كتبت صحيفة النهار تقول: إذا كانت البلاد ستفتح مجدداً غداً بعد انتهاء الإقفال الثاني بفشل محقق اعترفت به الحكومة عبر وزير الصحة حمد حسن، فإن ذلك سيزيد أعباء التداعيات المتراكمة صحياً من جهة ولن يحسن كثيراً في الأوضاع الاقتصادية والتجارية المنهكة والمنهارة حتى لو على أبواب الأعياد. ولم يكن ينقص المشهد الداخلي المشدود والمثقل بالتوترات سوى تحول مداخل بيروت والكثير من المناطق ولا سيما منها المدخل الشمالي بين الضبية وجونية إلى بحيرات عملاقة بفعل الأمطار الغزيرة التي أغرقتها وكشفت تكراراً مدى القصور الهائل الذي يعيد هذا المشهد عند كل شتوة.
وأما دفع الأمور في اتجاه خرق حقيقي يضع البلاد على سكة بداية الخروج من النفق المظلم الحالك فيقتضي إزالة الألغام من طريق تأليف الحكومة الجديدة وهو الأمر الذي لا يبدو أنه صار وشيكاً أقله استناداً إلى وقائع الأسبوعين الأخيرين اللذين ترنحت فيهما عملية التأليف إلى حدود الجمود التام. ولم يكن غريباً أن تتساءل أوساط مراقبة أين صار مسار تشكيل الحكومة وأي أبعاد وراء الصمت المطبق الذي يلتزمه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي انقطع عن زياراته لقصر بعبدا فيما تتولى جهات معروفة توزيع تسريبات حول معطيات أو تشكيلات أو أسماء هدفها حشره وإرباكه؟ وهل يدرك الحكم الأخطار الكامنة وراء مضيّه في تعطيل مسار التأليف فيما رئيس الجمهورية نفسه بادر قبل ساعات إلى الطلب من حاكم مصرف لبنان الاستمرار في إجراءات الدعم للمواد الأساسية فيما يتعاظم الخوف من تداعيات الأزمة المالية مع اقتراب استحقاقات نهاية السنة بلا حكومة جديدة؟
هذا المناخ القاتم زادته غموضاً وشكوكاً الترددات السلبية للجلسة النيابية التي أقرت توصية اعتماد التدقيق الجنائي الشامل في مصرف لبنان وكل مؤسسسات الدولة والمصالح والصناديق إذ بدا لافتاً جداً أن التشكيك في جدية القرار أو التوصية التي أصدرها مجلس النواب بدأت تتصاعد على السنة كتل ونواب قبل الاخرين. ويكفي أن تأتي طلائع الشك الخارجية والدولية في جدية قرار أو توصية مجلس النواب أولاً من ممثل الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش لتظهر مجدداً الصورة السلبية للطبقة السياسية والنيابية اللبنانية أمام المجتمع الدولي. ذلك أن كوبيتش غرّد معلقاً على ما قرره مجلس النواب في جلسته الأخيرة فكتب “إشارة سياسية قوية من مجلس النواب تؤيد إجراء تدقيق جنائي واسع النطاق. إن القيمة الحقيقية لشيء تظهر بعد تجربته”.
أما على الصعيد السياسي الداخلي، فبرز موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعدما كانت كتلة القوات أيدت بقوة موضوع التدقيق الجنائي كما أيدت مضمون رسالة رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب. اذ لم يمنع ذلك من رسم جعجع ظلال التحذير والشك رمى الكرة مجدداً في ملعب الرئيس عون وحكومة تصريف الأعمال للمضي مجدداً في عملية التدقيق الجنائي في مصرف لبنان. وقال الكرة أصبحت الآن في ملعب رئيس الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال لإعادة تكليف شركة مختصة بالتدقيق الجنائي في اسرع وقت لكي تباشر بالتدقيق بدءاً من مصرف لبنان وتباعاً على إدارات الدولة كلها وإلا يكون كل ما شهدناه مسرحية ثقيلة غليظة في الوقت الذي يعاني فيه المواطن اللبناني مأساة عميقة وموجعة ومتمادية”.
وسط هذه الأجواء اكتسب استقبال البابا فرنسيس في الفاتيكان أمس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعداً مهماً وبارزاً شكلاً ومضمونًا. فاللقاء ووفق المعلومات التي توافرت عنه استمر ساعة كاملة فيما كشف النقاب أن الراعي سافر خصيصاً لمقابلة البابا وأنه سيعود اليوم إلى بيروت بما يكسب اللقاء دلالات استثنائية. ووفق المعلومات عن اللقاء فإن البطريرك الراعي أعرب للبابا عن هواجس اللبنانيين والخوف الذي ينتابهم من ضياع النموذج اللبناني للعيش الواحد بين الأديان مشيراً إلى خطر وجودي على لبنان وأبنائه ولا سيما منهم المسيحيين. ولفت الراعي إلى أن منسوب الخوف من الجوع والسعي إلى الهجرة يرتفع في عقول وقلوب اللبنانيين الذين باتوا يخشون على مستقبل أولادهم معتبراً أنه لا بد من القيام بعملية إنقاذية سريعة لإخراج لبنان من محنته قبل فوات الأوان. وتمنى الراعي على البابا لهذه الغاية لعب دور في عملية الإنقاذ هذه من أجل الحفاظ على وحدة لبنان كنموذج للعيش المشترك من خلال علاقات الفاتيكان الدولية مؤكداً أن لبنان يطمح إلى أن يكون دولة واحدة قوية بشعبها وجيشها ومؤسساتها وهذا يتم من خلال الحياد الإيجابي الذي بات مشروعه جاهزاً وقابلاً للتنفيذ إذا تأمن التوافق الداخلي في شأنه. ووجه الراعي دعوة إلى البابا فرنسيس لزيارة لبنان.