لم يذهب ولاء الرئيس سعد الحريري للمملكة العربية السعودية هباءً. لا يزال الرجل يستحق فرصة أخرى. السعودية لا تستغني عن مشروع سياسي استثمرت فيه، والحريري واحد من هذه المشاريع، لكن «سنده» هذه المرة ليس «مكرمة» سياسية، بل إعادة هيكلة «سعودي أوجيه وأخواتها» إدارياً ومالياً
يطغى القلق على موظفي تيار المُستقبل والعاملين فيه والمستفيدين منه، مما يرونه «انهياراً حتمياً» يلوح في الأفق لامبراطورية الرئيس سعد الحريري. ولكن، على طريقة «الغريق الذي يتعلّق بالقشة»، يُمنّي بعض هؤلاء النفس ببصيص أمل تغذيه الدائرة اللصيقة برئيس تيار المستقبل، التي تربطها علاقة طيبة بالرياض.
يربط أفراد هذه الدائرة سلسلة أحداث بعضها ببعض، ومنها: تأكيد السفير السعودي علي عواض العسيري، أخيراً، أن الحريري لا يزال الزعيم السني الأول في لبنان، ودعوة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الحريري الى إفطار في شهر رمضان الماضي حضره رؤساء عرب ومسؤولون سعوديون كبار… لتلمّح إلى أن المياه الحريرية ربما كانت في طريق العودة الى مجاريها السعودية، حاملة معها حلولاً للأزمة المالية التي تعصف بامبراطورية الحريري، لكن ليس بالسرعة التي يتمناها من لهم حقوق في ذمة رئيس تيار المستقبل.
قبل أيام، وفي معرض تعليقها على الجوّ المستقبليّ الإيجابي، روّجت شخصيات في فريق الرابع عشر من آذار لمعلومات تتحدّث عن أن «النقاش في الرياض حول المشاكل التي تعانيها شركة سعودي أوجيه المملوكة من الرئيس الحريري وصل إلى مراحل حاسمة ونهائية، وقد تقرر إثره إعادة هيكلة الشركة إدارياً، ما قد يحلّ جزءاً كبيراً من مشاكلها المالية». ورأت الأوساط أن هذه الخطوة «مؤشر على نية سعودية بالمساعدة». وأوضحت أن «الحريري والمملكة باتا في المراحل النهائية قبل توقيع صفقة تعيد الشيخ سعد إلى مجده»، مشيرة إلى «إتفاق مبدئي يتضمن شراء أسهم الرئيس الحريري في البنك العربي (يمتلك حصة وازنة من أسهم العائلة التي تبلغ نحو 21 في المئة)». كما يتضمن الإتفاق «شراء ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 60 في المئة من سعودي أوجيه، مقابل بقاء 40 في المئة للحريري». وأكدت المصادر أن «أرباح الحريري من هذه الصفقة ستحل كل أزمته، وتكفيه لتسديد كل الديون المتراكمة عليه»، لافتة إلى أنه يعاني أزمة مع «أكثر من 40 ألف راتب شهري بين مؤسساته في لبنان والخارج».
ما مدى صحة هذه المعلومات؟ وهل ستعود السعودية لتشكل للرجل وتياره حاضنة قوية تتيح له من جديد تسيّد الساحة السنية؟
بالإستيضاح عما يجري التداول به، لم تنفِ مصادر مقربّة من الرئيس الحريري صحّة المعلومات، لكنها أعادت ترتيبها وتوضيحها، حتى لا يظُن أحد أن «الناس في المستقبل سينامون على وضع ويصحون على آخر. القرار بالحل اتخذ، لكن تنفيذه وانعكاسه داخل لبنان سيأخذان وقتاً». وحتى لا يكون الكلام عن وضع الحريري وأزمته فضفاضاً، ويجري تحميله أكثر مما يحتمل، تقول المصادر إن «من الضروري ترتيب المشهد وتفريق الملفات عن بعضها بعضا». فالمرحلة الجديدة تختلف عن السنوات الماضية «بفصل ثلاث نقاط كانت سابقاً متداخلة في ما بينها وكانت تمثّل حائط الدعم لمؤسسات الحريري»، وهي: إظهار الرضى السعودي على سعد الحريري، الوضع المالي لشركة سعودي أوجيه، والوضع السياسي في الداخل اللبناني، وقد تأمن بحسب المصادر «ثلثاها». فبالنسبة إلى الأولى، ظهر واضحاً من خلال تعاطي المسؤولين السعوديين مع الحريري، تبدّل المزاج على نحو إيجابي، عكسته تصريحات السفير السعودي أكثر من مرة، والدعوات التي تلقاها الحريري من الملك سلمان شخصياً. وفي ما يتعلّق بالأمر الثاني، أكدت المصادر أن «المملكة إتخذت قراراً بإعادة هندسة شركة سعودي أوجيه وأخواتها مالياً، مدعوما برغبة سعودية في إنقاذ الحريري من محنته، لكن التفاصيل النهائية لم تحّدد بعد». بمعنى أن «القرار صدر، لكن إعادة تنظيم شركة متعثرة كسعودي أوجيه يخضع حالياً للدراسة من جانب تقنيين واستشاريين».
