أريدَ لطاولة الحوار أن تكون منقذ المؤسسات الرسمية، فإذا بها بحاجة إلى من ينقذها. تمكّن العونيون أمس من فرط الطاولة الوحيدة التي تجمع مختلف القوى السياسية، بعدما قررت هذه القوى الاستمرار في مجلس الوزراء من دونهم
لم يعد ينقص البلاد سوى استقالة رئيس الحكومة تمام سلام، لكي لا يبقى فيها مؤسسة أو هيئة تجمع اثنين أو أكثر من ممثلي القوى السياسية المتصارعة. إنه الجمود التام. مجلس الوزراء لا يفعل سوى تصريف الأعمال. ومجلس النواب لا يشرّع ولا يحاسب ولا ينتخب رئيساً للجمهورية.
أما هيئة الحوار، فكانت أمس مع محطتها الأخيرة. شعار «مرحبا حوار» الذي رفعه التيار الوطني الحر الأسبوع الماضي للتعبير عن رغبته في مقاطعة جلسات الحوار، ترجمه وزير الخارجية جبران باسيل، الذي حضر الجلسة ليعلن مقاطعتها بعد رفض المجتمعين بحث قضية «الميثاقية».
فما كان من الرئيس نبيه بري إلا أن رفع السقف في وجه باسيل، معلناً تعليق جلسات الحوار الوطني. مصادر مشاركة في الحوار رأت أن بري لم يقم بخطوة يتحدى فيها التيار الوطني الحر وحسب، بل إنه حال دون وصول الكلام إلى رئيس الحكومة تمام سلام، الذي كان من الممكن أن يعلن استقالة الحكومة، بحسب أحد المشاركين في الحوار، وتحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال حقيقي لا مقنّع. باسيل لم يصطدم بسلام ولا ببري، فلهجته تجاههما كانت إيجابية للغاية. كذلك فإن كلامه، وخاصة عن نسبة الـ6 في المئة من التمثيل الشعبي التي يقول إن المشاركين في الحكومة يحظون بها، استفزت النائب سليمان فرنجية، فوجد «أقطاب» الحوار أنفسهم أمام «اشتباك» بين وزير الخارجية ورئيس تيار المردة.
أحد خصوم التيار الوطني الحر الجدد قال لـ «الأخبار» إنّ «باسيل حضر إلى الجلسة لتسجيل موقف وتعقيد الأزمة أكثر». لذلك، قرر «بهدلة الناس والتكلم عن الميثاقية وتحديد الحجم التمثيلي لكل فريق وإعطاء مثل عن عقاب صقر في الطائفة الشيعية، وهو يُدرك جيداً أنّ هذا الكلام لا يمرّ لدى الوزير سليمان فرنجية، ما استدعى رداً من هذا الأخير، ولكن دون أن يحصل سجال». أما مصادر التيار الوطني الحر، فاكتفت بالتعليق على ما جرى في الجلسة بالقول: «الحوار مقابل الحكومة… والآتي أعظم».
في جلسة الحوار أمس، كان من المفترض أن يتقدم كل مكوّن مشارك في جلسة الحوار باسم من يمثلها في ورشة عمل نيابية تعمل على صياغة مشروع متكامل لتحديد كل النقاط المتعلقة بمجلس الشيوخ. وقبل أن ينتهي الرئيس برّي من الاستماع إلى مختلف المكونات، تدخّل الوزير باسيل، قائلاً: «أنا لا أريد الحديث بهذه النقطة. أنا هنا اليوم لمناقشة أمور أكثر أساسية. لقد شاركنا في الجلسة كي نحصل على جواب من المجتمعين بشأن الميثاقية». وذكّر باسيل «بتجربة انسحاب المكون الشيعي من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة»، معتبراً أن «برّي يقف عند خاطر الجميع، ويصل إلينا ويخالف الميثاقية». وركّز باسيل على فترة الحكم بين عامي «1990 و2005»، مشيراً إلى أن «التيار كان مهمّشاً ومتروكاً، وحتى اليوم هناك من يريد أن يقفز فوقه ولا يقيم له وزناً ويتصرف على أساس أنه غير موجود». وتعليقاً على كلام باسيل، ارتأى الرئيس برّي الركون إلى الدستور بدلاً من الدخول في سجال سياسي معه، لكنه سرعان ما توقف أمام «هجمة» الوزير فرنجية، الذي توجه إلى باسيل بكلام صدم جميع الحاضرين. فقال: «مع احترامي إلكن… بس إنتو مش أوائل على الساحة المسيحية. إنتو آحاديين. إذا الأمور كانت بتناسبكن بتتجاهلو الميثاقية وإذا لا بتتمسكوا فيها». وأضاف: «هذا الأسلوب في التعاطي هوي اللي خسركن كل معارككم في السياسة… أصلاً إنتو شو بتمثلو… ومن أين تأتون بأرقام الـ 60 والـ 80 في المئة… الظروف تغيرت». وأكمل: «أصلاً إنت مين عيّنك رئيس تيار وطني حرّ غير عمّك وإنت ساقط بالإنتخابات النيابية، وما استرجيت تخوض انتخابات بالتيار. إنت خسران بـ6 انتخابات». وأضاف فرنجية: «لو أن المعركة هي فعلاً معركة تمثيل مسيحي في مجلس الوزراء، لكنا قاطعنا الجلسات. لكن أنتم تتلطون خلف المسيحيين، والقول إنهم مهددون لأننا لم نستطع تعيين قائد جديد للجيش». بحسب مصادر الجلسة «لم يردّ باسيل بأي كلمة، بل تعاطى مع الموضوع ببرودة أعصاب»، فتدخل الوزير بطرس حرب ليعيد كلام فرنجية بصيغة أخرى، معتبراً أن «كل الوزراء في الحكومة لهم صفة تمثيلية والتعطيل لا يجوز».
