ترى تل أبيب في بقاء «داعش» خدمةً لمصالحها، خصوصاً أنه يُبعد خطر حزب الله عنها ويحوّله لمواجهته، من سوريا إلى العراق. ورغم أن عقيدة التنظيم تشكّل خطراً وجودياً على إسرائيل، إلا أنها ترى فيه مصلحةً لضمان استقرارها، وزواله خطأٌ استراتيجي يجب أن لا يُحقّق
ورأى هليفي أن مصلحة تل أبيب تكمن في منع هزيمة «داعش»، وهي إشكالية الدراسة الصادرة أخيراً عن مركز «بيغن – السادت» للدراسات الاستراتيجية. وفصّلت الدراسة الأسباب الدافعة لتل أبيب إلى رفض هذا التوجه، وتحديداً في ما يتعلق ببقاء حزب الله في مرحلة ما بعد هزيمة التنظيم، وتنامي قوته العسكرية والخبرة التي بات يتمتع بها، الأمر الذي سيضرّ بالمصالح الغربية كما الإسرائيلية، ما يستتبع «التروّي» في قتال «داعش»، والامتناع عن إلحاق الهزيمة الكاملة به.
وُجّهت الدراسة إلى أصحاب القرار الإسرائيلي، والرأي العام في الغرب. وهي استكمال لرؤية استراتيجية وترويج لها، كان هليفي قد عبّر عنها قبل أسابيع، مع محاولة تسويقها في الغرب لجهة الأسباب والموجبات في محاربة «داعش» والقضاء عليه، ما يعني فقدان الأداة الرئيسية في مواجهة أعداء إسرائيل، وأعداء الغرب: إيران، وحزب الله، ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ويعدّ مركز «بيغن – السادات» من أهم المراكز البحثية في إسرائيل، ويُعنى كما يعرّف عن نفسه بـ«جدول أعمال صهيوني لأبحاث أمن إسرائيل، والسياسات الاستراتيجية المرتبطة بالأمن القومي للدولة العبرية». وإذا كانت أبحاث المركز تلقى أُذناً صاغية لدى صنّاع القرار في تل أبيب، إلا أن تلاقي موضوع الدراسة الحالية، حول الترويج للتهديدات المرتبة على هزيمة «داعش» للغرب، مع تقديرات الجيش الإسرائيلي وتوجهاته، تتجاوز في دلالاتها الدور الاستشاري للمركز، لتعبّر عن إجماع إسرائيلي حول ضرورة الامتناع عن محاربة هذا التنظيم، ربطاً بالدور الذي يتطلع به بالوكالة، في محاربة أعداء تل أبيب وإشغالهم.
وتلفت الدراسة إلى أنّ من واجب الغرب السعي إلى إضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» والامتناع عن اجتثاثه وتدميره، ذلك «أن من شأنه إضعاف التنظيم. فأوّلاً يقوّض فكرة الخلافة بين المسلمين المتطرفين، ويدفع ثانياً العناصر السيئة في هذا التنظيم للتركيز على أهداف غير الأهداف والمصالح الغربية، وثالثاً يعرقل سعي إيران للهيمنة الإقليمية». وانطلاقاً من هذه الأسباب، فإن اللقاء الذي جمع أخيراً وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، بوزراء دفاع دول «التحالف الدولي»، يعدّ خطأً استراتيجياً.
وتؤكّد الدراسة أن معظم أُسر الاستخبارات ومكافحة الإرهاب حول العالم، باتت تدرك هذا الخطر، وتدرك أن القضاء على «داعش» من شأنه أن يدفع إلى مزيد من الأعمال الإرهابية في الغرب. وبحسب الدراسة، فإن إطالة عمر هذا التنظيم من شأنه أن يسبب سقوط المزيد من القتلى من المتطرفين المسلمين في صفوفه على أيدي «أشرار آخرين» في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يسبب أيضاً، في موازاة ذلك، منعَ العديد من الهجمات الإرهابية في الغرب. وعلاوة على ذلك، إن «إضعاف داعش يؤدي إلى تقويض فكرة الخلافة الإسلامية».