تبقى النقطة الثالثة والعالقة، وهي في ما يتعلّق بوضع الحريري في لبنان، وكيف ستتيح له هذه المساعدة حلّ أزمته المالية في لبنان؟ المصادر تلفت الى أن قيمة المستحقات «الفورية» المستحقة على رئيس تيار المستقبل تصل إلى نحو 100 مليون دولار، فيما ديونه المستحقة للمصارف اللبنانية تتجاوز الـ580 مليون دولار. ومن البديهي أن «الحل الشامل سيأخذ فترة غير قصيرة»، لكن «إعادة نفض الشركة ستساعد الحريري على جدولة الديون، والبدء بدفع المستحقات تباعاً، كما يحصل الآن عبر تقسيط الديون والرواتب على دفعات، لكن بوتيرة أسرع من ذي قبل».
يبقى السؤال: ما الذي طرأ على سياسة المملكة الخارجية وأدى الى تغيّر المزاج السعودي تجاه الحريري بعد هذه فترة طويلة من الإهمال؟ وهل لهذه العودة علاقة بإعادة تفعيل مشروعها السياسي على الساحة اللبنانية؟
تعيد المصادر ما شرحته سابقاً عن «فصل الملفات عن بعضها بعضا»، مشيرة إلى أن «المملكة تعمل لمصلحتها قبل مصلحة الحريري، وهي لا تحتمل انهيار شركة كهذه يرتبط بعملها 7000 مقاول فرعي سعودي».
لكن للآذاريين من فريق الشيخ سعد وجهة نظر أخرى. يقول هؤلاء إن «المملكة لم تعُد صندوقاً لصرف الأموال، وهي تحوّلت بعد الحرب على اليمن وسوريا إلى مجلس حربي يخوض معركة أساسية جوهرها الصراع مع إيران». وتوضح: «الهدف هو محاربة تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة وكل الدول العربية، والسعي إلى تمثيل العالم الإسلامي في النظام العالمي الجديد». وبالتالي، «حيث تكون إيران ستكون السعودية، ولبنان من ضمن الجغرافيا المتنازع عليها».
وينقل زوار للرياض أخيراً جواباً حرفياً لأحد المسؤولين السعوديين بعد الاستفسار منه عن وضع الحريري، ومفاده: «نحن لا نرمي مشروعاً استثمرنا فيه». وتشير تقديرات كوّنها هؤلاء الزوار إلى أن «الملف السوري جزء أساسي من القرار السعودي الجديد في إعادة دعم الحريري». ويوضح هؤلاء: «اعتقدت الرياض سابقاً أن الحسم في سوريا سهل، ومن يربح هناك يحصل على لبنان كعلاوة، لكن التطورات حسمت فكرة أن الانتصار في سوريا صعب، والتسوية لن تكون لمصلحة السعودية، وبالتالي عادت فكرة ترتيب الرياض أوراقها في لبنان، لعلّ ذلك يساعدها في الحسم أو التفاوض».
إذاً، ما هو الدور الحريري في ذلك، وما هو المقابل الذي سيقدمه؟
ليس على رئيس تيار المستقبل في المرحلة المقبلة إلا «إرساء حدّ أدنى من التوازن السياسي مع حزب الله». بهذه الجملة تختصر المصادر ما هو مطلوب من الحريري، «فليس في نيّة السعودية أن تستثمر عسكرياً، أو أن تحول تيار المستقبل إلى ميليشيا»، لكنها على ما يبدو «اتخذت قراراً بالانتقال إلى اشتباك سياسي مع الحزب يعيدنا إلى مرحلة ما قبل ربط النزاع وإنتاج حكومة وحدة وطنية في انتظار التسوية في سوريا». فالمملكة في حاجة ماسة إلى «سياسة كهذه توفر لها التغطية لتحقيق استراتيجيتها في تجاوز المرحلة الحالية التي تعد فيها الخاسر الأكبر، وتمنح الحريري حصانة سياسية برغم التصدع الكبير الذي أصاب تياره».
التعويضات أسهم في شركات الحريري
كثيرة هي السيناريوهات التي تُحيط بمستقبل شركة «سعودي أوجيه» المملوكة من الرئيس سعد الحريري، وقد تمّ تداولها على ألسنة موظفين من داخل الشركة في المملكة العربية السعودية. ففي وقت كثر الحديث عن أن الشركة تتحضر للحصول على عائدات مالية كبيرة، قال أحد الموظفين، بناء على معلومات من مكتب الرئيس الحريري في جّدة، إن هذه الأموال ستصرف حصراً على المستحقات العالقة وتعويضات لعدد من العمال الذين قد يتم طردهم من الشركة بعد إعادة هيكلتها. وفي سيناريو آخر، أن الشركة ستتجه نحو إقفال الوحدات المختصة بأعمال الإنشاء وصرف الموظفين فيها على دفعات، وإعطائهم حقوقهم، على أن يخير الموظف بين البقاء في المملكة أو العودة إلى لبنان بعد التوقيع على براءة ذمّة. كما يتّم الحديث عن أن التعويضات قد تدفع كأسهم في بنك البحر المتوسط أو أي مؤسسة من مؤسسات الحريري، يمكن تسييلها بعد خمس سنوات، بدلاً من أن تدفع «كاش».