كتبت صحيفة النهار تقول: إذا كانت بعض معالم الاسترخاء الشعبي في مناسبة عيد الفطر توفّر مسحة إيجابية ولو عابرة، فإن فسحة فرصة العيد آذنت على النهاية والعودة تالياً إلى الواقع المأزوم على مختلف الصعد وفي كل الاتجاهات.
فليس أدلّ على اتجاه لبنان نحو مزيد من التراجعات سوى اختفاء كل معالم الجهود والتحركات والمساعي السياسية التي كان يفترض أن تكون الآن في حركة استنفار استثنائية بكل ما للكلمة من معنى سواء في ما يتصل بملف الأزمة الحكومية أو في ما يتعلق بالوضع الطارئ على الحدود الجنوبية مع إسرائيل أو في ما يتعلق باشتداد الضغوط المعيشية والخدماتية على المواطنين. ومع ذل، فإن الشلل بلغ ذروته وتجاوز كل الحدود من خلال رؤية البلاد كأنها تسبح بالجاذبية بلا ربان وبلا حكم وبلا حكومة وبلا سلطة ولا سياسيين وبلا مؤسسات.
كل لبنان يتضامن بقوة وبصدق مع الفلسطينيين في مواجهتم للآلة الحربية الإسرائيلية التي تمعن تدميراً وقتلاً وتصعيداً مفرطاً في غزة، وتستهدف الأطفال والنساء والمسنّين، كما الرجال والشباب والمقاتلين. ومع ذلك، فإن الوضع الخطير في لبنان وما يقتضيه من حكمة ودراية وشجاعة ومسؤولية في إعلان الموقف الذي يميز بين التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني والتشدد في تحييد لبنان ومنع توريطه من أي جهة فلسطينية كانت أم لبنانية عن تداعيات المواجهات الجارية بين إسرائيل وغزة كان يفترض صدور مواقف مسؤولة عن مسؤولين يتحملون المسؤولية ولا يتهربون ولا يختفون ولا يدارون ولا يتركون الأمور رهن مفاجأت قد تكون على جانب كبير من الخطورة.
افتقر لبنان في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة إلى أي صوت أو موقف مسؤول تماماً، كما اختفت كل معالم السياسة والحركة السياسية والناس متروكون لأقدارهم وسط تنتمي المخاوف من أن يشكل التوتر على الحدود الجنوبية عاملاً من عوامل زيادة الاخطار التي تحدق بلبنان.
ولليوم الثاني، شهدت الحدود اللبنانية- الإسرائيلية توتراً، غداة إطلاق ثلاثة صواريخ مساء الخميس من سهل القليلة، وأدى التوتر الجديد، أمس، إلى استشهاد شاب لبناني وجرح آخر لدى محاولة مجموعة متظاهرة عند بوابة فاطمة على الشريط الحدودي عبوره الى الجانب الإسرائيلي.
وقد أصيب مواطنان لبنانيان جراء سقوط قذيفتين إسرائيليتين بالقرب منهما بعد محاولة عدد من الشبان الدخول الى مستعمرة المطلة عبر السياج الشائك بين لبنان وإسرائيل مرددين هتافات “لبيك يا نصرالله”، مما أدى الى استنفار الجيش الاسرائيلي، محاولاً منعهم من التقدم نحو السياج، الأمر الذي أدى الى إطلاق قذيفتين من دبابة إسرائيلية في اتجاه الشبان. وعلى الفور حضرت قوة كبيرة من الجيش اللبناني بحضور قوة من اليونيفيل وعملت على منع الشبان من التقدم، وأقام الحواجز لمنع أي من المواطنين من التقدم نحو الشريط الشائك. وعملت سيارات الإسعاف التابعة للهيئة الصحية الإسلامية على نقل الجريحين الى مستشفى مرجعيون الحكومي. وتخلل العملية استنفار شديد من الجهتين.
