كتبت صحيفة الشرق الأوسط تقول: تسابق الأزمات المعيشية الاستحقاقات الدستورية في مرحلة ما بعد الانتخابات، حيث انخفضت قيمة العملة المحلية مقابل الدولار إلى أدنى مستوى في تاريخها، فيما لم تظهر أي مؤشرات على انعقاد جلسة عامة للبرلمان الجديد هذا الأسبوع، وسط تجاذب سياسي واقتصادي على العناوين والاستحقاقات الداهمة، ودفع شيعي، ديني وسياسي، نحو إعادة انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري لرئاسة البرلمان الجديد.
وانعكس الكباش السياسي وغياب التسويات بين القوى الفاعلة، تدهوراً إضافياً في سعر صرف الدولار، حيث سجل سعر صرف الدولار مقابل الليرة، 34 ألف ليرة، في أدنى انخفاض في تاريخه، وبلغ في بعض التداولات عتبة 40 ألف ليرة، في ظل تأزم سياسي وتشظٍّ في الخيارات والطروحات، رغم الدعوات لسلوك مسار دستوري لإنجاز الاستحقاقات والشروع في تنفيذ خطة الإصلاح المطلوبة دولياً.
ويتعين على البرلمان المنتخب أن يجتمع خلال 15 يوماً بعد انتهاء ولاية المجلس السابق، (انتهت يوم الأحد الماضي) بغرض انتخاب رئيس جديد له ونائب الرئيس وهيئة المكتب، وتليها خطوة دعوة رئيس الجمهورية لاستشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة تحل محل حكومة تصريف الأعمال. لكن لم تظهر بعد أي مؤشرات على موعد حاسم للجلسة النيابية المنتظرة، وذلك في ظل تجاذب وانقسام بين القوى السياسية حول انتخاب رئيس المجلس نبيه بري مرة جديدة من عدمه.
وبحث الرئيس اللبناني ميشال عون مع السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، الأوضاع الداخلية ومرحلة ما بعد الانتخابات النيابية والاستحقاقات الدستورية المنتظرة، وجددت غريو تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «استمرار دعم فرنسا للبنان، لا سيما في الظروف الراهنة».
وبدا أن هناك التفافاً شيعياً حول انتخاب بري لرئاسة المجلس، حيث دعا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان «بعض الهواة الجدد إلى الالتفات للدروس الميثاقية التي تحكم لبنان في ظل نظامه السياسي الحالي»، لافتاً خلال استقباله منسقة الأمم المتحدة الخاصة في لبنان يوانّا فرونِتسكا «إلى أن الرئيس نبيه بري اليوم هو ضرورة نيابية وطنية وميثاقية وسط عواصف عاتية تضرب لبنان».
بدوره، طالب نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ علي الخطيب «النواب بالإسراع في انتخاب رئيس للمجلس النيابي وفق الميثاقية الوطنية، ولتكن هذه المناسبة تعبيراً عن وحدة الموقف لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه لبنان وشعبه، وإنجاز الاستحقاقات الدستورية الأخرى وفق هذه الروحية، فيبادروا إلى انتخاب الرئيس بري الذي يشكل ضمانة وطنية لحفظ المؤسسات الدستورية وإطلاق المشاورات النيابية الملزمة لتشكيل حكومة إنقاذية إصلاحية مهمتها الأولى والأخيرة منع سقوط لبنان والنهوض باقتصاده وحفظ نقده واستعادة أمواله المنهوبة والإفراج عن أموال المودعين وحفظ الاستقرار المعيشي والاجتماعي وإعادة ثقة اللبنانيين والعالم بالدولة اللبنانية».
وانسحب تأييد إعادة انتخاب بري على «حزب الله» الذي أعلن عن تبني كتلته النيابية ترشيح كتلة «التنمية والتحرير» لبري لرئاسة البرلمان. وقال النائب عن الحزب حسن عز الدين: «من أهم أهدافنا في هذه المعركة السياسية التي خضناها يوم 15 مايو (أيار) الحالي، كان عدم سقوط أي مرشح شيعي من المرشحين على لائحة الأمل والوفاء، وهذا الهدف تحقق، ولذلك لم يستطع أي من منافسينا أن يخترقوا لوائح الأمل والوفاء بمرشح شيعي واحد ليفكّروا أو يحتملوا أن يكون هناك رئيس لمجلس النواب غير دولة الرئيس نبيه بري».
من جهته، قال المكتب السياسي لـ«حركة أمل» بعد اجتماعه أمس، إن «صفحة الانتخابات النيابية قد طُويت مع إغلاق صناديق الاقتراع التي عبّر فيها اللبنانيون عن خياراتهم الديمقراطية وتوجهاتهم السياسية»، وقال: «على بعض القوى السياسية اليوم أن تبتعد عن صيغة الخطاب التحريضي الذي انتهجته في فترة ما قبل الانتخابات لشد العصب والشعبوية التي لا تفيد لبنان، وأن يعود الرشد السياسي والنضوج الفكري إلى العقول الحامية والجامحة باتجاهات لا تخدم الثوابت الوطنية، ولا تنتبه إلى دقة المرحلة وتوازناتها، وتحاول استعادة اصطفافات موهومة لم تجدِ سابقاً، وبالتأكيد لن تنفع اليوم، في لحظة الانهيار الذي يشهده البلد على الصعد كلها».
وشددت حركة «أمل» على أن «المطلوب اليوم تلقف المبادرات الإيجابية وملاقاة اليد الممدودة للتعاون، فالمرحلة المقبلة خصوصاً على صعيد التشريع يُفترض أن تحوّل البرلمان إلى ساحة عمل وميدان تشريع رافد لورشة إنقاذ فعلية وإصلاحات حقيقية وملموسة تقترحها الحكومة المنتظرة، لا أن تكون أفكار البعض الخارجة على المنطق والواقعية السياسية ممن لم يفقه بعد معنى العمل التشريعي والرقابي وآليات الدستور والقانون والنظام الداخلي للمجلس النيابي محاولة اغتيال من عقلية مريضة، تريد إغراق البلد في وحول النكايات».