كتبت صحيفة الأنباء الإلكترونية تقول: التسوية هي آخر ما تبقى للبنانيين من رهان. جربوا كل شيء، المواجهة؛ المكابرة، انتظار الخارج؛ حتى الاقتتال، لم تصل بهم الأمور إلا الى الأزمات. وكانوا يعودون في كل مرة الى التسوية. هي القدر الطبيعي لبناء دولة متنوعة، لا مفر من التلاقي على قواسم مشتركة جامعة لكي ينجو البلد من الهاوية التي سقط فيها. سهل جداً رمي التهم وتقاذف المسؤوليات. وسهل جداً رفع السقوف والشروط. الأصعب هو إيجاد الحلول في زمن بات التعطيل سمته. وفي مثل هكذا لحظات تبان طينة الوطنيين رجال الدولة الذين يدركون الأولويات، ويعيشون هموم الناس وقلقهم فيقدّمونها على كل اعتبار، ويبحثون عما يمكن ويجب فعله لوقف خوف الناس على مصيرهم ولحماية كيان الدولة. ولأن الوطن لكل أبنائه، فالتسوية ليست انقلاباً ولا تموضعاً في مواجهة أحد، ولا هي بين طرف وآخر دون سواهما، ولا على حساب هذا الفريق او ذلك، بل هي تلاقي الجميع على كلمة سواء تجمع ولا تفرق وتؤمن مصلحة الناس أجمعين. وهذا ما قاله ويطبقه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي زار أمس القصر الجمهوري حيث طرح كل ذلك بصراحة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ليفتح نافذة للتلاقي في زمن انسداد الآفاق، علّ تلك النافذة تتسع لتصبح باباً يلج منه اللبنانيون جميعهم إلى افق جديد يخرج البلد من الانهيار.
مصادر مواكبة أشارت عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية إلى انها لم تُفاجأ بهذه الزيارة لأنه ليس جديداً على جنبلاط أن يبادر عند احتدام الأمور وبلوغ المواقف السياسية السقوف العالية التي تهدد السلم الأهلي، فيكون خياره التسوية ليس من باب الضعف الذي يحاول البعض تسويقه تشويهاً، بل من باب قوة الحرص، لأن كلفة الانفلات الأمني الذي يهلّل له البعض عالية جداً ولا قدرة لأحد على تحملها، ولفتت المصادر الى أن وليد جنبلاط وحده ينتقي مواقفه تبعاً للتطورات والمخاطر المحدقة بالوطن ويعرف كلفة انزلاق البلد الى المجهول.
عضو تكتل “لبنان القوي” النائب فريد البستاني، الذي حمل لجنبلاط دعوة عون له لزيارة بعبدا، رأى في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية أن “تواصل عون مع القوى السياسية هو دليل عافية، فالمقاطعة لا توصل الى مكان”، متمنيا “لو أن كل القوى السياسية وكل الزعماء يتواصلون مع رئيس البلاد لما وصلت الأمور الى ما هي عليه اليوم، على الرغم من دعواته المتكررة لهم للتواصل والتشاور”.
البستاني اعتبر ان “زيارة جنبلاط إلى بعبدا ترسّخ العيش المشترك في الجبل وتفتح آفاقاً جديدة وإيجابية قد تساعد على تشكيل الحكومة، وهو قد عبّر عن رأيه بصراحة في هذا الموضوع بدعوته الرئيسين عون وسعد الحريري الى الاتفاق على صيغة 18 وزيراً أو أية صيغة أخرى يتفقان عليها من خلال حوار للبحث عن تركيية حكومية قد تريح البلد من التشنج القائم”، لافتًا إلى “عدم تمسّك الجانب الفرنسي بصيغة محددة، ومعنى ذلك أن هناك تفهماً خارجيًا للوضع في لبنان وهو ما أشار اليه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وإلا نكون ذاهبين إلى الانتحار”، آملاً بأن يقتنع الجميع بالتسوية.
من جهته، عضو تكتل “الجمهورية القوية” أنيس نصار كشف في اتصال مع جريدة “الأنباء” الالكترونية أنه يعرف أن “جنبلاط من النوع الذي يفكر مثل أي لبناني مخلص لبلده، وعندما رأى أن الأمور في لبنان تتجه إلى الانهيار وأن الخلاف على الحصص، طرح موضوع التسوية، فالسياسة بقدر ما هي فن الممكن فهي أيضا أخلاق”.
وقال نصار: “جنبلاط زعيم ابن بيئته ويعرف جيداً أن أي خلل في الصيغة اللبنانية قد يؤدي إلى كارثة وهو يقول الأمور كما هي”، متوقعاً أن “يكون جنبلاط قد أطلع عون على هواجسه لأنه من غير المقبول ان يخرب البلد من أجل الثلث المعطل”.
وأضاف نصار: “ليت عون دعا كل القوى السياسية الى القصر الجمهوري وأبلغهم بعدم الخروج من القصر قبل الاتفاق على الحكومة”، واصفا جنبلاط “بالواقعي الذي يقول الأمور كما هي”، آملاً أن تكون أجواء المصارحة الغالب في هذا اللقاء.
بدوره، عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب ميشال موسى رأى في اتصال مع جريدة “الأنباء” الالكترونية أنه “من الواضح أن جنبلاط يسعى لإيجاد أية طريقة لحلحلة الأمور التي تساعد على تشكيل الحكومة، وهذا أمر أساسي لوقف الانهيار، وبعد ذلك هناك مسار طويل يجب العمل عليه لإنقاذ البلد”، لافتا إلى أن “جنبلاط يسعى بكل جهد لفك العقد لأنه يرى أن الوضع مأزوم جداً، ولا بد من تحركٍ ما قد يساعد على تدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر”.
في هذا السياق، أشارت مصادر سياسية عبر جريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى “شيء ما يحصل في المنطقة، وقد يكون التصعيد الحوثي ضد مطار أبها ومنشآت أرامكو مقدمة لبداية تسوية كبيرة في المنطقة، فزيارات وزير الخارجية الروسي المتكررة للسعودية ودول الخليج وزيارة حزب الله لموسكو يؤشران إلى أن ثمة شيء ما يُحضر في ظل الاستعدادات لمحادثات الملف النووي الإيراني بين طهران وواشنطن”.