالون إليها». واضافت «أن عشرات القضاة حضروا امامها في اكثر من مناسبة ولم يعلن عن مثل هذه الخطوات التي تبقى عادة سرية بما فيها القرارات التأديبية والمسلكية التي تنتهي اليها. ومن النادر ان تنشر مثل هذه القرارات قبل الفلتان الإعلامي إذ لم يعد هناك شيء محظور بعدما تحولت المحاكمات الداخلية والسرية الى حد ما مادة إعلامية لا ينقص سوى نقلها مباشرة على الهواء».