كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: من “طاقة الفرج” السعودية التي لاحت في الأفق اللبناني، أطل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مستهل جلسة مجلس الوزراء أمس معتبراً أنّ الترحيب الخليجي بمضامين بيانه الأخير يؤشر إلى أنّ “الغيمة التي خيّمت على العلاقات مع لبنان إلى زوال”… لتعود الحكومة بعد استهلالية رئيسها إلى الغوص في مستنقع الأزمات الداخلية المتشابكة، غذائياً ومالياً واقتصادياً وقضائياً ومصرفياً ومعيشياً، مع إضافة وزير الداخلية “فتيلاً جديداً” قيد الانفجار في البلد، محذراً من “وجود مواد خطرة في معمل الزوق قد تكون أخطر من تلك التي كانت موجودة في المرفأ”، فتقرر تكليف الجيش الكشف على هذه المواد ووضع تقرير بشأنها.
أما في مواضيع الساعة، فاحتدم النقاش حول أكثر من ملف على طاولة مجلس الوزراء لكنه كان في أغلبه “نقاشاً عقيماً”، حسبما وصفته مصادر وزارية، معربةً عن أسفها لأنّ كل الطروحات المطروحة على بساط البحث هي في واقع الأمر “ترقيع بترقيع وبعيدة كل البعد عن الحلول الجذرية الواجب اتخاذها حيال مجمل الملفات المتراكمة والراهنة والداهمة”، فكانت النتيجة مزيداً من “التخبط واللف والدوران في دوائر مفرغة وسط انعدام القدرة على حسم الأمور لا في هذا الاتجاه ولا ذاك“.
ففي ملف الإشكالية القضائية – المصرفية، أحال مجلس الوزراء الموضوع على لجنة يرأسها وزير العدل هنري الخوري وتضم قضاة ومصرفيين للبحث في الحلول الواجب اعتمادها، بينما تمت إثارة مسألة الاستفادة من أصول الدولة لسد الفجوات النقدية في ميزانية الدولة. أما عن دعوة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمشاركة في جلسة مجلس الوزراء، فأوضحت المصادر أنها أتت في سياق “حديث عرضي حول ضرورة الاستماع إلى رأيه والاطلاع منه على الوضع النقدي بالعملة الأجنبية في المصرف المركزي لا سيما بعد طرح إمكانية الطلب منه إقراض الدولة بالدولار، لكن لم يتم تحديد أي تاريخ نهائي لدعوته”، لافتةً في الوقت نفسه إلى أنّ طلب وزير الطاقة الاستحصال على سلفة خزينة بالدولار تحت طائل تلويحه بتوقف المعامل نهائياً عن العمل في حال عدم تأمين هذه السلفة، أخذ حيزاً واسعاً من النقاش، خصوصاً في ضوء إشتراط عدد من الوزراء “معرفة وجهة صرف المبلغ المطلوب بشكل تفصيلي قبل الموافقة عليه”، فتقرر إحالة الموضوع إلى وزير المالية “للتدقيق بتفاصيله واقتراح الصيغة المناسبة لتمويل السلفة المطلوبة والآلية الرقابية اللازمة لصرفها“.
وفي خلاصة الجلسة، أكدت المصادر أنّ “الأمور كلها بقيت عالقة”، محذرةً من مغبة استنزاف الوقت أكثر من دون اعتماد المعالجات المطلوبة وبالأخص في ما يتعلق بقضية “الأمن الغذائي”، لأنّ البلد سيكون أمام “أزمة كبيرة وخطيرة في حال عدم المسارعة إلى إيجاد البدائل عن المواد الحيوية التي توقف استيرادها من أوكرانيا، وهذا ما سيُطرح (اليوم) على طاولة اللجنة المكلفة بهذه القضية”، مع إشارتها بالتوازي إلى “ضرورة البت بعملية وقف تصدير المواد الحيوية من لبنان في هذه المرحلة، وحل معضلة “تنازع الصلاحيات” التي أثيرت خلال جلسة السراي (أمس) بين الوزارات المعنية بهذا الملف“.
وفي خضم التخبط الرسمي اللبناني، استرعت الانتباه أمس مضامين العظة التي تلاها رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الكرسي الرسولي الكاردينال ليوناردو ساندري، على مسامع رئيس الجمهورية ميشال عون قبيل عودته إلى بيروت، خلال ترؤسه قداساً على نية لبنان في دير مار شربل التابع للرهبانية اللبنانية المارونية في روما، بحيث اعتبرت أوساط مراقبة أنّ “عظة” ساندري البابوية نسفت كل “المواعظ والرسائل السياسية” التي حاول تمريرها عون خلال زيارته روما والحاضرة الفاتيكانية، لا سيما لناحية دفاعه عن سلاح “حزب الله” والترويج لضرورة تعايش المسيحيين مع وجود هذا السلاح خارج إطار الدولة، تحت شعار “عدم تأثيره” على الوضع الداخلي في لبنان.
وفي المقابل، حرص ساندري في عظته على تأكيد أهمية الحفاظ على “هوية” الكيان اللبناني، مشدداً على وجوب أن يبقى لبنان “أميناً لهويته بين مختلف دول الشرق الأوسط، وعليه الخروج من أزمته الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تضربه منذ فترة والتي ضاعفت خطورتها التداعيات الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت في 4 آب”، ليوجه بهذا المعنى رسالة بالغة الدلالة قال فيها: “إن التنكّر للايمان يُفقد الهوية، والبحث عن الأمان عبر التحالف مع الطغاة يدمّر الهيكل ويسبي الشعب”، داعياً بشكل غير مباشر المسؤولين اللبنانيين إلى “القيام بفحص ضمير عميق”، مع تحذيره من أنّ “لبنان المنارة المرفوعة على جبل والمطلوب منها أن تشعّ في العتمة، تغدو علامة اضطراب وتعمية لسائر الاخوات والاخوة في البشرية“.
وفي رسالة متقاطعة مع عظة ساندري، لفتت أمس المواقف التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي من مصر خلال مقابلة أجراها مع قناة “أم تي في” وأعرب فيها عن أسفه لأنّ “لبنان فقد صحته وهويته الأساسية التي هي الحياد”، رافضاً بقاء الساحة اللبنانية مسرحاً “للحروب والصراعات والانعزال عن العالم”، ومشدداً على وجوب أن يكون بلداً “سيّد نفسه” لا أن يبقى كناية عن “دويلات وجمهوريات“.