كتبت الزميلة نوال نصر في صحيفة “نداء الوطن”:
إذا كان هناك أكثر من خمسين ألفا قد تركوا أعمالهم في الفترة الأخيرة، لينضموا الى صفوف أكثر من 500 ألف عاطل عن العمل. وإذا كان هناك 1,5 مليون لبناني تحت خط الفقر، ونسبة أعداد الفقراء في لبنان تجاوزت الـ 61 في المئة. وإذا كانت نسبة اللبنانيين الذين لا يتجاوز مدخولهم اليومي أكثر من 3,84 دولارات تزيد عن 28 في المئة. وهناك شاب واحد عاطل عن العمل بين كل ثلاثة. فماذا تتصورون أن تكون الحال حين تستعين بعض الشركات في لبنان بثقافة: يوم التوظيف المفتوح المعتمدة عالميا؟
أهلا بكم في يوم التوظيف المفتوح. شركات لبنانية كثيرة بعثت برسائل هاتفية تدعو فيها الى المشاركة بذلك. “بيرغر كينغ” الذي سبق وأقفل فروعاً له في لبنان، أسوة بما فعل “هارديز”و”بيتزا هات”، قد ارسل رسالة يقول فيها: يوم توظيف مفتوح في “بيرغر كينغ” الروشة في 24 مارس (اليوم) من الساعة الثانية عشرة ظهراً حتى الخامسة عصراً. الدعوة جذابة. والقيمون عليها يستعدون “لهجومٍ صاعق” اليوم من شباب ينتظرون على جمرٍ فرصة عمل. عزت الداعوق سبقه بذلك حيث دعا الى الإنضمام الى يوم التوظيف المفتوح لديه في الحادي والعشرين من هذا الشهر من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة بعد الظهر. فلماذا هذه الدعوة المفتوحة؟ وهل هي لمصلحة الشبان والشابات بالفعل؟ ومن لبى النداء؟
“غبار العمل ولا زعفران البطالة”. هو مثلٌ يعرفه كثيرون حتى من لم يتذوق منهم الزعفران في حياته. في “عزت الداعوق” إستعانوا منذ يومين بثقافة “يوم التوظيف المفتوح” لأول مرة، في تاريخ الشركة، بحسب المسؤولة عن التوظيف هناك، والنتائج أتت ممتازة مع بعض الملاحظات. فاللبنانيون، كما عادتهم، ما زالوا يأتون حتى اليوم. اللبنانيون الباحثون بالسراج والفتيلة عن فرصة عمل لم يلتزموا بيوم توظيف مفتوح فقط. وفي التفاصيل “خصصت الشركة اليوم المفتوح لوظائف شاغرة فيها وعددها 20. ولبى النداء العشرات. والتوظيف تمّ على الفور بعدما التقى القيمون على قسم الموارد البشرية (human resources) طلاب العمل ومن وُجدت فيهم المعايير المطلوبة تمّ تحويلهم مباشرة الى الأقسام المعنية فوراً لتقديم العرض من دون ان ينتظــروا طويلاً مشقة ارسال السيرة الذاتية وانتظار الرد والموافقة.
الشركات الصغرى
ثقافة “يوم التوظيف المفتوح” موجودة في الغرب وفي دولة الإمارات وحتى هي معتمدة من قبل الشركات الكبيرة في لبنان مثل “أ ب ث” و”آزاديا” لكنها أول مرة تعتمد من قِبل الشركات الأصغر منها . وفي الملاحظات التي تبديها الشركات الصغرى أن “الحاجة” اليوم كبيرة لكن هناك حاجة أيضاً الى أن يفهم طالبو العمل هذه الثقافة الوظائفية. في هذا الإطار أرسلت شركة “عزت الداعوق” 500 ألف رسالة أس أم أس بشكل عشوائي الى الناس في سبيل أن يعرفوا بذلك.
لبنانياً، 65,676 لبناني ولبنانية اصبحوا خارج تغطية الضمان الإجتماعي، بحسب “الدولية للمعلومات”، في خلال الأعوام 2019 و2020 و2021 بينهم 15 ألفا تركوا بسبب الوفاة أو العجز أو بلوغ السن القانونية. ما يعني أن من بين هؤلاء أكثر من 50 ألفاً ما زالوا في عداد من ينشدون عملاً ليتمكنوا من العيش في ظل الفاقة الهائلة.
