أكد رئيس مجلس الوزراء تمام سلام حرصه على “التمسك والحاجة إلى المضي بانتخاب رئيس للجمهورية في ظل العمل المؤسسي”، داعيا إلى “مواجهة الأزمة السياسية المستفحلة، والتي طالت، ولا تنبىء بفرج قريب”. وطالب “الجميع، وفي المقدمة القوى السياسية اللبنانية بتعزيز العمل المؤسسي ودعمه والابتعاد عن التعطيل”.
كلام الرئيس سلام جاء خلال حفل اقامته لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني في السراي الكبير، أطلقت فيه الجزء الأول من تقريرها حول “اللجوء الفلسطيني في لبنان” تحت عنوان “كلفة الأخوة في زمن الصراعات “، في حضور رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني حسن منيمنة وسفراء دول عربية واجنبية وعدد من المديرين العامين وقادة الاحزاب اللبنانية والفلسطينية وممثلي المنظمات الدولية والمحلية.
وقال سلام: “لا بد لي من كلمة اضافية تنطلق من هذا العمل المؤسسي لأوكد أن في كل مناسبة نحييها هنا في السراي الكبير في كل المواضيع، كنت دائما أحرص على أن أعلن من هنا عن تمسكنا وحاجتنا إلى المضي في انتخاب رئيس للجمهورية. واليوم، أقول أيضا في ظل هذا العمل المؤسسي، أدعو إلى مواجهة الازمة السياسية المستفحلة، التي طالت ولا تنبىء بفرج قريب. كما أدعو الجميع، وفي المقدمة القوى السياسية اللبنانية، إلى تعزيز ودعم العمل المؤسسي والابتعاد عن التعطيل”.
أضاف: “لبنان واللبنانيون هم هاجسنا وقضيتنا، وهذا يتطلب الكثير من العمل المضني المستمر والملتزم والوطني بامتياز، الذي في وسط الصراع السياسي القائم يستحق أن يتم الاعتناء به من خلال العمل المؤسسي في كل المؤسسات اللبنانية، بدءا من رئاسة الجمهورية الى السلطتين التشريعية والتنفيذية وكل المواقع المسؤولة. وأجدد دعوتي على قاعدة أن هذه الامانة بين ايدينا جميعا، وأنا أسعى جهدي لأحافظ على دوري كحارس لهذا الكيان، وآمل من الجميع أن يمضوا في سبيل تعزيز عملنا المؤسسي، وما مجلس الوزراء وعمل المجلس، إلا العنوان الاكبر والابرز والافعل والاكثر تنفيذا في ادارة شؤون بلدنا والحفاظ على عمله ودوره، ورسالته هي امانة عندي سأمضي فيها، وأتمنى من الجميع، كما قلت، الابتعاد عن التعطيل والاقتداء بما تم انجازه اليوم من عمل مؤسسي يردف قضية كبيرة نحن في لبنان جزء لا يتجزأ منها، وتحية الى جميع الذين ساهموا بهذا النجاح اليوم”.
وتابع: “وسط كم المشاغل اليومية والمشاكل السياسية الكبرى التي نواجه، حرصت على أن أشارككم في السراي الكبير في إطلاق لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني الجزء الأول من تقريرها عن “اللجوء الفلسطيني في لبنان”، الذي أرى فيه عملا قيما يستحق التقدير، ويثبت أن تناول ومعالجة قضية شائكة من هذا الوزن أمر غير مستحيل إذا توافرت النية الصادقة، وإذا وجد فريق العمل المخلص والمصمم على الإنجاز، فتحية الى لجنة الحوار ورئيسها معالي الدكتور حسن منيمنة، وإلى فريق العمل على الجهد المضني الذي أثمر تقريرا يشكل دليلا لنا، في الحاضر والمستقبل، لتصويب بوصلة رؤيتنا للقضية”.
وأردف: “هذا العمل الذي نحتفي به اليوم يسلط الضوء على التهجير الأقدم في تاريخ المنطقة، الذي نجم عن خطيئة أصلية سبقت كل موجات التهجير المتعاقبة، تمثلت في قيام الكيان الاسرائيلي على أرض فلسطين، وعلى حساب شعبها الذي تعرض للاقتلاع على إمتداد عقود من الزمن. كلنا يعرف أن الوجود الفلسطيني في لبنان مر بظروف وحقب متعددة، وقد انقسم اللبنانيون بشأنه وتحاربوا. ومن هنا، أهمية العمل الذي تقوم به لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني في محاولتها صياغة تاريخ هذا اللجوء، ليس من أجل نكء الجراح، بل من أجل علاجها وبناء ذاكرة مشتركة تمحو ما تراكم من غبار الاحقاد التي تراكمت في سنوات الإقتتال”.
