في خضم الازمة التي نعيشها، والتي بدت معها الآفاق نحو الانفراج مقفلة، فإن الحاجة الى وسيط خارجي صارت ملحة اكثر من اي وقت مضى، مع تأكيد الرئيس نبيه بري انعدام فرص “لبننة” الحل بعد انفراط عقد الحوار الذي كان قائما ما بين الافرقاء اللبنانيين.
واذا كان الدور الخليجي، وتحديدا السعودي الذي رعى اتفاق الطائف، والقطري الذي رعى اتفاق الدوحة، تراجع الى حد كبير، في ظل طغيان الدور الايراني – السوري الذي صار يتحكم في الكثير من مفاصل الدولة، فان ثمة حاجة الى اعادة التوازن الى الساحة اللبنانية، عبر التفتيش عن دور عربي – سنّي بديل، او التنسيق مع قوى تحظى بغطاء دول الخليج العربي، حتى لا ينزلق لبنان مجددا الى حرب اهلية نتيجة تحوله مجددا ساحة لصراع الآخرين وحروبهم، وتستغل اسرائيل ذاك الصراع لشن حروب جديدة ظاهرها ضد “حزب الله” وحقيقتها ضد الشعب اللبناني بمجمله.
تحاول تركيا ان ترث الدور العربي الخليجي بتحولها لاعبا اساسيا شريكا لايران في اقتسام الجبنة، لكن دون تلك الوراثة عقبات تتخطى العامل المذهبي، الى التحالف الفارسي – التركي الذي يلغي كل فاعلية عربية، وهو امر غير مقبول. من هنا تتجه الانظار حاليا، ومجددا، الى مصر امّ العروبة، والى الدور المصري الذي يمكن ان يحظى بالرضى السعودي والخليجي، علما ان القاهرة لم تقطع علاقاتها بكل العواصم من واشنطن الى موسكو، ومن الرياض الى طهران، وايضا دمشق، ما يؤهلها للعب دور الوسيط المطلوب في البحث عن حل لبناني يحظى بقبول معظم الاطراف الفاعلة في الشأن اللبناني.
وبعدما انتفت فرصة “اللبننة”، وسقطت طاولة الحوار بالضربة القاضية، وفي ظل استمرار المؤسسات في الانهيار، تُنتظَر ملامح من القاهرة ابعد من زيارة وزير الخارجية المصري الى بيروت ولقائه عددا من المسؤولين.
هل بات التحرك قاب قوسين؟ يتوقع عارفون ان تتأخر الخطوة قليلا، وذلك بهدف انهاك الافرقاء اللبنانيين اكثر، وتحريض الشارع اللبناني اكثر، وإعداد الارضية اللازمة لتلقف المبادرات التصالحية تالياً. وهو امر باتت تعرفه الطبقة السياسية اللبنانية وتوافق عليه ضمناً في ظل اتهام البعض للبعض الاخر بالتعطيل، وتبرئة نفسه من الجريمة. لكن الاكيد ان المبادرة اذا ما انطلقت ستسبق موعد الانتخابات النيابية المقبلة التي يجب ألا تتم الا في ظل رئيس جديد للجمهورية يتولى تكليف حكومة جديدة، والمضي في تسيير شؤون الدولة. وستتزامن المبادرة مع انتخاب الرئيس الاميركي الجديد وتحديد رؤيته للملفات الخارجية، ومنها بالطبع ملف الشرق الاوسط الذي يمكن ان تكون بوابته لبنان لان مشكلاته هي الاسهل مقارنة مع حروب المنطقة وتعقيداتها.
فهل تكون القاهرة بديلا مقبولاً من الطائف والدوحة لاخراج لبنان من عنق الزجاجة؟