“على نار” الصراع الملتهب بين المصارف والقضاء، يواصل فتيل الدولار “اشتعاله” في السوق السوداء مخترقاً سقف “صيرفة” بثلاثة آلاف ليرة مساءً ليتجاوز عتبة الـ24 ألف ليرة، تحت وطأة تأثيرات الإضراب التحذيري للمصارف والملاحقة القضائية لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، الذي تغيّب مجدداً أمس عن جلسة استجوابه أمام القاضية غادة عون فعاجلته بالادعاء عليه بجرمي “الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال”، فضلاً عن ادعائها على شقيقه رجا والمواطنة الأوكرانية آنا كوزاكوفا وأحالت الملف على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، مقروناً بتسطير “إشارة منع تصرّف على كافة الممتلكات العقارية العائدة لرجا سلامة”… في حين اكتفى حاكم المصرف المركزي بالتعليق لوكالة “رويترز” على الاتهامات المساقة ضده بالإشارة إلى أنّ التدقيق المالي في حساباته وأمواله “لم يكشف أنّ الأموال العامة تمثل أي مصدر لثروتي”.
وعلى وقع الانحلال المؤسساتي والمالي والنقدي والاقتصادي، يتحلل الواقع المعيشي والاجتماعي في البلاد تحت سطوة “مافيا” حاكمة متحكمة بقرار الدولة، خطفت إدارتها وسلبتها الإرادة وحسّ المسؤولية تجاه شعبها، فبات صموده مرهوناً بحزم المساعدات الإغاثية الواردة من الدول الشقيقة والصديقة، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية التي أقرت بالتعاون مع فرنسا صندوق دعم مالي مخصصاً لتقديم المساعدة الإنسانية والطبية والغذائية للبنانيين مباشرةً من دون المرور عبر قنوات السلطة وحساباتها… وجاءت تغريدة السفير السعودي وليد بخاري في الساعات الأخيرة لتعلن في رسالة “مشفّرة” عن قرب انطلاق الآليات التنفيذية لهذه المساعدات عبر “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”، الأمر الذي لاقاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتعبيد الطريق أمام بلوغ “المناشدات” اللبنانية المتزايدة للقيادة السعودية مبتغاها، تمهيداً لوصول “المساعدات” المرتقبة، من خلال إصداره بياناً رسمياً أمس جدد فيه باسم الحكومة “الالتزام باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع المملكة ودول الخليح”.
وتحت سقف تأكيد هذا الالتزام، وضع ميقاتي فحوى الاتصال الذي جرى بينه وبين وزير خارجية الكويت، مشدداً على أنّ حكومته ملتزمة “بما تضمنته بنود المبادرة الكويتية، وبكل قرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية، وبالعمل الجدي والفعلي لمتابعة واستكمال تنفيذ مندرجاتها بما يضمن السِّلم الأهلي والاستقرار الوطني للبنان وتحصين وحدته”، مع التأكيد على “ضرورة وقف كل الانشطة السياسية والعسكرية والامنية والاعلامية التي تنطلق من لبنان وتمس سيادة السعودية ودول مجلس التعاون وأمنها واستقرارها، واتخاذ الإجراءات كافة لمنع تهريب الممنُوعات وخصوصًا المخدرات إلى المملكة ودول الخليج بشكل مباشر أو غير مباشر والتشدّد على كافة المنافذ، والتزام لبنان باتفاقية الرياض للتَّعاون القضائي وتسليم المطلوبين إلى السعودية”، بالتوازي مع تعهده بأن تعمل “الحكومة اللبنانية على منع استخدام القنوات المالية والمصرفية اللبنانية لإجراء أي تعاملات مالية قد يترتب عليها إضرار بأمن المملكة والدول الخليجية”.
وتوازياً، كان البطريرك الماروني بشارة الراعي يشدد من مصر على العمق العربي للبنان وهويته، محذراً من مغبة تركه “منعزلاً”، وقد جسد ذلك من خلال زيارته التاريخية لجامعة الدول العربية حيث لاقى دعماً واستحساناً لطرحه “الحياد اللبناني”، فضلاً عن لقائه شيخ الأزهر إعلاءً لقيم “الأخوة الإنسانية” في مقابل نبذ “التوترات والصراعات والحروب والعنف والتطرف”… أما زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الفاتيكان، فأدرجتها قوى 8 آذار ووسائل إعلامها ضمن أجندة “التحريض” على طروحات بكركي السيادية والحيادية، لصالح “تلميع” صورة “حزب الله” والتسويق لطروحات مسيحيي الثامن من آذار في الحاضرة الفاتيكانية، حسبما لفتت مصادر سياسية معارضة في معرض تقييمها لأهداف الزيارة، وأضافت: “يكفي أن يصف إعلام “حزب الله” زيارة عون إلى الفاتيكان بأنها تصب في خانة انتعاش آمال مسيحيي 8 آذار في الاستحقاق الرئاسي المقبل باعتبار أنّ الفاتيكان ناخب أساسي في هذا الاستحقاق، لتتضح الأهداف الحقيقية من ورائها بعيداً عن كل ما كتب في “أطروحة” البيانات الرئاسية حول الزيارة”.
وبخلاف ما جاء في بيانات قصر بعبدا المطوّلة حول مجريات اللقاء الذي عقده عون مع البابا فرنسيس، كان بيان الكرسي الرسولي واضحاً ومقتضباً، بحيث أضاء على “المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي يعاني منها لبنان”، مبدياً الأمل في أن “تساهم المساعدات الدولية إضافةً إلى الانتخابات النيابية المقبلة والإصلاحات الضرورية في تمتين علاقات العيش المشترك السلمية بين مختلف المكونات الطائفية في بلاد الأرز”، ليختم البيان برسالة بالغة الدلالة تؤكد الموقف البابوي إزاء “النتائج الكارثية لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020” من خلال التشديد على “وجوب تحقيق العدالة والتوصل الى معرفة الحقيقة التي يطالب بها أهالي الضحايا”.