كتبت صحيفة “النهار” تقول: اذا كانت مراحل الاستحقاق الانتخابي النيابي قطعت شوطا بارزا مع اقفال باب الترشيحات منتصف الليل الفائت، لتبدأ مرحلة تسجيل اللوائح التي تفرض إكمال التحالفات في مهلة تنتهي في الرابع من نيسان، فان كل هذا المعترك لا يحجب المأساة غير المسبوقة حتى في عز الحروب التي يعيشها اللبنانيون وخصوصا في المناطق الجبلية والنائية بلا دعم ولا سند ولا معونة. ذلك ان العاصفة القطبية التي تضرب لبنان منذ أسبوع والمستمرة على ما يبدو لايام مقبلة بعد هي عاصفة استثنائية بكل المعايير الطبيعية وتخرج عن الاطار التقليدي لـ”آذار الهدار”. ولكن مأساة اللبنانيين حيال هذه العاصفة لا تقتصر على تلقي عصف طبيعي حاد ومسرف في الصقيع، بل في الافتقار غير المسبوق الى ادنى معايير التدفئة وادنى معايير الحماية في ظل انعدام التيار الكهربائي والصعوبات الكبيرة في الحصول على مادة المازوت في ظل استشراء غلاء المادة. بذلك شكلت العاصفة اخر الاختبارات الحاسمة لدولة كارثية بكل معايير انهيار مقومات الحماية البديهية التي يفترض ان توفرها الدولة لابنائها والمقيمين على أرض لبنان. وسواء باستحقاق انتخابي يمكن ان تختبئ وراءه الدولة ام من دونه تنكشف هذه الدولة مرة أخرى واكثر من أي وقت مضى عن فشلها المحتوم في كل شيء حتى في تأمين الحد الأدنى من موجبات ابعاد الناس عن عراء أسوأ العواصف التي جعلت لبنان يرتجف كما لم يحصل مرة في تاريخه الحديث.
اما على الصعيد الانتخابي فبرز الحدث الأساسي المتمثل بتداعيات اكمال الرئيس فؤاد السنيورة “رباعية” عزوف رؤساء الحكومة الحالي والسابقين تباعا تمام سلام وسعد الحريري ونجيب ميقاتي عن الترشح للانتخابات النيابية بما يضاعف صورة التعقيدات التي تحوط بالساحة السنية تحديدا مع بدء اعلان التحالفات الأساسية في الدوائر ذات الأكثرية السنية. ولكن حركة السنيورة حملت تطورا بارزا تمثل باقران اعلان عزوفه بالتشديد على دعوة المواطنين الى الانخراط في الاقتراع نازعا عنه أي اتجاه للمقاطعة، ولو ان صورة عزوف رباعي رؤساء الحكومات عن الترشح تكفي في ذاتها لبلورة واقع استثنائي سيرخي بأثقاله على مجمل المشهد الانتخابي والسباق او التسابق على اقتناص المقاعد السنية في مختلف المناطق.
وشدد السنيورة في المؤتمر الصحافي الذي عقده لاعلان موقفه على ان “عزوفي ليس من باب المقاطعة بل على العكس لافساح المجال أمام طاقات جديدة وسأكون معنياً بالاستحقاق بشكل كامل وأعلن نفسي منخرطاً في الانتخابات لآخر أبعادها دون ترشّح”. ودعا الى المشاركة في الانتخابات “لكي لا يُتاح للوصوليين تعبئة الفراغ. فلبنان يحتاج في هذه الفترة الى كل الجهود الخيرة لإنقاذه عبر التقيد المثابر والملتزم بمصالح اللبنانيين الحقيقية، وأيضا بواجب العمل على استعادة الدور والسلطة الحصرية للدولة اللبنانية على كامل أراضيها ومرافقها. وكذلك عبر ممارسة الاحترام والالتزام الكامل بتطبيق الإصلاحات كما جاء في المؤتمر الصحافي الذي عقدته بتاريخ 23 شباط الماضي”. وقال”هذه مسيرة الشهيد رفيق الحريري والتي سار فيها الرئيس سعد الحريري وهي مسيرة مستمرة وأنا واحد منها ، والتي يجب أن يستكملها الجمهور الوطني اللبناني ونحن منهم، والتي سيكون الرئيس سعد الحريري في مقدمهم عندما يقرر العودة إلى دوره الطبيعي بإذن الله. أنا مستمر في هذه المسيرة كمواطن مسؤول، يعمل لكل لبنان، بدءا من عاصمته بيروت وانطلاقا باتجاه كل لبنان، ويضع نفسه في خدمته وخدمتها، ولا يكون ساعيا لمنصب أو موقع”.
وقد علمت “النهار ” ان السنيورة في اطار ترجمة موقفه يضع اللمسات الأخيرة على لائحة شبه مكتملة ستعلن خلال أيام في دائرة بيروت الثانية. كما انه ينسق مع الرئيس ميقاتي لاعلان لائحة أخرى في طرابلس والمنية والضنية، كما يواصل التنسيق في شأن لائحة ثالثة في صيدا ومرشح سني في الشوف ومرشح سني في البقاع الأوسط .
