كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: متى ستحزم الحكومة أمرها، وتُخرج اللبنانيين من محطة الإنتظار المحبوسين فيها، وتحدّد موعداً جدّياً للبدء في خطواتها الإنقاذية؟
المواطن اللبناني قدّر للحكومة حسن النية الذي أظهرته، وعزمها على خوض مهمة الإنقاذ الصعبة، ولكن هذا لا يعني أن يبقى مقيماً في محطة الانتظار الى ما شاء الله، فيما يستمر الدوران في الحلقة المفرغة دون أي طائل، وتعقيدات الأزمة تتراكم يوماً بعد يوم وتتفاقم وتستعصي أكثر فأكثر.
لا يُلام المواطن على استعجاله الإفلات من متاهة الأزمة، فوحده المكوي بالنار، ومن هنا إلحاحه على ان يرى خطوات الحكومة التي وُعد بها، او بعضاً منها، وقد تُرجمت على ارض الواقع، بما يمنحه فسحة أمل تطرد شبح الكارثة الذي يحوم فوق رؤوس اللبنانيين، وتزيل خوفهم من المؤشرات الاقتصادية والمالية السوداويّة، التي تنذر بمصير مفتوح على سيناريوهات أكثر سواداً مما هي عليه في هذه الايام.
لا شكّ انّ المواطن يعوّل على الحكومة كفرصة خلاص، ورهانه، كان وما زال، على ان تنتقل سريعاً من ضفّة الوعود والأقوال، إلى ضفّة الأفعال وفق البرنامج الذي حدّدته لنفسها، فإذا به يُطالَب بالصبر وإعطاء الحكومة فرصة لإتمام جهوزيتها. فيما جنون الأزمة وثقل الأعباء وجحيم الأكلاف التي يدفعها يومياً في كل مفاصل حياته ومعيشته، أفلسته من كل شيء، الى حدّ لم يعد لديه وقت يملكه ليمنحه للحكومة. فضلاً عن انّ الحكومة لا تملك في الأساس وقتاً ليُهدر او يضيع، بل انّ اقصى ما تملكه هو بضعة اسابيع لتتظهر فيها خطوات علاجية ملموسة، وخصوصاً مع اقتراب البلاد من الاستحقاق الانتخابي الذي سيتقدّم على كل ما عداه، في موعد أقصاه نهاية السنة الحالية.
قد يبرّر بطء الخطوات الحكومية، ربطاً بالكمّ الهائل من الملفات الشائكة امامها، الّا انّ هذا البطء لا ينسجم مع الظرف الاستثنائي الذي يعيشه البلد، والذي يتطلّب مقاربة حكومية استثنائية بحجم الأزمة، وليس عبر جلسات عادية لمجلس الوزراء، وبمقررات محبطة للبنانيين، الذين افترضوا ان يُواجَه الظرف الاستثنائي باستنفار دائم لمجلس الوزراء وجلسات مفتوحة للحكومة، تضع الحلول والعلاجات على السكة، وتحرف البلد عن سكة الانهيار الكارثي.
ماذا ينتظرون؟
على انّ امتعاض المواطن اللبناني من بطء الخطوات الحكومية، يقابله امتعاض اكبر يُعبَّر عنه في المجالس والصالونات السياسية، ويتصدّره التأكيد على أنّ الحكومة لا تملك ترف تضييع الوقت، وخصوصاً مع الأزمات الخانقة التي تتناسل من بعضها البعض بشكل مريب، من الكهرباء والعتمة الشاملة، الى المحروقات التي يتعرّض فيها المواطن لابتزاز موصوف الى حدّ انّه لم يعد يستطيع اللحاق بأسعارها، وصولاً الى أزمة الغاز المنزلي الذي ارتفع سعره بالأمس الى 193 الف ليرة، مع صفيحة المازوت التي بلغ سعرها 226 الف ليرة. ناهيك عن مافيا التلاعب بالدولار، ولصوصيّة الأسعار والغلاء الفاحش للأساسيات والمواد الاستهلاكية.
وفي هذا السياق، يُنقل عن مرجع سياسي قوله: “اننا لا نشكّك ابداً بنيات الحكومة وصدق توجّهها الى الإنقاذ، ولكن ماذا ينتظرون، ولماذا يتأخّرون، فالبلد ليس في وضع طبيعي لكي تقارب أزماته باسترخاء، بل يتطلب عملاً حكومياً 24 على 24، والمواطن اللبناني يعيش الفاجعة على كل المستويات، ويريد أن يشعر بأنّ ثمّة نيّة جِديّة لتغيير النّهج الذي كان قائماً”.
