كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: بصريح العبارة، وبشفافية لامست حد “السذاجة وقلة الحنكة والخبرة”، خضّ نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الرأي العام بإعلانه الفجّ عن “إفلاس الدولة والمصرف المركزي”، فأخذ تصريحه أبعاداً متدحرجة، داخلياً وخارجياً، ربطاً بكونه صدر عن “مسؤول حكومي رفيع” حسبما تعاملت معه كبريات وكالات الأنباء العالمية، فكان وقعه مزلزلاً على أرضية الإنهيار اللبناني، زاد طينها بلّة وعمّق الشروخ تحت أعمدة الدولة المتآكلة والمتهالكة.
لا شك أنّ الشامي قال ما قاله عن حسن نيّة، من باب المصارحة والمكاشفة وضرورة مغادرة مربع “الإنكار” الرسمي، لكن غلطته أنّ كلامه أتى في غير مكانه وأوانه فبدا بمثابة “الزحطة” التي “دركبت” حكومته وأربكت رئيسها على مشارف إنجاز مسودة التفاهم الأولي مع صندوق النقد الدولي، لتتوالى المواقف الرسمية الهادفة إلى “ترقيع زلة لسانه” والتي حملت في مضامينها معاني متناقضة على قاعدة: “أفلسنا وما أفلسنا”، كما علّقت مصادر مالية على محاولات التمييز في “التفليسة” بين سيولة الدولة وملاءتها، مؤكدةً أنها “مجرد عبارات يتم استخدامها من المسؤولين في السلطة لزوم التذاكي على الناس، رغم إدراك الجميع أنّ الدولة مفلسة و”شبعت إفلاساً” منذ العام 2019 وهي تقتات منذ ذلك الحين على ما تبقى من ودائع اللبنانيين“.
وإذ سارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى إطفاء وهج البلبلة التي أحدثها تصريح نائبه، مؤكداً أنّ “ما أخذ من حديث الشامي كان مجتزأً وهو قصد بما قاله السيولة وليس الملاءة”، وكذلك فعل حاكم المصرف المركزي رياض سلامة من خلال نفي “إفلاس المصرف” مشدداً على أنه “لا يزال يمارس دوره الموكل إليه بموجب المادة 70 من قانون النقد والتسليف وسيستمر بذلك”… بادر نائب رئيس الحكومة بنفسه إلى تصويب ما عناه في تصريحه لقناة “الجديد” فأوضح لـ”نداء الوطن” أنّ ما نُقل عن لسانه أتى في معرض “الإجابة عن سؤال حول مساهمة الدولة ومصرف لبنان بردم الهوة (المالية)، فكان رده أنّ وضع الدولة والمصرف المركزي صعب وليس لديهما سيولة كافية”، وأضاف: “أي أنني بالمعنى التقني قصدت بكلامي التعثر النقدي (Broke) وليس الإفلاس (Bankrupt)”.
أما الوزير السابق ريشار قيومجيان فرأى في تعليقه لـ”نداء الوطن” أنّ الشامي “يقول الحقيقة وليس سواها وهو صادق مع نفسه ومع الناس، فالدولة مفلسة وتتطلب إعادة نهوض”، مشدّداً على “ضرورة مصارحة اللبنانيين بالحقيقة وإقرار قانون الكابيتال كونترول وخطة إنقاذ إقتصادية وإعادة تكوين السلطة من خلال كوادر وشخصيات مستقلة وتكنوقراط توحي بالثقة للمستثمرين وتنفّذ الإصلاحات، وإلا فلا خلاص للبنان”. أما الخبير الإقتصادي لويس حبيقة فحرص على التأكيد لـ”نداء الوطن” على كون “المفلس الوحيد في البلد هو المواطن الذين يريدون سلبه أمواله وودائعه، بينما الدولة لا تزال غنية بأملاكها ومؤسساتها وتعاني من مشكلة توفر السيولة في خزينتها، كما أنّ مصرف لبنان لديه أملاك وأصول وفروع متعددة، وباستطاعته مع الدولة إيجاد العديد من الطرق لتسديد فجوة الخسائر المالية من دون تحميل المواطن أية أعباء وخسائر“.
على ضفة المصارف، بادر أمس كل من “بنك البحر المتوسط” وبنك عودة” وبنك بيروت” إلى تقديم دعاوى “مخاصمة الدولة” أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز ضد القاضية غادة عون بتهمة ارتكاب “أخطاء جسيمة” في التحقيقات التي تجريها في ملف المصارف، كما تقدّم رئيس جمعية المصارف سليم صفير بدعوى “رد” القاضية عون عن هذا الملف أمام محكمة الاستئناف المدنية في جبل لبنان، غير أنّ عون رفضت أن تتبلغ دعوى “المخاصمة” ودعوى “الرد”، تهرباً مما سينتج عن تبلغها من “رفع يدها فوراً” عن التحقيقات إلى حين البتّ بالدعويين.
حكومياً، لفتت أمس زيارة الرئيس ميقاتي إلى كليمنصو حيث استقبله رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وتداول معه في ملفات الساعة وفي مقدمها الشأن الانتخابي، لا سيما وأنّ رئيس الحكومة ضمّ على اللائحة المدعومة منه في طرابس مرشحة “الاشتراكي” عفراء عيد.
وأثناء مغادرته، لوحظ أنّ رئيس الحكومة تعمّد التأكيد على أنه عازم على “فرملة” التعيينات في مجلس الوزراء في المدى المنظور، قائلاً: “لا تعيينات في الوقت الحاضر”. ولدى سؤاله عما إذا كان كلامه يعني أنّه يفضل إرجاء إقرار سلة التعيينات الجديدة إلى “العهد المقبل”، اكتفى بالإجابة: “لا تعيينات في جلسة الحكومة الأربعاء المقبل“.