واشار الى ان “مصلحة اللبنانيين والفلسطينيين تقتضي منهم التنقيب معا وباستمرار، في مسار حياتهم وتجاربهم، من أجل الوصول الى بناء علاقات سوية قوامها إحترام سيادة الدولة اللبنانية وحقها في فرض قوانينها بواسطة قواها النظامية على كامل الاراضي اللبنانية، وفي الوقت نفسه مسؤوليتها عن أمن وسلامة جميع المقيمين غير اللبنانيين. ويترافق ذلك مع ما تعهدت به حكومتنا وما سبقها من حكومات، من عمل على تحسين الاوضاع المعيشية والاجتماعية للأخوة الفلسطينيين في مخيماتهم وتجمعاتهم، وهو التعهد الذي لم نستطع دائما الوفاء به بسبب الظروف الضاغطة التي كانت أقوى من قدراتنا في الكثير من الأوقات”.
أضاف: “إننا نؤكد أن زمن الإقتتال والويلات التي طالتنا وطالت الأخوة الفلسطينيين، قد ولى إلى غير رجعة، وأن مبدأ الحوار والمصلحة المشتركة هو الأساس الذي تقوم عليه علاقاتنا مع دولة فلسطين، ومع اللاجئين من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين نشدد على حقهم في العودة إلى أرضهم وإقامة دولتهم المستقلة عليها”.
وتابع سلام: “هنا، لا بد من وقفة أمام المشهد السياسي المتداخل اقليميا ودوليا، وسط ظروف الحروب الدائرة على أكثر من جبهة، وبشعارات تشابكت فيها نفحات الربيع العربي الذي تحول أتونا لصراعات داخلية مع هجمات ارهابية لمجموعات تدعي الاسلام في حروبها على المسلمين أولا وأخيرا. لقد أنتجت هذه الحروب تهجيرا ونزوحا هو الأكبر في العالم. كما أدت الى فتح الأبواب امام تقسيمات تهدد وحدة الدول الشقيقة. ولعل اخطر ما لمسناه هو تراجع القضية الفلسطينية وتهميشها في اللقاءآت الدولية، ونجاح العدو الاسرائيلي في منع تطبيق الاتفاقات الدولية بشأن الدولة الفلسطينية ومسألة القدس وحقوق الفلسطينيين بحياة كريمة. نحن في لبنان نريد ان نعيد البوصلة الى القضية العربية الاولى منذ ما يناهز السبعين عاما، نريد ان تعود القمم العربية الى تصويب الجهود والضغط لتبقى فلسطين جذوة لا تنطفىء”.
وختم: “إن العمل الذي قدمته إلينا لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني هو جملة نوعية إضافية في كتاب الأخوة والمصالح المتبادلة بيننا. ونحن نعول على مساهمة الجميع ودعم الأشقاء والأصدقاء في اكمال بناء هذه العمارة الطموحة. هذا الدعم المطلوب، يحتاجه لبنان وفلسطين معا، ويحتاجه كل شرقنا المعذب الذي لا يمكن أن يتعافى من أمراض التكفير والتعصب والإرهاب والحروب المتواصلة، من دون حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. وأخيرا، أقول للجنة الحوار ولفريق العمل، شكرا، وإلى مزيد من الإنجازات في سبيل فلسطين والإنسان الفلسطيني اللاجئ، وفي سبيل لبنان المعافى وطنا وواحة استقرار وأمن ورفاه”.
منيمنة
وكان منيمنة القى كلمة قال فيها: “ان هذا العمل يترجم بأصدق التعابير أهداف لجنة الحوار التي مضى على تأسيسها عشرة أعوام، فيما طوفان اللجوء والنزوح يغطي معظم أجزاء المنطقة العربية التي كانت حتى الأمس القريب والبعيد تستقبل الجماعات وتحتضنهم في مجتمعاتها”. وقال: “إن الهدف من خلال هذا العمل هو الوصول الى صياغة علاقات سوية وطبيعية ومستدامة بين الدولتين اللبنانية والفلسطينية وبما يكفل للشعبين السلام والأمن النفسي والاجتماعي والمعيشي”.
أضاف: “لقد أردنا من خلال عملنا هذا تقديم صورة مغايرة لتلك التي يحملها اللبنانيون عن الفلسطينيين، والفلسطينيون عن اللبنانيين. هذه الصورة النمطية المتبادلة ترسخت مع الأسف في ذاكرة أبناء الشعبين خلال عقد ونصف العقد من سني الحرب التي عاشها لبنان وضمنه الوجود الفلسطيني على أرضه. صورة تظهر للبعض وكأن العلاقات المتبادلة لم تعرف سوى تلك الصفحات الدامية بينهما، في ما الفعلي أن الصورة الحقيقية الأكثر صدقا ودلالة هي تلك التي حجبتها غبار المعارك. وهي التي عاشها اللبنانيون والفلسطينيون قبل بروز المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، عندما كانت جماعات لبنانية من الجنوب وغيره تقصد فلسطين للاقامة والتجارة والعمل وزيارة الأماكن المقدسة. وفلسطينيون يقصدون مؤسسات التعليم عموما والعالي منه خصوصا والاصطياف في ربوع جبال لبنان، يمارسون كل أشكال التبادل والعلاقات الطبيعية. وعندما ظهر مشروع الكيان الصهيوني في فلسطين دون أقنعة، إندفع اللبنانيون الى المساهمة في الدفاع عن عروبة ووطنية وأهل فلسطين، وخاضوا مع جيشهم الفتي غمار المعارك في المالكية وسواها، وقدموا الشهداء منذ ذلك الحين وطوال عقود متتالية”.