النائب أسعد حردان اقترح عقد خلوة بين الوزراء العونيين ورئيس الحكومة تمام سلام، معتبراً أن «هذا النقاش يجب أن يبقى في الحكومة». لكن باسيل أعاد وكرر أن «المشكلة ليست مع الرئيس سلام، وهو يعلم ذلك». أما النائب طلال أرسلان، فتوجه إلى الرئيس برّي بالقول: «نحن أمام أزمة نظام، ولا بد من إعادة النظر فيه… واعتبره كما تريد يا دولة الرئيس إما مؤتمر تأسيسي أو تعديل قانون الانتخاب». فيما حاول الرئيس نجيب ميقاتي الفصل بين الميثاقية والدستور والنظام الداخلي، طالب التركيز على الملفات الأخرى التي على أساسها انطلق الحوار. أما رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، فقد لفت إلى أن «الدستور هو الذي يحدد كل شيء»، متوجهاً إلى باسيل بالقول: «الأمور ما خربت إلا لما انتو تجاوزتو الدستور». وفي كلام إلى النائب محمد رعد، قال السنيورة: «لقد عرضنا عليكم سابقاً الخروج من الدائرة المقفلة، وقلنا إنه ما دمنا غير قادرين على انتخاب مرشحنا ولا مرشحكم، فاطرحوا أسماء أخرى حتى نناقشها… يعني يا بتمشي الأمور متل ما بدكن، يا بتعطلو البلد؟». فتح السنيورة مجالاً للنائب رعد كي يدافع عن الوزير باسيل، فردّ: «إنتو عطلتو البلد سنتين، تركوا الناس تعبّر عن رأيها». حاول الرئيس برّي أن يغلق باب النقاش، بإعادة طلب الأسماء التي ستمثل القوى السياسية في ورشة العمل الخاصة بمجلس الشيوخ، لكن باسيل أصرّ على جواب بشأن الميثاقية، وقال: «شو ما عملتو وشو ما ساويتو، نحنا رح نريحكن ورح نترك الحوار»، فاستنفر الرئيس برّي، قائلاً: «طوّل بالك، أنا ما رح خليك تطلع من الحوار، وما رح خليك تقطفها بالسياسة، أنا رح علِّق الحوار». وفي محاولة للتخفيف من التوتر والتشنج، دخل الوزير غازي العريضي على الخط بالقول إن «الشراكة والعيش المشترك ليسا قابلين للنقاش، الحوار هو أمر طبيعي وليس استثناءً. إذا اختلفنا ما في شي بيلمنا، ولا حدا سائل لا عن هلع ولا عن ولع ولا عن دلع اللبنانيين»، مؤكداً أن «لا خيارات أمامنا سوى الحوار». ومن باب المونة «حاول العريضي حثّ باسيل على البقاء»، وكذلك فعل النائب رعد الذي أكد «ضرورة إعطاء فرصة ثانية للتحاور، وعدم تهميش التيار الوطني الحر». لكن باسيل أصرّ على الخروج قائلاً: «نحنا آخدين قرار وطالعين نعلنو»، فرد العريضي: «التعطيل مش إمتياز… الإمتياز هو تفعيل الحوار يا معالي الوزير»، لكن الأخير سرعان ما خرج من الجلسة التي لم يحدد الرئيس بري موعداً آخر لها، معلناً موقف التيار مما حصل.
(الأخبار)