كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: كحال الرهائن في قبضة عصابة إجرامية، لا يكاد يمرّ يوم على اللبنانيين من دون أن يدفع أحدهم حياته ثمناً على مذبح منظومة حاكمة تتخذهم رهينة مطامعها السلطوية… فمنهم من قضى نحبه غرقاً في محاولة يائسة للهرب من أسرها، ومنهم من آثر الموت “حرقاً” على أن يبقى يتحرّق ذلاً وقهراً بنيران “جهنم”، كما حصل أمس في صيدا حيث أقدم مواطن على سكب مادة قابلة للاشتعال على نفسه وإحراقها على مرأى من المارة الذين هرعوا لإسعافه إلى المستشفى بعد إصابته بحروق بالغة في كافة أنحاء جسده.
وعلى المذبح نفسه، لا يزال أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت يناضلون ويقاومون في سبيل عدم إضاعة حق أبنائهم وهدر دمائهم تحت وطأة إصرار السلطة على إخضاع القضاء والإمعان في تكبيل التحقيق العدلي منعاً لكشف الحقيقة وتحديد المرتكبين في الجريمة، فقرروا بالأمس رفع التحدي والتصويب مباشرةً على مسؤولية وزير “الثنائي الشيعي” يوسف الخليل في “تغطية المجرمين وحمايتهم” من خلال حجب توقيعه كوزير للمالية عن تشكيلات الهيئة العامة لمحكمة التمييز، متهمين إياه “أمام اللبنانيين بتضييع دماء أولادنا”، وتوجهوا إليه مباشرةً بالقول: “أنت اليوم مصرّ على أن تثبت أنك مسيّس وخادم مطيع لتأخير العدالة وحماية المجرمين والقتلة ومن فجّر بيروت وقتل أهلها“.
وإذ أكد الأهالي خلال مؤتمر صحافي عقدوه في نادي الصحافة أنّ تحجج وزير المالية بـ”الميثاقية” لتبرير تمنعه عن التوقيع على التشكيلات القضائية الجزئية، هو بمثابة “دسّ سمّ الطائفية” في الجسم القضائي، بغية إبقاء المحقق العدلي القاضي طارق البيطار “مكفوف اليد من قبل من يخاف المحاسبة ويهوى الإجرام”، ذكّروا في المقابل بأن الهيئة العامة في محكمة التمييز لطالما كانت تاريخياً مؤلفة من 5 قضاة مسيحيين و5 قضاة مسلمين بالإضافة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى المسيحي الذي يترأس عرفاً إحدى غرف التمييز، محملين الخليل في الوقت عينه مسؤولية عرقلة التحقيق مع البرتغالي خورخيه موريرا والإسهام في ضياع المعلومات التي تشكل رأس الخيط في الوصول إلى الحقيقة في عملية استقدام شحنة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، ليخلصوا إلى إمهاله “أياماً معدودة” لتوقيع التشكيلات القضائية… وإلا “لا يلومنا أحد على ما سنفعله“.
في الغضون، وبينما تسلّح أهالي ضحايا المرفأ بمجاهرة رئيس الجمهورية ميشال عون على هامش مشاركته في قداس عيد الفصح في بكركي بمسؤولية “الثنائي الشيعي” عن عرقلة وزير المالية عملية استكمال التواقيع اللازمة لإقرار تشكيلات هيئة محكمة التمييز، استرعت الانتباه أمس إعادة تصويب عون على مسؤولية “جهات في موقع السلطة” عن تأجيج الوضع المالي في البلد، غامزاً بذلك من قناة رئيس مجلس النواب نبيه بري، حسبما رأت أوساط سياسية مواكبة لخط التوتر المستمر بين قصر بعبدا وعين التينة.
وفي هذا الإطار، اعتبرت الأوساط أنّ كلام رئيس الجمهورية أمام وفد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي برئاسة شارل عربيد، والذي لفت فيه إلى وجود أياد خفية تقف وراء “التلاعب بالمسائل المالية وبسعر صرف الدولار”، إنما يأتي في سياق متصل بالحملة العونية على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بينما أتى تذكيره بالدور التشريعي في “المساعدة في الحد من التدهور المالي والاقتصادي” مقروناً بإشارته إلى وجود تقارير محلية وخارجية حول “جهات هدفها تأزيم الوضع ومنها من هم في موقع السلطة” ليصبّ في خانة توجيه “اتهام غير مباشر لرئيس مجلس النواب من دون تسميته، بأنه المسؤول عن حماية سلامة وتأمين مظلة سياسية له تحول دون المضي قدماً في عملية إصلاح السياسة المالية والنقدية والاقتصادية في البلاد“.