أصبحت الأخبار المقلقة من الروتين اليومي للمواطن اللبناني الذي بات يواجه مصاعب لا تعد ولا تحصى ، ومع تراكم الضغوطات والهموم على هذا الوطن المعذب ، يتكرر في فصل الخريف ومع شهر تشرين من كل عام مشهد يزيد من حال الحزن والأسى ، إنه مشهد الحرائق التي تشتعل موسمياً في جبال لبنان فتأكل ثروته الحرجية.
منذ أيام إلتهمت النيران مساحات خضراء شاسعة من أحراج لبنان ، وكأن تشرين 2019 يعيد نفسه في هذا العام ، لنخسر المزيد من الأحراج الممتدة من شمال لبنان إلى جنوبه.
لم تفرق ألسنة النار بين بلدة وأخرى، بل أكلت الأخضر واليابس في معظم الأحراج اللبنانية، من بلدات سفينة القيطع وبزال في شمال لبنان، مروراً بأحراج دير الحرف ورأس المتن، بالإضافة الى غابات الشوف بين نيحا وباتر، كما وصلت إلى جزين ثم إلى بعض قرى اقصى جنوب لبنان الحدودية. كانت الخسائر المادية باهظة، فالحرائق قلصت المساحات الخضراء في جبال لبنان بشكل متواصل كما في السنوات السابقة، ما انعكس سلباً على الثروة الحرجية في لبنان وعلى إقتصاده الزراعي، لأن النيران التهمت كذلك مساحات كبيرة من الأشجار المثمرة، وبخاصة أشجار الزيتون والصنوبر التي تضررت قبل موسم قطافها، ليحرم المزارع الذي كان يعتمد على هذا الموسم للإفادة من محصولها في مواجهة غائلة الجوع والغلاء. وفي تغريدة له على تطبيق تويتر ذكر رجل الأعمال جواد عدرا أن مسلسل الحرائق يتكرر بشكل متواصل منذ أعوام عديدة، وأنه حصد حوالي 370 مليون متر مربع من مساحة لبنان الخضراء. وتشكل هذه المساحة حوالي 10% من لبنان الأخضر.
وهذا الموضوع البيئي بإمتياز كان مجال نقاش كبير على وسائل التواصل الإجتماعي، فقد عبّر الآلاف من روّاد المواقع على صفحاتهم وضمن تغريداتهم، عن أسفهم الشديد لما يحصل كلما ارتفعت درجات الحرارة حيث تشتعل الحرائق لتقضي على الغابات ولتسبب بآثار سلبية وكارثية على غابات لبنان وبساطه الأخضر الذي يعتبر من الثروات الطبيعية التي وهبها الله لهذا البلد.
وبالرغم من الجهود التي يبذلها كل من عناصر الدفاع المدني والجيش اللبناني لإخماد الحرائق، إلّا أن القدرات ما زالت متواضعة، إذ يُفترض إطفاء الحرائق بالسرعة القصوى قبل امتدادها. وهنا لا بد من السؤال البديهي: لماذا لا تتوفّر أعمال الصيانة للطوافات المعطّلة التي تم شراؤها لهذه الغاية ليتم إستخدامها عند الحاجة؟.
ومن ناحية أخرى، يظهر أن التجهيزات المتوفرة لدى مؤسسات الدولة التي يجب إستخدامها عند الحالات الطارئة ليست كافية، لذلك يجب تأمين مستلزمات الطوارئ، وتزويد البلديّات في المناطق بمعدّات وآليات تستخدم في مثل هذه الأزمات، كما أنه من الضروري دراسة خطط مستقبلية لحل مشكلة الحرائق التي تشتعل في كل عام وفي مثل هذه الأوقات، كتعيين حرّاس أحراج يسهرون على حراستها، والقيام بتشحيل أشجارها وتنظيف الأعشاب اليابسة في محيطها، كما يمكن إنشاء محميّات طبيعية بطرق داخلية تحافظ على الأحراج، وتكون مقصداً للسيّاح لتشكل مورداً إضافياً لإنعاش الإقتصاد اللبناني.
إضافة إلى ما سبق، من الملاحظ أن هذه الحرائق تشتعل غالباً فور إرتفاع درجات الحرارة التي تواكبها حالة من الجفاف، وبخاصة بعد تأخر سقوط الأمطار في هذا العام، ولا يقتصر الأمر على غابات لبنان فقط، بل يشمل أحراج سوريا وتركيا وفلسطين المحتلة أيضاً، وهذا الأمر دفع البعض إلى توسيع دائرة الملاحظة والسؤال عن سبب هذه الحرائق التي قد تكون العديد منها مفتعلة ومقصودة، ولا تبتعد التهمة كثيراً عند البعض عن تجار الأخشاب والفحم، وفي وقت سابق غرد الإعلامي سامي كليب على صفحته قائلاً :”ربما تتطلب حرائق لبنان و سوريا و شمال فلسطين، تحقيقاً أمنياً دقيقاً لمعرفة هل ما يحصل ناتج عن إرتفاع درجات الحرارة والرياح، أم أن في الأمر ما هو مقصود لغايات أخطر؟”.
كذلك، غرد السيد جواد عدرا:”منذ 2007 يتكرر مسلسل الحرائق، ولا نزال نسمع الكلام ذاته:”ضعف الإمكانيات.” نستطيع إطلاق مبادرة تشتمل على تضامن أهلي وبلدي ودولي لوضع حد لمسلسل الرعب الذي نعيشه كل عام. وإلى أن نفعل ما الذي يمنعنا من تطبيق القانون على الجميع؟
ومن جهة أخرى يجب المسارعة الى تأمين التعويضات اللازمة من الهيئة العليا للإغاثة لتقليص حجم الخسائر التي يتكبدها المزارعون، بالإضافة إلى إنعاش المشروع الأخضر وتفعيل أقسام وزارة الزراعة لتشجير الأحراج المحروقة. ويبقى القول الذي يجب أن يوضع برسم المسؤولين، لبنان وطن الجمال والجبال المكسوة بالأخضر، ولا يليق به الوشاح الأسود!.
التقرير من اعداد الطالب: بلال غازية
الجامعة اللبنانية – كلية الاعلام – الفرع الاول
ضمن برنامج التدريب الذي تقوم به وزارة الاعلام – مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية