كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: كمن يلاحق السراب، لا يزال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يراهن على إحداث التغيير الإصلاحي المنشود في لبنان ويضع على أجندة ولايته الرئاسية الثانية بند “اختراع الحلول” للأزمة اللبنانية، كما وعد نهاية الأسبوع، قافزاً من فوق الوقائع المرّة والتجارب المريرة التي خاضها مع السلطة الحاكمة في لبنان منذ انفجار 4 آب، ليرهن نجاح رهانه هذه المرة باستحقاق 15 أيار لعله يحدث تغييراً في موازين القوى الداخلية لصالح إرساء ذهنية الإصلاح والتغيير في سدة الحكم بعدما أثبتت أكثرية 8 آذار أنها “مجبولة” بالفساد والخراب والتخريب، وعصيّة على كل المبادرات الوطنية والخارجية الهادفة إلى إنقاذ اللبنانيين.
ولأنها شبّت وشابت على الصفقات والسمسرات والمحاصصات، آثرت السلطة عدم تفويت فرصة التشكيلات الديبلوماسية لزرع أزلامها في عواصم العالم قبل انتهاء وكالتها النيابية وولايتها الرئاسية، فاندلعت معركة “عالسكين يا بطيخ” بين أركان العهد وتياره وحلفائهما في الحكم والحكومة، بغية تناتش “طبق الحصص” الدسم على مائدة التشكيلات المزمع إقرارها، الأمر الذي فرض التأجيل والتريث في إقرار سلة المناقلات والترفيعات الديبلوماسية الجديدة بانتظار “هضم” كل فريق حصته قبل إقرارها على طاولة مجلس الوزراء.
وفي هذا السياق، يحتدم الكباش بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على حلبة المراكز الديبلوماسية السنية والمسيحية، خصوصاً وأنّ مصادر مطلعة على مشروع التشكيلات الدبلوماسية أكدت لـ”نداء الوطن” أنّ “باسيل يهدف إلى تسمية الموالين له في عدد من العواصم الفاعلة بهدف الإمساك بالعلاقة مع هذه العواصم لغايات عدة من بينها التسويق له والعمل على رفع العقوبات الأميركية عنه”، وهذا ما يفسّر بحسب المصادر “الإصرار على إعادة سفراء لم يمضوا الفترة القانونية لوجودهم في الخارج، لاستبدالهم، بسفراء موالين لرئيس “التيار الوطني” في مراكز مهمة مستفيداً من دعم “حزب الله” لهذا التوجه في سبيل تزخيم النهج الديبلوماسي الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية ميشال عون في الفاتيكان دفاعاً عن سلاح “حزب الله”، في عدد من العواصم الغربية“.
وإذ لفتت إلى أنّ “ميقاتي كان يميل إلى تجنّب القيام بأي تعيينات أو تشكيلات في ظل هذه الحكومة، لأنه لا يجوز استباق الانتخابات الرئاسية بدفعة تعيينات وتشكيلات ديبلوماسية يجري فرضها على رئيس الجمهورية الجديد قبل 8 أشهر من انتهاء ولاية عون، ولأنّ الأصول تقضي بأن يتم تعيين سفراء وملء مراكز حساسة مع كل عهد جديد”، غير أنّ المصادر المطلعة نقلت أنّ “رئيس الجمهورية يبرر إصراره على إنجاز التعيينات الديبلوماسية قبل نهاية عهده، بكون باسيل كان قد طلبها من ميقاتي قبيل تكليفه برئاسة الحكومة فلم يمانع حينها“.
وعن حصيلة الاتصالات الجارية في هذا الملف، أوضحت المصادر أنها أسفرت عن “توسيع دائرة التقاسم بين الرؤساء الثلاثة في التشكيلات بهدف تمريرها، بحيث يحصل “التيار الوطني الحر” على رئاسة بعثة لبنان في الأمم المتحدة بتعيين مدير مكتب باسيل سابقاً هادي الهاشم رئيساً للبعثة بعد ترفيعه من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى، فيما مبدأ الأقدمية في الترفيع ينطبق على أكثر من 20 زميلاً له أقدم منه في السلك بسنوات عدة، كما أنّ هناك في بعثة نيويورك ديبلوماسيين أعلى رتبة من هاشم سيصبحون تحت رئاسته في حال تمت ترقيته”، وتردد أنه من أجل تمرير هذه التشكيلات “يُنتظر أن يسمي ميقاتي سفيراً سنياً محسوباً عليه في واشنطن بدل تولي السنة رئاسة البعثة في نيويورك عبر السفيرة الحالية أمال مدللي، مقابل تعيين سفير مقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري في لندن“.
وأشارت المصادر إلى أنّ “الحجة التي استخدمت من أجل تبرير ضرورة إنجاز التشكيلات هي الضجة الحاصلة في أوساط الديبلوماسيين برتبة سفير في الإدارة المركزية الذين يطالبون بحقهم في تعيينهم في الخارج بعدما مضت أكثر من المدة القانونية (7 سنوات) على خدمتهم في لبنان، بينما بعض السفراء في الخارج أمضوا أكثر من 7 سنوات في مناصبهم ويتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة، فيما يتقاضى ديبلوماسيو الإدارة المركزية في بيروت رواتب هزيلة بالليرة“.
وفي الغضون، واصل البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي تظهير المزيد من المواقف المنددة بأداء السلطة الحاكمة مجدداً التأكيد على ضرورة اختيار رئيس جديد للجمهورية جدير بإنقاذ البلد قبل شهرين من انتهاء ولاية عون، وهو ما أعاد التشديد عليه في إطلالة متلفزة له أمس بعدما كان قد لفت في عظة الأحد إلى أهمية نجاح الاستحقاق الانتخابي في 15 أيار باعتباره “ضمانة لنجاح انتخاب رئيس جمهورية يكون على مستوى تحدي النهوض بلبنان“.
وفي الفترة القصيرة الفاصلة عن الانتخابات النيابية، حثّ الراعي اللبنانيين إلى “إنتخاب من هم الأفضل لإجراء التغيير المنشود في الهيكليات والقطاعات والأداء”، وقال: “أن ننتخب يعني أن نغيّر، وأن نقترع يعني أن نختار الأفضل”، مصوباً في المقابل على اعتماد القوى السياسية الحاكمة “الشعبوية والتراشق باتهامات تزيد الانقسام والضغينة” كركيزة لحملاتها الانتخابية، كما استهجن ارتفاع منسوب “الشبهات حول مسار القضاء في لبنان الذي أصبح بجزء منه أداة في يد السلطة السياسية تستخدمها ضد العدالة”، وتساءل: “هل نحن أمام مكافحة الفساد أم أمام مكافحة الأخصام السياسيين؟”، مبدياً أسفه لما وصل إليه البلد من “تبعية قضائية للمنظومة السياسية” بشكل لم يشهده في أي زمان سابق.