وفي سياق عزوف شخصيات مستقلة عن الترشح برز اعلان الوزير السابق زياد بارود عزوفه عن الترشح.
اقفال الترشيحات
اما المفارقة الانتخابية اللافتة إجرائياً فحملها في الساعات الاخيرة تقارب كبير بين عدد المرشحين للانتخابات النيابية في دورة 2022 المقبلة وعدد المرشحين في الدورة السابقة عام 2018 . ذلك انه في الدورة السابقة قبل اربع سنوات اقفل باب الترشيحات منتصف ليل 6 آذار 2018 على 976 مرشحا بينهم 111 امرأة . أما عدد المرشحين هذه السنة فتجاوز العدد السابق ببضع عشرات في الساعات الأخيرة من المهلة . وأعلنت وزارة الداخلية بعد اقفال باب الترشيح عند منتصف الليل ان عدد المرشحين المسجلين قد بلغ 1043 مرشحا من بينهم 155 مرشحة وعقد وزير الداخلية بسام مولوي مؤتمرا صحافيا اعلن فيه الحصيلة وأكد جاهزية الوزارة لاجراء الانتخابات.
وسط هذه الاجواء، سجلت زيارة قام بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى عين التين حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي التقى ايضا عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل ابو فاعور والوزير السابق غازي العريضي.
وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط غرد عبر “تويتر” كاتبا “في هذه الازمة الخانقة الاجتماعية والاقتصادية التي يمر فيها لبنان نحصد اليوم ثمن التخلي للدول العربية عنا نتيجة التصريحات الهميونية والعبثية لكبار القادة تجاه الخليج . فهل سيأتينا المدد من الشرق العظيم عبر قوافل من القمح والوقود والزعفران وما شابه كما وعدونا”.
الأمن الغذائي والكهرباء
في غضون ذلك، برزت على الصعيد المعيشي مطالبة الرئيس ميقاتي للأمم المتحدة بدعم لبنان غذائيا وفي مواجهة تحديات وجود النازحين السوريين وفي برنامج مكافحة الفساد واسترجاع الاموال العامة. واجتمع ميقاتي امس مع نائبة الامين العام للأمم المتحدة أمينة محمد في حضورالمنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الانسانية نجاة رشدي ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة والامينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” رولا دشتي. وطلب ميقاتي من المسؤولة الأممية نائبة “دعم لبنان في ملف الأمن الغذائي، وفق مخطط الامم المتحدة لمواجهة تداعيات الحرب في اوكرانيا على الدول كافة وخصوصا دول المنطقة بما فيها لبنان”. كما طلب من الامم المتحدة “دعم لبنان لمواجهة التحديات المتعددة الناتجة عن وجود النازحين السوريين في لبنان”.
وفيما تفاقمت تداعيات ازمة التعتيم وفقدان التيار الكهربائي على نحو كارثي في الفترة الأخيرة، برز تحرك جديد للسفيرة الأميركية دوروثي شيا في شأن مشروع استجرار الطاقة الى لبنان من مصر والأردن عبر سوريا فاجتمعت لهذه الغاية مع وزير الطاقة وليد فياض لمراجعة المراحل التي تقطعها هذه العملية. وتعمدت السفيرة بعد اللقاء الإعراب عن “شعورها بالتشجيع عندما أسمع عن التقدم المستمر في صفقات الطاقة الإقليمية هذه، إنها عملية طويلة ومعقدة، وأود فقط أن أحث الناس على عدم تصديق الرافضين الذين يجعلونك تعتقد أنه ليس هناك تقدم”.
وقالت: “راجعت للتو بعض الوثائق الطويلة والعقود، التي تتطلب ساعات من المراجعة الشاقة من قبل المحامين من عدة أطراف، وأقدّر حقاً النصائح التي تلقاها الوزير وفريقه من البنك الدولي لأنهم يقومون بمراجعة أفضل الممارسات في الساحة الدولية بشأن مثل هذه الترتيبات، ونعتمد على مشورتهم الجيدة للغاية سواء تعلق الأمر بمواضيع مثل الخطة الشاملة التي أعطى مجلس الوزراء موافقته الأولية عليها قبل بضعة أسابيع، ونتطلع إلى استمرار التقدم في ذلك، إن كان لناحية هيكلة التعرفة، والترتيبات الأخرى للتأكد من أن قطاع الكهرباء، سيتم تشغيله بأكبر قدر ممكن من الكفاءة بحيث يمكن للمستخدمين والمستهلكين وأنتم اللبنانيين، ومستشفياتكم، ومؤسساتكم الأخرى الاستفادة من كهرباء مستدامة. هذا الامر ليس سهلاً، لا سيما في الوقت الحالي، نظرًا لكل التعقيدات الأخرى في العالم والاضطرابات التي حدثت في أسواق الطاقة العالمية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وهو أمر مؤسف لأسباب أخرى”. ونوّهت شيا بـ “الاتصالات الجارية بين الوزير ونظرائه وأصحاب المصلحة الآخرين في هذا الإطار؛ إنها مستمرة ومنتجة وإيجابية، ونتطلع إلى نتيجة ناجحة”.