فكرة وتمويل
فهل يفترض بهؤلاء من الآن وصاعداً إنتظار “يوم وظائف مفتوحاً” ليجدوا ما يبحثون عنه؟ الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة يعتبر أن كثيراً من هؤلاء باتوا يبحثون عن عمل من خلال طرح أفكار جديدة تقضي بإنشاء شركة ناشئة. وهناك أمران مطلوب إلتقاؤهما من أجل نجاح أي مشروع قد يحاول أي كان خوضه وهما: فكرة مقبولة جديدة يحتاج إليها المجتمع، وإيجاد تمويل. الأمر يتطلب الجهد. لذا يلجأ بعض أصحاب الأفكار الى ما يسمى التمويل الجماعي crowdfunding المقصود به العملية التعاونية المبنية على الثقة وشبكة العلاقات بين الأفراد”.
نعود الى ثقافة “يوم التوظيف المفتوح”. هو طريقة مبتكرة في التوظيف لا تعتمد على السيَر الذاتية والتحقق من البيانات الشخصية، خصوصاً أن كثيراً من الشبان والشابات لا يملكون أصلا سيَراً ذاتية يتكلون عليها ويخشون، في أولى تجاربهم، إجراء المقابلات الشخصية. صحيح أن هناك قطاعات كثيرة كالتعليم والقطاع الحكومي والرعاية الصحية والقطاع المالي تحتاج الى التوغل أكثر في السيَر الذاتية غير أن “يوم التوظيف المفتوح” يتلاءم أكثر مع القطاعات الخدماتية التي تستهوي الشباب والتي يحتاج فيها الى توظيف شباب مثل قطاع المبيعات في الشركات. وهنا يتاح لهؤلاء تخطي روتين التوظيف. في كل حال، هناك شركات في الغرب تعتمد تلك الثقافة منذ عقود، بينها شركة “غرايستون بيكري” للمخبوزات في نيويورك أو سلسلة متاجر :هوول فودز”. تلك المتاجر تستقبل طالبي العمل من دون أن تلزمهم بتقديم سيرة ذاتية.
قبل أن تتضافر كل أزمات الأرض لتضرب لبنان، لم يكن شباب لبنان يثقون بمن يمسكون زمام الأمور في لبنانهم، فكيف هي الحال اليوم؟ الأزمة اشتدت. البطالة أيضا. والوجع والقلق واليأس أيضاً وأيضاً. وأصبحت عيون الكثيرين والكثيرات على فرصة عمل في أي مكان على هذه الكرة الارضية. فهل تزامن انتقال ثقافة “يوم الوظائف المفتوح” مع حال البلاد ينفع؟
فلنسأل خبيراَ في مجال سوق العمل. ما رأي الأب طوني خضرا الذي مضى عليه أكثر من 14 عاماً وهو يبحث من خلال مؤسسة لابورا عن الحلول الملائمة لمشكلة البطالة في صفوف الشباب؟ وهل يمكن لأيام التوظيف المفتوحة أن تحل جزءاً من المشكلة؟
يُسارع الأب خضرا الى الردّ على الكلام حول البطالة بين الشباب بالقول “إن هناك شباباً ما بدن يشتغلوا” يضيف “أريد أن أهاجم الشبان والشابات لأن الوظائف المطروحة لدينا أكثر بكثير من عدد مقدمي الطلبات. فهؤلاء لا يريدون أن يعملوا بدل أجر بالعملة اللبنانية. إنهم يريدون الدولار. وأكثر من ذلك، يطلب هؤلاء معاشات خيالية مع العلم أن الحدّ الأدنى حتى هذه اللحظة لم يتغير في لبنان”.
صحيح ذلك، لكن، هل يعقل أن يُطلب من شاب، تخرج من الجامعة، أن يعمل لقاء مليون ليرة لبنانية أي أقل من أربعين دولاراً؟ يجيب خضرا “لا، هذا غير صحيح، فليست لدينا وظائف بأجر يقل عن خمسة ملايين ليرة. ونحن، لا نقبل من الأساس الوظائف المعروضة بأجور تقل عن ثلاثة ملايين ليرة. هذا شرط لدينا ونعتذر من أرباب العمل الذين يعرضون من خلالنا وظائف بأجور أقل”.