والجريحان هما حسين ع.ص ومحمد طحان، ولكن الشاب محمد طحان فارق الحياة عصراً متأثراً بجروحه وله من العمر 21 عاماً، وهو من بلدة عدلون الجنوبية. وقد نعاه “حزب الله” داعياً الى المشاركة في تشييعه بعد ظهر اليوم في عدلون.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن دبابات الجيش الإسرائيلي قامت بـ”إطلاق نار تحذيري نحو عدد من المشاغبين المشتبه بهم الذين اجتازوا من لبنان الى داخل الأراضي الإسرائيلية، بعد محاولة العبث بالجدار وإضرام النيران في المنطقة ومن ثم ابتعدوا إلى داخل لبنان”.
ومساءً، حاولت مجموعة أخرى من الشبان الفلسطينيين اجتياز السياج التقني في سهل مرجعيون مقابل المطلة. وقامت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار عليهم كما اطلقت العديد من القنابل المضيئة فوق كفركلا.
وقد دان الرئيس ميشال عون “بشدّة الجريمة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بإطلاقها النار على مجموعة من الشباب المتظاهرين عند الحدود الجنوبية مما أدى الى استشهاد الشاب محمد طحان وإصابة آخر بجروح وطلب من وزير الخارجية ابلاغ الأمم المتحدة بالاعتداء الإسرائيلي وما اسفر عنه تمهيدا لاتخاذ الخطوات اللازمة نتيجة ذلك”.
وأصدر الناطق الرسمي بإسم اليونيفيل أندريا تيننتي البيان الآتي:
“اطلعنا على التقارير التي تفيد بأن مدنياً لبنانياً قُتل على الخط الأزرق بالقرب من كفركلا اليوم خلال مواجهة مع الجيش الإسرائيلي.
رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء ستيفانو ديل كول على اتصال مباشر مع الأطراف.
إن جنودنا متواجدون على الأرض لمنع الانتهاكات، وجنباً الى جنب مع القوات المسلحة اللبنانية عززنا الأمن في المنطقة، وفتحت اليونيفيل على الفور تحقيقاً لتحديد الحقائق والظروف. إن أي خسارة في الأرواح هي أمر مأساوي، ونحث الجميع على التزام الهدوء وتجنب تصعيد الوضع والمجازفة بمزيد من الأرواح”.
وطغيان التطورات الحدودية على المشهد الداخلي لم يحجب الاستحقاق الداهم في بدء زحف العتمة الشاملة على لبنان مع توقف إنتاج بواخر توليد الكهرباء أمس. وأعلنت مؤسسة كهرباء لبنان أنه صباح أمس الجمعة، قامت البواخر التركية في معملي الذوق والجية بتوقيف كل المولدات العكسية لديها مما أدى إلى إنخفاض القدرات الإنتاجية الإجمالية المتوفرة على الشبكة الكهربائية اللبنانية بحوالي 240 ميغاواط. وبالتالي، عملت المؤسسة على تشغيل بعض المجموعات الإنتاجية في معملي المحركات العكسية في الذوق والجية ورفع قدرة معمل الذوق القديم ووضع مجموعة إنتاجية في معمل صور الحراري مما سيوفر 130 ميغاواط إضافية على الشبكة وذلك تعويضًا عن جزءً من النقص الحاصل جرّاء توقيف البواخر التركية لكل مجموعاتها الإنتاجية”.
وأضافت: “مع الإشارة إلى أن مؤسسة كهرباء لبنان، وعطفًا على بيانها السابق قد اضطرت إلى اتخاذ إجراءات إحترازية من خلال تخفيض قدراتها الإنتاجية في كل معامل الإنتاج بما يتناسب مع خزين المحروقات المتوفر لديها ومن أجل الحفاظ على التغذية الكهربائية لأطول فترة ممكنة، وذلك لحين البت بموضوع الطعن المقدّم في القانون الرقم 215/ 2021 (قانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 300 مليار ليرة لتأمين حاجتها من الفيول)”.