ويؤكّد المرجع نفسه، انّ كل يوم تأخير للخطوات العلاجية الملحّة، يرتّب تداعيات سلبيّة أكبر علي اللبنانيين، تصعّب مسار المعالجات اكثر. ويقول: “امر جيد ان تطرق الحكومة ابواب الخارج لجذب المساعدات، وهذا امر اكثر من مطلوب، لكن هذا الامر يجب ان يقترن بأن تلج الحكومة ابواب الازمة الداخلية والشروع في الخطوات العلاجية للمشكلات القائمة، وخصوصاً ما يتصل بملف الكهرباء واتخاذ الإجراءات الرادعة لحماية اللبنانيين من مافيات الدولار والاسعار”.
ورداً على سؤال حول جلسة مجلس الوزراء المحدّدة في القصر الجمهوري اليوم قال المرجع: “انّ نجاح الحكومة مرتبط بالإنجازات التي تحقّقها، والتي لم يرَ المواطن منها شيئاً حتى الآن. وبالتالي آن الأوان للبدء بتطبيق المقدور عليه من الخطوات المطلوبة والملحّة، وهي كثيرة، وليس استمرار الدوران في حلقات النقاش حول خطط الوزارات وكأنّ البلد بألف خير!”.
مجلسا الدفاع والوزراء
يُشار في هذا السياق، الى انّ مجلس الوزراء يعقد جلسة اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا، مخصّصة لعرض رؤية الوزراء المتعلقة بوزاراتهم وخطة عملهم، وسيسبقها اجتماع لمجلس الدفاع الاعلى.
وكان الملف الكهربائي محور اجتماع ترأسه الرئيس ميقاتي قبل ظهر امس في السرايا الحكومية ضمّ وزير الطاقة وليد فياض، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، خُصّص للبحث في وضع الكهرباء والانقطاع الدائم للتيار وانخفاض مستوى التغذية الكهربائية. وقال فياض إثر الاجتماع: “بحثنا في السبل اللازمة لتأمين مستلزمات كهرباء لبنان لحفظ الحدّ الأدنى من انتاج الطاقة التي تحتاجها لثبات الشبكة وتشغيل المرافق العامة الاساسية، وسنتابع الحديث في هذا الاطار”. ولفت إلى انّ مصرف لبنان أكّد أنّه يمكن السير بالاعتماد الذي فُتح لتأمين الفيول للكهرباء.
ردّ طلبي الردّ
قضائياً، ردّت محكمة التمييز المدنية برئاسة القاضية جانيت حنا، وعضوية المستشارين نويل كرباج وجوزف عجاقة، الدعوى المقدّمة من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، التي طلبا فيها ردّ المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، وتنحيته عن التحقيق بملف انفجار مرفأ بيروت. واعتبرت أن “ليس للمحكمة أن تضع يدها على طلب الردّ أو تسير بإجراءاته، بدءاً بإبلاغ الطلب إلى القاضي المطلوب ردّه أو الخصوم، ما لم يكن القاضي المطلوب ردّه من قضاة محكمة التمييز، أو في عداد قضاة النيابة العامة التمييزية”. وقرّرت المحكمة تضمين طالبي الردّ الرسوم والمصاريف المتعلقة بهذه المراجعة.
تجاذبات .. ومذكرات
وسط هذه الصورة، يبدو المشهد الداخلي مفتوحاً على تجاذبات سياسية مسرحها التحقيق العدلي في تفجير مرفأ بيروت، وسط أجواء تفيد بأنّ الأمر لن ينتهي عند ردّ طلبات ردّ المحقق العدلي القاضي طارق بيطار عن التحقيق للارتياب المشروع، بل عن توجّه نيابي لرفع وتيرة المواجهة مع ما يعتبره المدّعى عليهم “تسييس الملف”، ومنع اي استهداف او تجاوز لصلاحيات المجلس النيابي. والخطوة الاولى عدم حضور النواب المدّعى عليهم علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق الى جلسات التحقيق التي حدّدها القاضي بيطار.