وتلفت الدراسة، أيضاً، إلى أن تهديد «داعش» للغرب ضئيلٌ نسبياً، لانشغاله الحالي والضغط الموجه إليه، «أمّا في ما يتعلق بالهجمات الإرهابية في أوروبا، فإن المسؤولية ملقاة بشكل رئيسي على ما يسمى الذئاب المنفردة، أي العناصر الموالية لداعش – التي تتحرك من تلقاء نفسها – ومن دون توجيه وقيادة مباشرتين من مدينة الرقة». وهذه العمليات كما تؤكّد الدراسة «ذات تأثير وأضرار محدودة».
في موازاة ذلك، فإن جذب المسلمين المتطرفين من جميع أنحاء العالم (إلى سوريا والعراق) سيُسهم في تحديد هوية هؤلاء استخبارياً، و«صحيح أنهم يكتسبون مهارات وخبرات مدمرة في البلدين، وقد يؤثرون سلباً إن عادوا إلى بلدانهم الأصلية، وتوجهوا لتنفيذ عمليات كبيرة ذات أضرار جسيمة، إلا أن الإبقاء على داعش سيؤدي إلى مقتل عدد منهم في سوريا والعراق بعيداً عن بلدانهم». وترى الدراسة أن «هزيمة داعش ستعني عودة كل المتطرفين إلى بلدانهم والتسبب بمتاعب، في المقابل فإن الإبقاء على تنظيم ضعيف، دون العمل على اجتثاثه، سيشغل كل مريديه وعناصره في مهمة الدفاع عنه، والابتعاد عن تنظيم هجمات وتوجيهها خارج حدود المناطق التي يسيطرون عليها».
وتتعلق الأسباب الموجبة للامتناع عن إلحاق الهزيمة بالتنظيم بالجانب الروسي والإيراني. ويسأل معدّو الدراسة: «هل من مصلحة الغرب تعزيز القبضة الروسية في سوريا وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط؟ وهل من مصلحة الغرب تعزيز السيطرة الإيرانية وتقاطعها مع الأهداف الأميركية في العراق؟»، وترى الدراسة وجود «حماقة استراتيجية تسود حالياً في واشنطن، والتي تنظر إلى إمكان تعزيز قوّة محور موسكو – طهران – دمشق، عبر التعاون مع روسيا ضد «داعش».
أما لجهة حزب الله، العدو الرئيسي والتهديد الاستراتيجي لإسرائيل بإقرار قادة الأخير، فهو أحد أهم الأسباب المانعة لـ«اجتثاث» التنظيم. فالحزب، تنظيم أصولي شيعي موالٍ لايران ومعادٍ للغرب، و«إذا لم يعد متورطاً في الحرب الدائرة في سوريا، فقد يلجأ إلى خطف مواطنين غربيين، وغير ذلك من الأعمال الإرهابية في أوروبا».
وتؤكّد الدراسة أن نفور الغرب من وحشية ولاأخلاقية «داعش» لا توجب عليه التعامي عن الوضوح الاستراتيجي وتحديد هوية «الأشرار». فالخيارات الواجب اتخاذها ترتبط أيضاً بواقع الشرق الأوسط، إذ لا يشير دائماً الى خيارات أخلاقية يمكن الركون إليها، فـ«هناك سذاجة بأن الهزيمة العسكرية (لداعش) ستلعب دوراً رئيسياً في تحقيق الاستقرار الذي يتوق إليه الغرب في المنطقة، ذلك أن الاستقرار ليس قيمة في حد ذاته، وهو مرغوب فيه فقط إن خدم مصالحنا».
في المقابل، إن هزيمة «داعش» تعني دفعاً وتشجيعاً للهيمنة الإيرانية في المنطقة، ودعماً للدور الروسي، وإطالةً لأمد نظام الأسد، علماً بأن محور طهران – موسكو – دمشق، لا يتفق مع القيم الديموقراطية لدينا (إسرائيل والغرب)، وعدم الاستقرار قد يحمل في طياته أيضاً أوجهاً من التغيير الايجابي».
وتنهي الدراسة مهمتها، بالاشارة إلى أخطاء في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في معالجة تهديد «العدو الإيراني الرئيسي»، وتحديداً ما يتعلق بالاتفاق النووي، لافتةً إلى أن «الإدارة الأميركية غير قادرة على الإدراك والتعرف إلى الأداة المفيدة في تقويض خطة طهران للهيمنة على الشرق الأوسط».