لم يكن الرئيس نبيه بري متفائلا عشية انعقاد جلسة الحوار الأخيرة الاثنين الفائت على غير عادته، وكان حدسه في محله، فانفجر السجال بين النائب سليمان فرنجية والوزير جبران باسيل، مما دفع بري الى تعليق الحوار ووضع جميع القوى امام مسؤولياتها. ونزل هذا الاشتباك غير المفاجئ على الطاولة نتيجة للتباعد بين الطرفين وما سبقه من حملات نارية شنها العونيون في موضوع الميثاقية والتصويب المباشر على القوى المسيحية الممثلة في الحكومة والتي لا تتلاقى وباسيل وتياره.
وجاء هذا التصعيد في توقيت حساس يمر به لبنان والمنطقة، ووصلت حركة الاشتباك السياسي الداخلي إلى الذروة بين فريقين مسيحيين اساسيين في 8 آذار. واصبحت المعالجة اكثر صعوبة في الايام الاخيرة، وخصوصاً ان امكانية حصول تنازلات من هنا وهناك اصبحت صعبة وتراجعت سبل معالجة الملفات العالقة، وابرزها انتخابات الرئاسة والاتفاق على قانون انتخاب اضافة الى المعاناة اليومية التي تعيشها الحكومة حتى وصل الأمر بباسيل الى تذكير الرئيس تمّام سلام بوالده الراحل الرئيس صائب سلام، الأمر الذي ترك نفورا وامتعاضا في البيئة السنية التي لا تتقبل هذا النوع من الخطابات، خصوصاً ان سلام الابن لم يترشح في دورة 1992 عندما لمس غبناً يطاول المسيحيين وتمثيلهم.
وواجه فرنجية باسيل بـ”السلاح السياسي الابيض” وعلى بعد مسافة مساحة الطاولة بينهما فأعاد الروح الى ترشحه للرئاسة بعدما ظن كثيرون ان الرئيس سعد الحريري سيتخلى عنه وينتقل إلى تأييد ترشيح عون.
وكان اللافت في الحوار الاخير ان ” تيار المستقبل” الذي يتمسك من تحت الطاولة بموقف التفكير بترشيح عون لم ينخرط في المواجهة وبقي متفرجا، وما لم يستطع قوله تصدى له فرنجية في معرض هجومه الشديد على باسيل. وتبقى الحساسية المسيحية والتنافر الحاصل بين مكوناتها الاكثر طغيانا على المشهد. واستفاد النائب الشمالي من هذا التصعيد ورفع الغبار عن ترشحه للرئاسة وتولى مهمة الوقوف في وجه العونيين وطروحاتهم القائلة بأن عون هو الزعيم المسيحي الاول في البلد. فبدا كأنه يتكلم باسم خصوم العونيين ولا سيما الجمهور السني الذي لا يلتقي وعون وطروحاته ولا يؤيده رئيساً للبلاد.
ووصل الامر الى القول ان سياسياً ردد بعد الواقعة الاخيرة في عين التينة ان بري لم يكن منزعجاً من فرنجية، لكن من دون ان يكون سيد وصل الحوار مرتاحا لاتخاذه قرار تعليق الحوار، وهو الحريص على ابقاء خيوط التلاقي بين المتحاورين والجامع في صورة تعوض عدم رؤيتها في ساحة النجمة للاسباب المعروفة، زائد ان الحكومة اصيبت بأكثر من داء وطغت الندوب والخلافات على ابواب السرايا وجدرانها، ولا سيما ان عامل الوقت لم يعد يخدم الجميع مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
وبعد ارتفاع منسوب تبادل الاتهامات بين العونيين و”تيار المردة” لم يبق امام حليفهما “حزب الله” إلا التدخل قدر الامكان، وان كانت حظوظ نجاحه في هذه المهمة الصعبة ضئيلة، وكذلك محاولة التقريب بين بري وعون، لأن من اول انعكاسات سخونة الحوار واستبعاد التئامه في الايام المقبلة تعثر عمل الحكومة المتعثرة في الأصل، والتي غادرها حزب الكتائب، فضلا عن الدلع الذي يمارسه وزراء عون وحزب الطاشناق، وخصوصا انها لم تتوصل منذ اكثر من سنة إلى مخرج لمسلسل النفايات المفتوحة حلقاته على اكثر من ازمة.
ويبقى ان استمرار الحكومة افضل من تصريفها الاعمال وان الحوار الساخن بحسب كثيرين افضل من تجميده. ويبدو ان الاشتباك المفتوح الذي باشره العونيون قابل للمزيد من التصعيد والمواجهة من دون استبعاد ان تصل ذروته للنزول الى الشوارع في 13 تشرين الاول المقبل اذا لم تسو الأمور أو يحصل اختراق في رئاسة الجمهورية وتقديم تصور حقيقي لمفهوم الميثاقية انطلاقا من المعطيات التي يقدمها باسيل، ومن دون ان يتراجع عن افكاره وحججه، الى درجة دفعت وزيرا في احدى جلسات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الى مخاطبة باسيل بالقول: “بدي قوم اخنقك” بعدما نفد صبره منه وهو لا يتزحزح بسهولة عن الفكرة التي يدافع عنها، على غرار حميه عون الذي ينتظر هذا النوع من المواجهات ولا يدخل الاحباط الى قاموسه وتقوى معنوياته في مثل الأحوال التي تمر بها البلاد. وما لجأ اليه باسيل في الجلسة الحوارية الاخيرة والتي لم تلئتم في طبيعة الحال بـ”روح رياضية” وما تلى كلامه لم يكن مخططاً له، والأنظار تتجه إلى ما سيقدم عليه “اتحاد الفيفا السياسي” في عين التينة بعد اتخاذه قرار تعليق جلسات الحوار.