كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: انتهت المعركة الانتخابية ولن تنتهي القراءات في خلاصاتها الوطنية وتداعياتها المزلزلة تحت أقدام المنظومة وأركان السلطة، بعدما أثبت الشعب اللبناني أنه شعب يرفض الخنوع والخضوع، عصيّ بتكوينه على التدجين والترهيب والاستسلام… كـ”البحار يعتمد على ذكائه وحركيّته ليضبط أمواج البحر المتلاطمة” كما غرّد السفير السعودي وليد بخاري أمس، مقتبساً من وصف الفيلسوف الألماني هيغل للمكوّن اللبناني.
تفاصيل دقيقة برزت تحت المجهر الانتخابي لتشكّل بمجملها “نواة تغيير” غير تفصيلية، استرعت انتباه المراقبين في الداخل والخارج فانكبوا على رصد مفاعيلها وتأثيراتها على عموم المشهد اللبناني، وسط تهيّب ملحوظ لردة فعل محور الممانعة على سحب أحزاب المعارضة والقوى التغييرية البساط من تحت أقدامه في المجلس النيابي، الذي أسقط في دورة العام 2022 رموزاً بارزة من حقبة الوصاية السورية وحجّم الغطاء المسيحي لسلاح “حزب الله”، فانتقل في مساحة عريضة من مقاعده، من “بيئة حاضنة” للسلاح إلى “بيئة حاضنة” لمطلب وضع هذا السلاح على طاولة البحث، تحت مبدأ استعادة سيادة الدولة وحصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيدها.
فبنتيجة التمحيص الأفقي والعمودي في خارطة المجلس الجديد، تبرز جملة مؤشرات واضحة في دلالاتها ومعانيها لا سيما مع تراجع منسوب المشاركة الانتخابية في بيئة الثنائي الشيعي، بموازاة سقوط حلفاء تاريخيين له على مختلف الساحات الوطنية، مقابل صحوة مسيحية عارمة من سكرة “تسونامي” العام 2005، فجاءت النتائج لتنزع عباءة الزعامة عن كتف العهد وتياره وتضعها فوق أكتاف الفريق المسيحي المناوئ لسلاح “حزب الله” بقيادة “القوات اللبنانية”، الأمر الذي سينعكس تقليصاً لحجم مظلة “تفاهم مار مخايل” الذي لطالما استظل “الحزب” تحتها لإضفاء الشرعية المسيحية على مسألة بقاء سلاحه خارج كنف الدولة.
ومع انقلاب المشهد، أصبح “التيار الوطني” اليوم واحداً من حلفاء “حزب الله” الذين يستظلون عباءته على الساحة المسيحية خصوصاً بعدما عانى رئيس “التيار” جبران باسيل الأمرّين للحفاظ على ماء وجهه في مسقط رأسه لينجو بمقعده النيابي في البترون، بينما طوت جزين الحقبة العونية وأنهت العهد قبل نهايته عبر إسقاطها مرشحَيّ “التيار” بضربة مزدوجة منعت أي منهما من تأمين حاصل انتخابي، بالتوازي مع إسقاط مرشح “الثنائي” ابراهيم عازار.
وكذلك في سائر الدوائر لم يكن طعم صناديق الاقتراع أقلّ مرارةً على الأحزاب والقوى والشخصيات الملحقة بالثنائي، فكان السقوط مدوياً في الجبل لكل من مرشحي “حزب الله” الدرزيين طلال أرسلان ووئام وهاب، في حين ردّ الثوار على محاولة دهسهم تحت عجلات سيارة نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي قبالة ساحة النجمة بأن أسقطوه في البقاع الغربي رغم كل المحاولات و”الخزعبلات” التي جرت خلال ساعات نهار الأمس لإعادة “تعليب” فوزه داخل “الصندوق السوري”. وكذلك في مرجعيون وحاصبيا وجّهت قوى المعارضة صفعة مدوية للائحة “أمل”ـ “حزب الله” بعدما نجحت في إيصال “طبيب الفقراء” الياس جرادي إلى الندوة البرلمانية وإسقاط مرشح الحزب “السوري القومي” أسعد حردان مع بلوغ عتبة الحاصل الثاني الذي أطاح بمرشح “الثنائي الشيعي” المصرفي مروان خير الدين لصالح المرشح فراس حمدان.
ومع انتهاء عمليات الفرز، ينطلق العد العكسي عملياً لتصدي المجلس النيابي الجديد للتحدي الأول المدرج على جدول أعماله من خلاله انتخاب رئيس المجلس ونائبه، الأمر الذي يضع إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لولاية سابعة على المحك في ظل كرة المجاهرة المتدحرجة تأكيداً على عدم نية أحزاب وقوى المعارضة والتغيير الفائزة في الانتخابات بالتجديد لبري.
وفي المعطيات الأولية، فإنّ طريق رئاسة المجلس لن تكون معبّدة ليمرّ عليها بري “مرور الكرام” كما درجت العادة في الدورات المتتالية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، رغم عدم وجود مرشح شيعي ينافس قبضته على “المطرقة” النيابية، الأمر الذي سيشرع الأبواب أمام مشاورات ومفاوضات بينية في مختلف الاتجاهات على نية موضوع رئاسة المجلس خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، ربطاً بكون الدستور وضع مهلة 15 يوماً أمام المجلس الجديد ليدعو رئيس السن فيه إلى جلسة إنتخاب رئيسه ونائبه.
وإذ صودف أنّ بري هو “رئيس السنّ” الحالي في تركيبة المجلس المنتخب، توقع مراقبون أن يستخدم هذه الورقة للتحكم في الدعوة إلى جلسة إعادة انتخابه، بانتظار ما ستفسر عنه الاتصالات التي سيجريها لتأمين “الحاصل” الانتخابي لولايته السابعة، حيث ستتجه الأنظار إلى الجهود التي سيبذلها “حزب الله” مع رئيس “التيار الوطني” لدفعه إلى التصويت مع كتلته لصالح بري مقابل إدخال باسيل “شريكاً مضارباً” في صفقة مقايضة تفضي إلى تأمينه الميثاقية المسيحية لإعادة انتخاب بري مقابل منحه حق تسمية وترشيح نائب رئيس المجلس خلفاً للفرزلي.