وفيما امتنعت مصادر قضائية عن تحديد الخطوة التالية التي سيُقدم عليها القاضي بيطار في حال تخلّف المدّعى عليهم عن الحضور الى جلسات الاستجواب، جزمت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ”الجمهورية”، بتطورات لافتة ستحيط بهذا الملف، ليس اقلّها إصدار القاضي بيطار مذكرات توقيف غيابية بحق النواب المدّعى عليهم، قبل بدء دورة الانعقاد الثانية لمجلس النواب التي تبدأ في الثلاثاء في 19 تشرين الاول الجاري، على غرار مذكرة التوقيف الغيابية التي اصدرها بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس.
يأتي ذلك في وقت أُعلن فيه انّ وزير الداخلية بسام المولوي رفض إعطاء إذن بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وردّه شكلاً بحجة عدم وجود اي معطيات موضوعية تبيّن تبدّلها بين الطلب المقدّم في عهد سلفه الوزير محمد فهمي والطلب الثاني.
وقد أُفيد امس، انّ وكلاء الدفاع عن النائبين خليل وزعيتر قدّموا الدعوى نفسها (طلب ردّ القاضي بيطار) أمام محكمة التمييز، على أن يحولها الرئيس سهيل عبود الى غرفة من غرف التمييز يترأسها قاض آخر غير القاضية جانيت حنا.
“أمل”: إملاءات الخارج
الى ذلك، اعتبرت “أمل” أنّ “إحقاق الحق ومحاسبة المسؤولين لا يكون بتسييس الملف والاحكام المسبقة والاستنسابية والخضوع لإملاءات الخارج وتجاوز المواد القانونية والدستورية الواردة في اصول المحاكمات، وانّ هذه القضية يجب أن لا توَظّف في سياقٍ تُثار حوله شبهات كثيرة”. واشارت الى أن “القضاء اللبناني اليوم، الذي يشكل آخر حصن لثقة اللبنانيين بمؤسساتهم، يجب ان لا يكون مطية لأيّ كان لِصَب زيت حقده على نار أزمات لبنان، لذا انّ اهالي الضحايا ومعهم اللبنانيون يريدون قاضياً يحقق العدالة ولا ينحرف عن بوصلة الحق والقانون، ولا يكون صدى لمحاكم التفتيش في العصور الغابرة”.
ودعت الحركة، في بيان لمكتبها السياسي امس، المعنيين “الى الاستثمار على عامل الوقت الذي، اذا هُدِر المزيد منه في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الوطن، فهو ليس لصالح لبنان ومشاريع إنقاذه من ازماته المتوالدة، والمطلوب ان تنكبّ كل الادارات والمؤسسات نحو عمل دؤوب وفاعل مبني على خطط واضحة المعالم استثنائية بالشكل والمضمون تطرح حلولاً فعلية قابلة للتنفيذ لتجاوز التحديات، والاستفادة من كل مساعدة من شقيق او صديق يمكن ان توقِف الانهيار وتُمَكّن المواطن من العيش الكريم وتأمين ابسط مقومات الحياة، وذلك حفظاً لحالة التلقّي الإيجابي التي أبداها المواطنون لحظة ولادة الحكومة التي شكّلت حينها بارقة أمل في الخروج من المأزق”.
وإذ شددت على جعل ملف الكهرباء قضية وطنية كبرى تحتّم أن تكون الملف الاول والأبرز على طاولة جلسات استثنائية لمجلس الوزراء لاتخاذ الخطوات الآيلة إلى إيجاد حلول له، دعت الى تحريك النيابات العامة المالية للضرب على يد المتلاعبين بسعر العملة وإيقاف المنصات التي تعمل من الخارج وتتلاعب بسوق الصرف، واتخاذ الاجراءات التي تُطَمئن المواطنين إلى المسار السياسي والمعالجات الاقتصادية وطَمأنة الناس على ودائعهم وتحريك عجلة الانتاج وفتح الاسواق امام الانتاج اللبناني بخطوات سريعة خارج البيروقراطية المقيتة”.
السنيورة: إحترام الدستور
وقال الرئيس فؤاد النسيورة، بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس: “في لبنان قواعد ودستور يجب ان يحترما، ومن جهة ثانية ان تحترم القوانين. وبما انّ ما جرى فعلياً هو جريمة بحق اللبنانيين، فالحلّ هو بِرَفع الحصانات عن جميع الناس بغضّ النظر عن مواقعهم، وهذا ما يطالب به اللبنانيون، وبأن يُصار كشف أصل المشكلة وكيف أتت النيترات؟ وكيف أنزلت؟ وكيف أُبقِي عليها؟ وكيف كان يجري السحب منها؟ والى اين كان يجري تهريب تلك المواد؟ وكيف جرت عملية التفجير؟. هذا الامر بحاجة الى أن لا تكون هناك حصانات وابواب مغلقة على أي أحد”.
