لا يمكن لإسرائيل أن تحلم بأفضل من الوضع اللبناني الحالي. فراغ رئاسي ومجلس نواب معطّل ومجلس وزراء لا يكاد يصرّف الأعمال، وأخيراً وليس آخراً طاولة حوار، كان يفترض أن تعوّض غياب المؤسسات الدستورية، فإذا بها تسقط في شرّ تعليق جلساتها.
أول الغيث كان عودة الإسرائيلي الى تحريك عجلة الاستثمار في المنطقة المحاذية اللبنانية، خلافاً لما سرّبته منذ نحو شهر، وثانيه الضرب بعرض الحائط كل الأعراف الدولية والذهاب إلى حد تقسيم المنطقة اللبنانية الجنوبية التي تدّعي إسرائيل أنها تعود لها، وتجري وساطات أميركية بشأنها، إلى ثلاثة بلوكات تضاف إلى البلوكات التي تشكّل المنطقة الاقتصادية الخاصة بفلسطين المحتلة!
انكشفت الخدعة التي حاولت إسرائيل تمريرها على لبنان، كما على المجتمع الدولي. فما سرّبته سابقاً من أخبار تناقلتها وسائل اعلام عالمية عن تحييد البلوكات الشمالية في فلسطين المحتلة الملاصقة للحدود البحرية اللبنانية، «لم يكن سوى مجرد كذبة لثني لبنان عن عرض بلوكات الجنوب، ولتجنب إدخال عوامل ضغط يمتلكها لبنان تبدأ بالسياسة وتنتهي بالصواريخ»، بحسب مرجع رسمي مطلع.
وتأتي هذه الارتدادة الإسرائيلية لتضرب كل ما أنجزته الجولات المكوكية المتتالية للموفد الاميركي أموس هولشتاين، والتي انتجت الى الآن اقرارا بالمطلب اللبناني بوجوب ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وتحييداً لأي استثمار في «المنطقة البحرية المتنازع عليها» بين لبنان واسرائيل خصوصاً في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وبينما تزداد الحجج والبراهين التي تُدخل ترسيم الخط البحري من ضمن القرار 1701 كونه ينص على مساعدة الدولة اللبنانية لبسط سلطتها على كامل سيادتها، والبحر اللبناني بمياهه الاقليمية أو الاقتصادية الخالصة هي من ضمن كامل السيادة اللبنانية، يحاول العدو الاسرائيلي تثبيت أمر واقع جديد عبر المسارعة الى تلزيم حقول نفطية وغازية بالقرب من الحدود اللبنانية، بما قد يدفع إلى عملية تدويل لهذه المسألة، مطمئناً إلى قدرته المعروفة على التأثير في صياغة التوجهات والقرارات الدولية في هذا الخصوص.
وفي هذا الاطار، تكشف المعلومات أن «العدو الاسرائيلي لم يلتزم للحظة بما تم التفاهم عليه مع الجانب الاميركي لجهة عدم الاستثمار في «المنطقة المتنازع عليها» أو في محاذاتها الى حين الاتفاق، وفق القانون الدولي ووفق الحدود الدولية للبنان والمثبّتة في الامم المتحدة، على ترسيم الحدود البحرية، بما يعني التوصل الى حسم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة. وهو في ذلك يعتمد أسلوب الخديعة والتفاوض السري بعيداً من العرض وفق المزايدات».
ويوضح المرجع أنه «بينما يعمد العدو الاسرائيلي الى عرض 24 رقعة للمزايدة تهميداً لاستكشاف النفط والغاز واستخراجهما في المياه الفلسطينية المحتلة، وبينما يشيع انه لم ولن يلمس المناطق البحرية المحاذية للحدود اللبنانية، ثبت انه يكمل من دون تباطؤ او مهادنة عمليات الاستكشاف في نطاق بلوك «Alon D» الملاصق للحدود البحرية اللبنانية.. وهو لم يكتف بذلك إنما ينشط في عملية التفاوض في أكثر من اتجاه متعمداً أسلوب التفاوض المباشر أي من دولة الى دولة أو من دولة إلى شركة.
وللتذكير، فإن «يديعوت أحرونوت» سبق أن كشفت أن هذه المنطقة (المتنازع عليها) تنطوي على احتمالات عالية بوجود مخزون غاز يمتد إلى داخل المنطقة اللبنانية، مشيرة إلى أن الفحوصات التي أجريت على أرضية البحر بيّنت أن قسماً كبيراً من الخزان القائم قبالة رأس الناقورة يمتد خلف الحدود إلى داخل لبنان، وإسرائيل تفضّل عدم الدخول في مغامرة متفجّرة كهذه.
الأخطر أنه تم التأكد أن الجانب الاسرائيلي يفاوض بطريقة مباشرة مع شركات ذات اصول يونانية، ويجري التأكد من معطيات تقول أن هذه الشركات تضم بعض الاصول اللبنانية أو العربية المهاجرة، علماً أن هذه المفاوضات تركز على استغلال حقل «كاريش» البعيد 4 كم عن الحدود البحرية اللبنانية وحقل «تانين» البعيد 10 كم عن الحدود البحرية اللبنانية وحقول «اشكلون» ونوا وشمشون الملاصقة للحدود مع مصر».
يضيف هذا المرجع الموثوق «إن العدو الإسرائيلي في مفاوضاته مع الشركة اليونانية، يعرض «بيع» حقل كاريش بواحد من سبعة (7/1) من سعره، أي بقيمة 140 مليون دولار فقط، وذلك لجذب الشركة اليونانية، وبعد ذلك لجذب شركات اخرى». كما تبين أنه طُلب من الشركة اليونانية أن تعطي خطة تطوير الحقل بعد ستة أشهر من توقيع العقد وأن تبدأ التنفيذ بعد 18 شهراً.
ماذا عن رد الفعل اللبناني؟ يجزم المرجع أن «هذا الملف يتابع بعيون مفتوحة، وهو محل عناية رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة المقاومة التي سبق وكرّست، على لسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، معادلة الردع في ما خص الثروة النفطية والغازية ورسّمت المحرّمات على العدو الاسرائيلي. كما أن بإمكان لبنان طلب مساعدة إيران التي قدّمت تسهيلات مهمة لشركات النفط اليونانية، وبإمكانها أن تضغط لعدم تورطها في عملية استثمار غير مأمونة في ظل عدم وجود حسم للخط البحري المتنازع عليه».