الإعلام اليوم شريكا أساسيا في حياتنا اليومية، ومع تعدد وسائطه ارتفعت نسبة تأثيره على المجتمع، فوسائل الإعلام لم تعد تقتصر على الجريدة، الإذاعة أو التلفزيون فقط، بل واكبت تطورات العصر الحديثة بعد استحواذ الإنترنت على معظم الأعمال في العالم، فولدت وسائل أخرى ساهمت في تطوير الإعلام الذي عُرف بالإعلام الرقمي.
والإعلام الرقمي هو الذي يبث الأخبار والمعلومات إلى الجمهور عبر إستخدام وسائل الإتصال الحديثة، لا سيما المنصّات الإلكترونية. والجدير ذكره أن عددها يفوق أعداد الإذاعات والوسائل التي تعتمد على الإعلام التقليدي، وهذا دليل على نجاح الإعلام الرقمي وإنخراطه في الحياة اليومية للمجتمع.
ومن ناحية أخرى، إن إنتشار الإعلام الرقمي -مع كثرة إيجابياته- إلّا أنه يخلق مشاكل وصعوبات تؤثّر سلبا على أفراد المجتمع.
وهنا لا بد من توضيح المعضلة الأبرز، كيف يخلق الإعلام الرقمي صعوبات بالرغم من كثرة مستخدميه وإيجابياته؟
فجميعنا أثناء تصفحنا المواقع الإخبارية كل يوم، يظهر أمامنا المئات من الأخبار، ولكن هل تأكدنا يوما من صحتها؟! فهذه المشكلة ظهرت بكثرة في الفترة الماضية، مع انتشار الصحف الإلكترونية، وما قد تحمله من “الأخبار الزائفة”، فهذه الأخبار تكون مفبركة لا صحة لها، تستخدم لتشويه أحداث ما، أو خلق صورا معينة تصب في مصلحة ناشريها.
إن الصحافة الصفراء هي التي تبث الأكاذيب وتشوه الأخبار، في بادئ الأمر كانت قليلة يمكن إحصائها؛ فالجريدة التي كانت تنشر خبرا كاذبا تصنّف فورا “صحافة صفراء”، ولا إراديا ممكن ان يتم معرفة الجهة التابعة لها، ولكن الأمر اليوم تغير حيث أصبحت أعداد الصحف الالكترونية هائلة، والأخبار أغلبها متشابهة، فالموقع الإخباري الذي يبث الخبر الكاذب أولا، يتم نقله من قبل المواقع الأخرى، دون التأكد من صحته. وهنا تُلوَّن معظم المواقع بـ “اللّون الأصفر”.
فالأخبار الكاذبة آفة كبيرة على الاعلام والمجتمع، تعكس ردودَ فعل سلبية، فعلى سبيل المثال، انتشرت في الأيام الماضية على مواقع التواصل معلومات غير دقيقة عن لقاح الكورونا، وتم قراءة هذا الخبر من حشد كبير من الجمهور، لذلك قام رئيس الصليب الأحمر بالتحذير من هذه المعلومات الخاطئة قائلا “المعلومات الخاطئة عن اللقاحات يمكن أن تؤدي إلى “جائحة ثانية”.
ومن هذا المنطلق، اعلنت شركة “فيسبوك” عزمها إزالة المحتوى المضلل حول لقاحات مرض كوفيد – 19، على شبكتها الإجتماعية وفي تطبيق “انستغرام”، وذلك ضمن حملتها لضمان سلامة المستخدم نظراً لخطورة الإشاعات والمعلومات الخاطئة عن الصحة.
وقال متحدث باسم الشركة أنّه “نظراً للمعلومات حول إمكانية طرح لقاح كوفيد – 19 قريباً في جميع أنحاء العالم، نبدأ خلال الأسابيع المقبلة في إزالة الادعاءات الكاذبة حول هذه اللقاحات، وذلك من خلال التدقيق بها من قبل خبراء صحة معتمدين لدينا”، بحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وأوضحت أنّ المحتوى المضلل قد يشمل سلامة اللقاح، فعاليته، مكوناته، وآثاره الجانبية، وسوف يتم باستمرار تطوير القدرات وزيارة المعلومات بحسب الإرشادات الصحية العامة.
ووفق دراسة أجراها معهد ماساتشوستش للتكنولوجيا، كشف أن هذا النوع من الأخبار ينتشر بسرعة أكثر من تلك الحقيقية، وهذا يدل على كمية خطورة هذه الأنباء والمواد التي تحملها.
إضافة إلى ذلك، إن الأخبار الكاذبة غالبا ما تلعب دورا مهما في الأزمات، حيث يستفيد الطرف الأقوى من نشرها. وهي أيضا وحدها كافية أن تشن حربا، أو تنشر الذعر والخوف في نفوس الجمهور…
وكما ذكرنا أعلاه، أن الخبر اليوم ينتشر بسرعة هائلة، وبغضّ النظر عن المواقع الإخبارية العديدة، فالرسالة عبر الواتساب، بكل بساطة أصبحت رسالة إخبارية يقرأها الملايين نتيجةً لسهولة تسلّمها. وفي هذا السياق إن هذه الرسائل غالبا ما تكون ملفقة لكنها تقنع القارئ وتجعله اسيرا لها دون التأكد من مدى مصداقيتها.
وهناك نوع آخر من الرسائل المغلوطة، هي تلك التي تُرسل تحت إسم شركة إتصالات ما، وأنها تزودك برصيد مجاني، غير أنها تقوم بسرقة بياناتك الشخصية حين دخولك للرابط الموجود فيها.
هذه الأفكار الجهنّميّة التي ابتكرها الإنسان قادرة على الحاق الضرر بمجتمع بأكمله، إذا لم يتم حظرها او التحذير منها.
ختاما، لا بد من إيجاد حلولا للحد من تفشي الأخبار المزيفة، خاصة في هذه الأيام رغم وجود محاولات وتحذيرات وبرامج ومؤتمرات تناولت هذا الامر. وربما يتوجب على الدولة وضمن حماية الحريات العامة لاسيما حرية التعبير ان تحمي المواطن من التعبير الخاطيء باتخاذ إجراءاتٍ صارمة بحق كل من ينشر هذه الإشاعات، ومراقبة الصحف والمواقع والمؤسسات الإعلامية. وعلى الناس أن لا يصدقوا كل الأخبار إلا حين التأكد من مصدرها ومصداقيتها.
فحقا، يجب الإنتباه لأن فيروس “الأخبار المزيفة” ينتشر بقوّة!