يعيش العالم منذ 6 شهور ظرفا استثنائيا، إذ انقلبت الحياة فجأة على الكوكب رأسا على عقب مع تفشي وباء الفيروس التاجي وما نتج عنه من تدابير ألحقت بافتصادياته خسائر فادحة.
وعلى الرغم من إعلان بكين رسميا نهاية العام الماضي عن انتشار نوع جديد من الفيروسات التاجية المسببة للاتهاب الرئوي، إلا أن العالم استقبل العام الجديد بتفاؤل تقليدي بأن الحياة ستصبح أفضل ولم يدر بخلد أحد أن الطائرات المدنية ستتوقف عن العمل، وكذلك وسائل المواصلات العامة، وسيتباعد البشر عن بعضهم وبقوة القانون، وتحت طائلة غرامات مالية.
وتبين لاحقا أن “غريم” البشرية الجديد وباء بمستوى عالمي أطلق عليه اسم “كوفيد- 19″، انطلق من سوق هونان للمأكولات البحرية بالصين وانتشرت عدواه في جميع أنحاء العالم، حتى أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص، إلى جانب إصابة أكثر من 10 ملايين.
وفي خضم ذلك خرجت الحياة عن مساراتها الطبيعية المعتادة، وفُرضت تدابير عزل شاملة، وأصبحت الكمامات الطبية والأقنعة تغطي كل الوجوه، وبات السلام بالأيدي تصرفا خطيرا ناهيك عن الاحتضان، وفصل التباعد الاجتماعي بين البشر بمترين، وبات العمل والتعلم عن بعد من المنازل أمرا “طبيعيا” جديدا لا يزال ساريا في معظم الدول.
مرّ حتى الآن من العام نصفه، وبدأت الحياة في العالم تعود تدريحيا إلى طبيعتها، إلا أن التحذيرات لا تزال تشدد على خطورة الوضع الوبائي، والأرقام تدعمها بتصاعدها في أكثر من بلد وخاصة في الولايات المتحدة، التي تتصدر القائمة بأكثر من 2.5 مليون إصابة، وبما يزيد عن 128 ألف حالة وفاة، فماذا يخبئ لنا نصف العام الثاني؟
لا أحد يملك إجابة على هذا السؤال، خاصة أن التوصل إلى لقاح فعال وآمن وتوفيره على نطاق واسع يحتاج ألى الكثير من الوقت، وفق تأكيد التقارير المختصة، كما أن الفيروس التاجي المستجد لم يتبخر مع ارتفاع درجات الحرارة، ولم يتعب ويضعف ويختف من تلقاء نفسي، كما أمل الكثيرون.
يمكن القول إن الفيروس التاجي المستجد، كان سيد الموقف على الأرض في الستة أشهر الماضية، إلا أن انشغال العالم بالتصدي لهذا الوباء الجديد والمجهول، لم يوقف الخصومات السياسية والتنافس الدولي أو يحد منه، ظهر ذلك جليا في أكثر من ميدان وجبهة.
مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني:
شهد مطلع العام وتحديدا فجر الثالث من يناير، قتل اللواء قاسم سليماني ، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، بعد استهداف سيارته بصاروخ أمريكي قرب مطار بغداد الدولي، الأمر الذي كاد أن يتحول إلى صدام عسكري بين الولايات المتحدة وإيران، ختاصة أن الأمر صدر مباشرة من الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
طهران ردت بعد 5 أيام بقصف قاعدتين تستخدمهما القوات الأمريكية في العراق بصواريخ باليستية، ولم يسقط ضحايا للأمريكيين ما جنب المنطقة، ولو إلى حين، أهوال الحرب.
صفقة القرن:
اللافت أن نجم ترامب بقي ساطعا في النصف الأول من عام 2020، ولم تحجبه حتى كارثة عالمية بحجم وباء الفيروس التاجي، إذ أعلن عن “صفقة القرن” بعد طول انتظار في 28 يناير، ما زاد من إفساد العلاقة المتوترة أصلا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة مع رفض رام الله لها قطعيا.
هذه الخطة التي منحت الفلسطينيين خريطة تشبه الأرخبيل تربط بينها جسور وانفاق، وحرمتهم تماما من القدس، أعطت إسرائيل الحق قي ضم نحو 30% من الضفة الغربية بما في ذلك غور الأردن و132 مستوطنة، الأمر الذي تستعد لفعله الآن ما يهدد بالعودة إلى نقطة الصفر، وربما إلى ما هو أخطر.
الولايات المتحدة وشبح جورج فلويد:
وفيما كانت الأضواء في جميع أنحاء العالم مسلطة على الفيروس التاجي ترصد سلوكه وسلالاته وآثاره المدمرة، اجتاحت الاحتجاجات الحاشدة الولايات المتحدة بعد مقتل مواطن أمريكي أسمر يدعى جورج فلويد، جثا أحد أفراد الشرطة بركبته على رقبته وكتم أنفاسه، ما أشعل غضبا عارما في أرجاء البلاد هدد السلم الاجتماعي والاستقرار ولا يزال.
هذه المشكلة زادت من تعقيد العلاقات بين الإدارة الأمريكية وخاصة رئيسها والخصوم الديمقراطيين، حول طريقة التعامل مع المتظاهرين التي اتسمت بالقسوة الشدة.
وعبّر بنجامن كرامب، محامي عائلة فلويد عن مفارقات ما جرى بقوله، إن جورج فلويد لم يقتله الفيروس التاجي، بل وباء آخر هو وباء العنصرية والتمييز.
وهكذا انصب المزيد من الزيت على نار العلاقات المتوترة بشكل غير معهود بين رئيس الإدارة الأمريكية والديمقراطيين، وفي مقدمتهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.
ترامب في مواجهة مستشاره السابق وابنة أخيه:
ها هو ترامب يبدو الآن كما لو أنه يصارع طواحين الهواء، خاصة في مواجهة مستشاره للأمن القومي السابق، وعدوه اللدود حاليا جون بولتون، الذي لم يوفر جهدا في الطعن في مؤهلاته وكشف أسرار “مطبخ”صنع الفرار في البيت الأبيض، في كتابه “الغرفة التي شهدت الأحداث”.
الكتاب الثاني الذي عجز الرئيس الأمريكي هو الآخر في التصدي له عن طريق المحاكم، صاحبته ماري ترامب، ابنة شقيقه، وحمل عنوان: “كثير للغاية وليس كافيا أبدا: كيف خلقت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم”.
مثل هذا اللغط والحرب الكلامية المستعرة تضع ترامب في موقف محرج نسبيا قبيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، وربما لهذا السبب يدفع في اتجاه إسراع بلاده في إنتاج لقاح يقضي على الفيروس التاجي، ظنا منه أن مثل هذا الإنجاز قد يسهم في القضاء على متاعبه، وإزالة العقبات التي يضعها خصومه في محاولة لحرمانه من ولاية ثانية.
المصدر: RT