مسارب الهدر في الدولة أكثر من أن تُحصى، لكن بعضها يتجاوز المنطق. وما ظهر أمس في لجنة الاعلام والاتصالات النيابية، يمثّل مفاجأة على هذا الصعيد. فقد تبيّن أن الدولة اللبنانية كانت تبيع الانترنت لنفسها. المفاجأة ليست هنا بالطبع، إذ من الطبيعي أن تبيع الدولة الانترنت لنفسها. لكن المفاجأة التي ظهرت كشفت أن الدولة كانت قد اتخذت وسيطاً، يشتري من الدولة، ثم يبيع لها، بعد أن يحقق أرباحاً تصل إلى نحو 250 في المئة.
وهذ الوسيط ليس سوى شركات خاصة، حققت أرباحاً خيالية من لا شيء. أما بطل هذه العملية، فليس سوى رئيس هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف. فمداولات لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، التي عقدت جلسة أمس برئاسة النائب حسن فضل الله لمتابعة قضية الانترنت غير الشرعي، كشفت أن شركتي الهاتف الخلوي كانتا عاجزتين عن الحصول على الإنترنت من هيئة أوجيرو لأن رئيسها كان، عملياً، يمتنع عن تزويدهما بالإنترنت الرسمي والشرعي. واستمر الأمر على هذا المنوال لسنوات، بذريعة وجود خلاف بينه وبين وزير الاتصالات نقولا صحناوي وقبله شربل نحاس. ولذلك، كانت شركتا ألفا وتاتش تلجآن إلى الشركات الخاصة للتزود بالانترنت. وهذه الشركات الخاصة، المرخصة، كات تحصل على الإنترنت من أوجيرو، مقابل 550 دولاراً أميركياً شهرياً لكل خط «أي وان» (E1)، ثم تبيعه لألفا وتاتش بـ1800 دولار شهرياً. ولا بد من التذكير هنا بأن شركتي الهاتف الخلوي لا تنفقان أموالاً خاصة بهما، بل هما مؤتمنتان على أموال الدولة اللبنانية، لأنهما مجرد مشغلتين للشبكتين المملوكتين من الدولة. وبحسب تقديرات أولية، فإن الدولة كانت تدفع أكثر من 12 مليون دولار سنوياً للشركات الخاصة بدل تزويد شبكتي الخلوي بالانترنت، فيما الشركات الخاصة تتقاضى ربحاً يصل إلى نحو 8.5 ملايين دولار من هذا المبلغ. وتتحدّث مصادر عن تعمّد هذا الهدر لتحقيق أرباح للشركات الخاصة، بسبب هوية أصحابها.
أداء أوجيرو مع شركتي الخلوي نسخة عن أدائها مع الجيش ووزارة الدفاع وعدد من المؤسسات الرسمية الأخرى. فعبد المنعم يوسف كان يتذرع بخلافه مع وزارة الاتصالات حيناً، وبعدم صلاحية شبكة الألياف الضوئية أحياناً، لعدم الاستجابة لطلب هذه المؤسسات باستجرار الإنترنت مباشرة، الأمر الذي دفع وزارات ومؤسسات رسمية إلى الاستعانة بالشركات الخاصة التي تبين أن جزءاً من الانترنت الذي تمدّهم به غير شرعي. وثبت من خلال القضية الجديدة التي أثيرت أمس، أن الشركات الكبرى المرخصة، التي كانت وما زالت متعاقدة مع شركتي الخلوي، استطاعت تزويد زبائنها بالإنترنت حتى عند انقطاع الإنترنت بينها وبين «أوجيرو»، ما يعني أن لديها مصادر أخرى تحصل منها على الإنترنت.
في سياق آخر، تبلغت لجنة الاتصالات من المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود أنه اتخذ قراراً بملاحقة آمري فصائل الدرك الإقليمي المسؤولين عن المناطق التي جرى بناء محطات للإنترنت غير الشرعي فيها، خلافاً لرأي الإدارة المعنية، أي المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي رفضت ملاحقة ضباطها وعناصرها. كذلك أبلغ حمود اللجنة أنه وجّه كتابين إلى «أوجيرو»، يسألها فيهما عن طبيعة المعدات التي كانت مستخدمة في محطات الإنترنت غير الشرعي، لتحديد الوزارات التي ينبغي الحصول على إذنها لإدخال هذه المعدات إلى لبنان. لكنه، أي حمود، لم يلقَ جواباً في المرتين. ووعد وزير الاتصالات بطرس حرب بمتابعة هذا الأمر.
من جهة أخرى، كشف حمود أن بعض المشتبه فيهم بقضية إدخال معدات الى محطات الإنترنت غير الشرعي غيّروا إفاداتهم التي كانوا قد أدلوا بها أمام مخابرات الجيش، ما يقود الى السؤال عمّا إذا كانوا قد غيّروا شهاداتهم من تلقاء أنفسهم أم هي محاولة من جهة ما لنسف تحقيق مخابرات الجيش. بدوره، ذكر حرب خلال الاجتماع أنه ادّعى أمام النيابة العامة المالية بقضية التخابر الدولي غير الشرعي التي اشتبه في أنها تتم عبر أحد مراكز استديو فيزيون. وسأل كلّ من ألان عون ومعين المرعبي عن الإخبارين اللذين كانا قد تقدما بهما حول الموضوع نفسه، فلم يلقيا أي جواب من القضاء. وطلب النائب عون من اللجنة فتح ملف مسؤولية الادارة عن كل ما سبق، متمنياً تخصيص جلسات لهذا الأمر. وطلب أيضاً حضور يوسف، لأنه لا سبيل الى مساءلة الادارة في غيابه، فأيّده بعض النواب.