وتابع: “إن عملنا هذا يقدم لمحات عن حياة اللبنانيين والفلسطينيين وهم يتنقلون بين قراهم وبلداتهم المتجاورة دون حد أدنى من التردد والخلاف قبل أن تنتصب الحدود والأسلاك الشائكة بين بيوتهم وحقولهم. ومع المنحى الإقتلاعي للمشروع الصهيوني قام اللبنانيون بواجبهم الإنساني والقومي والوطني باحتضان اللاجئين. وهي صورة لا يغيرها ضبط المكتب الثاني وأجهزة الأمن اللبنانية، ولا إنخراط الفلسطينيين في معترك الحرب التي دفعت بالجميع الى مرجلها. لقد ارتكبت أخطاء من الطرفين اللبناني والفلسطيني ضمن ظروف وأوضاع ومناخات دولية وإقليمية ومحلية محددة، وقد باتت هذه الأخطاء وراءنا معا. اليوم نشعر ونحن معا في لحظات الخطر المضاغف، إن واجبنا هو أن نعيد جلاء صورة الوضع بما يكسر تلك الصورة النمطية التي ترى في الفلسطيني عدوا يجب التخلص منه عبر الترحيل وغيره، ومن اللبناني سلطة قاهرة لا هم لها سوى وضع الفلسطيني في القيود حتى رحيله من المخيم مهاجرا الى الخارج دون عودة”.
واردف: “التقرير ليس عملا تأريخيا، ففريق العمل الذي أعده لم ينطلق من أحداث الماضي بقدر ما انطلق من هواجس المستقبل الذي أخذت محاوره تتبلور مع استعادة لبنان قراره نسبيا بعد جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان. ان اللجنة تسترشد في سياستها وعملها بالمواقف اللبنانية الجماعية سواء صدرت في بيانات وزارية أو مواقف رسمية أو عبر مراجعات حزبية وقفت على أنقاض الحروب لتعيد جلاء الوعي بعد أن انخرطت في ميادينها طويلا. لقد أعلن اللبنانيون بأشكال شتى وصياغات متنوعة أن لبنان القوي بدولته ووحدته هو ضمانة لأمن الفلسطينين وحقوقهم. وأعلن الفلسطينيون بدورهم أنهم خارج الاصطفافات والانقسامات اللبنانية – اللبنانية، وأنهم يتوسمون دعما من مختلف فئات المجتمع اللبناني وتياراته، وأنهم مع سيادة الدولة على كامل ترابها الوطني بما فيها المخيمات، ومع حقها الطبيعي في فرض أمنها بواسطة قوانينها وقواها النظامية”.
أضاف: “إن عملنا هذا يستهدف إعادة بناء ذاكرة تخرج من أسر وعبودية الماضي بكل ما تخلله من دماء ودموع وعذابات طالت اللبنانيين، كما أصابت الفلسطينيين بالقدر ذاته. عمل ينطلق من مبدأ عدم تحميل المسؤولية عن المجريات السابقة لطرف بعينه بهدف دق المسامير في يديه وقدميه ووضعه على صليب الآلام، بل يربط ما صار بمجريات أعقد، بالصراعات التي احتدمت على نطاق أوسع وعرفها العالم والمنطقة العربية. وبهذا المعنى فإن مشروعنا هو مشروع علمي توثيقي يتمتع بالرصانة والموضوعية من أجل أن يحدث نقلة في وعي اللبنانيين والفلسطينيين، وبما يصب في مجرى الإفادة من عبر ودروس الحرب لبناء علاقات سلام تساعد الطرفين على تجاوز إرث الإنقسامات، وتمكنهما معا من تجاوز الزلازل والبراكين المندفعة في أربع جهات منطقتنا”.
وختم: “ان الهدف الأسمى من التقرير هو تطوير علاقات الأخوة والمصالح المشتركة ولغة الحوار حتى عودة اللاجئين الى الديار التي أجبروا على الخروج منها بفعل قيام المشروع الصهيوني على أرض فلسطين وإرغام هذا المشروع على الإنصياع الى منطق القانون والحقوق والعدالة الدولية والانسانية الطبيعية”.
وقدم الخبير أديب نعمة عرضا الكترونيا عن محتويات التقرير وأقسامه.
وختاما جرى توزيع الكتاب على الحضور وأقيم حفل كوكتيل للمناسبة.