الوظائف المعروضة
يعدد رئيس مؤسسة لابورا الوظائف المعروضة: محاسبة، تسويق، صيانة، جليسة أطفال، وكيل مركز إتصالات… ويدخل في الأرقام: “في الشهرين الأولين من العام 2022 (كانون الثاني وشباط) وصل الى لابورا 169 فرصة عمل، لكن لم يتعد عدد طالبي العمل، خلال الشهرين نفسيهما، 53 طلباً. عروضات العمل إذا أكثر من عدد طالبيها. يضيف خضرا: هذا دليل على أن هناك عملاً ملائماً لمن يبحث بالفعل عن فرصة لكنها فرص بالعملة المحلية وهو ما لا يرتضيه كثيرون، مع تأكيدنا لهم أن العمل مقابل أجر شهري ثابت ولو بالعملة اللبنانية أفضل لهم وهو يضمن إستمراريتهم وتقدمهم”.
لا نعرف إذا كنا نستطيع لوم الشباب أو لوم قدرهم في أنهم يدخلون معترك العمل في أسوأ وقت يمر فيه لبنان. الأب خضرا يقول “إن مشكلة التوظيف في لبنان تُحلّ من خلال إعتماد الجامعات اللبنانية طريقة جديدة، عصرية، في التعليم والتركيز فعلياً على ما يطلبه سوق العمل، كما التشجيع على اختصاصات معينة مطلوبة حالياً مثل التمريض، كما يجب إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور في لبنان”.
نردد مع أبونا خضرا “على امل أن يحدث ما قاله” على قاعدة: لولا فسحة الأمل.
في كل حال، هناك ثلاثة انواع من طلبات التوظيف يتلقاها الأب خضرا: “طلبات عبر لابورا التي تعمل بدوام كامل وتستقبل كل من يقرع بابها وتقوم بتدريب الشباب. وهناك طلبات عمل تقدم أونلاين والمقابلة تجرى مع أصحابها عن بعد. وهناك منصة Sperare والهدف منها إنشاء “فسحة أمل”، وهي تستقبل 600 وظيفة في الشهر، بمعدل 20 وظيفة يومياً، توضع جميعها على المنصة ويستطيع من يبحثون عن عمل الإختيار بينها”.
ممتاز. يوم التوظيف المفتوح عند بعض الشركات يترافق مع إرادة حديدية من لابورا وسواها لردم الهوة بين طالبي العمل وعارضيه. لكن، دعونا نقول من جديد: الوضع يستمر سيئاً.
الشباب دخلوا في متاهة البطالة على الرغم من تصميم الكثيرين على إيجاد عمل، لكن، لم يعتد هؤلاء أن حالهم أصبحت كما حال العمال الآتين من أثيوبيا وبنغلاديش والأجر الذي يفترض أن يتوقعوه لن يكون كما يحلمون به.
في كل حال، هناك من قال: إن “الأنف العالي” ما عاد يصلح اليوم، وعلى الشباب أن يفكروا في وظائف لم يتخيلوا امتهانها يوماً.
ما رأي الإختصاصي في قانون الإقتصاد الدولي الدكتور حبيب قزي في مستقبل الشباب في لبنان؟ يجيب: “وظائف الدولة الى انخفاض، لذا يفترض بالشباب والشابات، وحتى إشعار آخر، ألا يدرسوا إختصاصات تخولهم فقط العمل في الدولة. وهذا ما بدأ الشباب يفهمونه. هناك شباب درسوا الحقوق واعتقدوا أنهم سيتمكنون من الإنخراط، عبر مجلس الخدمة المدنية، في وظيفة ما. فرضية انتهت الى أجل غير قصير. المحاماة، في ذاتها، ما عادت إختصاصاً “يطعم خبزاً”. فثمة محامون “ميتين من الجوع” خصوصاً من يعملون في حقول المدني والجزائي والأحوال الشخصية. فليتعلم الشباب بدلاً عن ذلك اللغات الأجنبية والإختصاصات الدولية في سبيل أن يفتحوا آفاقا نحو الخارج. فليدرس طلاب المحاماة مثلا قانون التحكيم الدولي بدل القانون المدني”.
زمان، كانت النصيحة بجمل أما الآن “فببلاش” ومن يسمعها يصمّ أذنيه عنها. شباب؟ شابات؟ الأمور تغيرت كثيراً بين قبل واليوم. متشائمون؟ متشائمات؟ اللهمّ أن تخرجوا قريباَ من خيباتكم.