أضاف: “المطلوب العودة الى الاصول برفع او تعليق الحصانات في هذه القضية بالذات لترييح البلد، إذ انّ إثارة الشكوك بها ليست من مصلحة أحد، فالعدالة عدالة كاملة. فيجب أن لا تكون هناك أبواب موصدة وأن لا يتسلل احد كي لا يكون القضاء مخلباً للاقتصاص من الخصوم السياسيين، وهذا ما يخيف اللبنانيين ويجب التنّبه له”.
المشنوق: تسييس
الى ذلك، اكد النائب نهاد المشنوق انّ “تسييس التحقيق لا يعني العدالة”. وقال في تصريح امس: “لا نريد ان يصيبنا ما أصاب الضباط الأربعة من ظلم لأسباب سياسية لا علاقة لها بالقانون. فبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري اعتقل المسؤولون الأربعة عن الأجهزة الأمنية في لبنان، واتهموا بأنهم مسؤولون عن المشاركة بشكل أو بآخر في جريمة الإغتيال، وبَقوا في السجن 4 سنوات، والناس فَرحت والرأي العام أيّد وشَعر بالفخر أنّه حقق ذلك. وبعد 4 سنوات تبين انّهم أبرياء، وبرّأتهم المحكمة الدولية… فهل هذه هي العدالة؟”.
وذكر المشنوق بأنّ “القاضي البيطار قال كلاما صريحا في موقع العربي، بأنه يعمل من أجل التغيير السياسي. وبالتالي، هو لا يحق مقاضاة من يحمل ضغينة سياسية ضدهم، وقال للمحامي طوني فرنجية إنه يريد التخلص من النواب. وبالتالي، هذا ليس دور القاضي ولا يسمح له القانون بهذا، وهو ليس مُحايداً، لذا فإنّ الارتياب به بات مشروعا”.
واشار الى انه حين طلب رأي الخبير الدستوري الفرنسي الكبير دومينيك روسو، كان سيلتزم بما “سَيَشور” عليه، وأنه كان سيمثل أمام المحقق العدلي إذا طلب منه روسو ذلك. وقال: “القانون اللبناني يستند في كثير من نصوصه إلى القانون الفرنسي، فلجأتُ إلى المرجع الدستوري الفرنسي، وإذا حسمها لصالح القضاء العدلي فسأذهب الى المحقق العدلي وأحاكم هناك إذا ثبتت عليّ أي تهمة. وإذا حدث العكس، فإن مجلس النواب سيكون هو الجهة الصالحة بموجب المادة 70 من الدستور، وهذا ما حدث”.
جعجع يرحّب
ورحّب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في بيان، بقرار الغرفة الخامسة من محكمة التمييز المدنية برئاسة القاضية جانيت حنا، ورأى انه يثبت مرة جديدة أنه في وسط السلطة الفاسدة الحالية ما زال يوجد قضاة عادلون متجرّدون جريئون، حتى على رغم كل المداخلات والضغوط السياسية التي تمارس عليهم. إنّ حكم محكمة التمييز المدنية اليوم يؤكد مرة جديدة انه لا يمكن كَف يد المحقق العدلي إلا بقرار من مجلس الوزراء. إنّ محاولة التشويش على عمل المحقق العدلي الجارية منذ أشهر وحتى اللحظة هي جريمة تساوي ببشاعتها جريمة انفجار مرفأ بيروت”.
أضاف: “إن كل ما يُساق بحق التحقيق العدلي هو عار تماما من الصحة لأنه غير مبني على وقائع ملموسة بل مجرد اتهامات وضغوطات تمارس على المحقق العدلي لوقف التحقيق في جريمة المرفأ، ما يجعل كل المشاركين في هذه الضغوطات مشبوهين حتى إشعار آخر. إنّ عمل المحقق العدلي ينتهي فعلاً عند صدور القرار الظني، فلنتركه يعمل بسلام وروية وهدوء حتى إصدار قراره الظني الذي سيستند إليه المجلس العدلي المكوّن من أرفع قضاة في لبنان لإصدار حكمه النهائي”.