حتى “اللقاء الوطني” في بعبدا، سواء عُقد أو طار، تحوّل الى حدث هامشي تفصيلي أمام شروط الصيارفة لبيع الدولار والتي تضيف الى إذلال الناس إذلالاً، وأمام “جنون” السوق السوداء للدولار الاميركي إزاء الليرة اللبنانية بحيث عادت هذه السوق المتفلتة على كل المحاولات المتعاقبة الفاشلة لضبطها تسجل قفزات قياسية جديدة في سعر الورقة الخضراء. وظاهرة تفلّت السوق السوداء، وإن لم تكن وحدها طبعاً السبب الاساسي لمضي الدولار في التحليق في ارتفاعات قياسية اضافية عادت ترخي بأثقالها بقوة أمس على الأولويات المالية في ظل الإخفاقات المتعاقبة لكل الإجراءات التي اتفق على اتخاذها منذ الاجتماع المالي الموسّع في بعبدا قبل أكثر من أسبوع وما تلاه من اجتماعات عدّة في السرايا الحكومية، فقد تبخرت مفاعيل الاجراءات والترتيبات والتعاميم المتخذة بالتوافق بين الحكومة وحاكمية مصرف لبنان ونقابة الصيارفة وحتى الأمن العام كجهاز مراقبة وضبط.
لم “تأبه” السوق أمس، في مطلع الأسبوع، لكل الروادع والضوابط، فراح الدولار يسجل منذ ساعات قبل الظهر قفزات عالية تجاوز معها سقف الـ 5200 ليرة لبنانية الى 5400 ليرة وما فوق. لكن القفزة الأشد إثارة للقلق والمخاوف سجلت في ساعات المساء الأولى اذ بلغ سعر الدولار في السوق السوداء سقف الـ 6000 ليرة وهو السقف الأعلى منذ بدأت قفزاته قبل انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 وبعدها وصولاً الى الظرف الحالي. أما الشروط الجديدة لبيع الدولار، فهي لا تختلف قط عن الشروط المذلة في المصارف أمام أصحاب الحقوق والودائع الامر الذي بات يُنذر بأوخم العواقب الاجتماعية.
ويأتي هذا التطوّر النقدي، فيما عاد التجاذب على أشدّه في شأن الأرقام المالية للأزمة في ظل إنجاز لجنة المال والموازنة النيابية تقريرها عن “مهمة تقصي الوقائع” التي قامت بها اللجنة الفرعية المنبثقة منها برئاسة النائب ابرهيم كنعان الذي سيسلم تقرير اللجنة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري في الساعات المقبلة. أضف ان جلسة محادثات ستعقد اليوم بين فريق صندوق النقد الدولي الذي يفاوض الفريق اللبناني ولجنة المال الفرعية حول الأرقام المالية التي توصلت إليها اللجنة وتميزت بخفوضات كبيرة للأرقام الواردة في الخطة المالية للحكومة، علماً أن الصندوق أعلن تكراراً قبل أيام موقفاً لمصلحة أرقام الحكومة. كما أن ارتفاع الدولار بدأ يزيد المخاوف من اضطرابات اجتماعية في ظل الاتجاهات التي برزت في الأيام الاخيرة لرفع الدعم عن المحروقات والقمح.
وكان الوفد اللبناني المفاوض برئاسة وزير المال غازي وزني عقد أمس اجتماعه الرابع عشر مع صندوق النقد الدولي. وتمحور البحث على دور مجلس الخدمة المدنية وصلاحياته والإطار الوظيفي للقطاع العام، على أن تستكمل المشاورات الخميس المقبل.
واسترعت الانتباه أمس زيارة لافتة قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونائب الحاكم السابق محمد بعاصيري للسفير السعودي في بيروت وليد البخاري.
رؤساء الوزراء الأربعة
وسط هذه الأجواء، جاء بيان اعتذار رؤساء الوزراء السابقين عن تلبية دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى “لقاء وطني” في قصر بعبدا الخميس مطابقاً للتوقعات بما يعني أن اللقاء أصيب بضربة قوية ستعرّضه على الأرجح للإرجاء أو الإلغاء، نظراً الى الخلل الميثاقي الذي سيتسبّب به غياب المكون السنّي. وقد أعلن رؤساء الوزراء السابقون سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام إثر انتهاء اجتماعهم في “بيت الوسط” مساء أمس في بيان تلاه الرئيس السنيورة، “عدم المشاركة في لقاء بعبدا”، وأوضحوا أن “عدم المشاركة هو اعتراض صريح على عدم قدرة السلطة على ابتكار الحلول التي تنقذ لبنان بكل مكوناته”.
واعتبروا أن “دعوة بعبدا الى اللقاء والهدف المعلن منها في غير محلها شكلاً ومضموناً، وتشكل مضيعة لوقت الداعي والمدعوين في وقت تحتاج البلاد الى مقاربة مختلفة”. وقالوا أن “أداء الحكومة في الأشهر الماضية يعطي اشارات الى عجز فاضح عن أن تكون البلاد في مستوى التحديات الجدية والأحداث الخطيرة، ولا يكون ذلك الا ببرنامج يرسم خريطة طريق واضحة”. وأوضحوا “أن عدم مشاركتنا في لقاء بعبدا هو إعتراض صريح على عدم قدرة السلطة على ابتكار الحلول التي تنقذ لبنان بكل مكوناته”، واضافوا: “أننا نبدي أسفنا الشديد لعدم مشاركتنا في لقاء بعبدا وانطلاقاً من موقعنا الوطني نعلن عدم استعدادنا للمشاركة في اجتماع بلا أفق”.
وأفادت أوساط على صلة بقصر بعبدا عقب البيان إن لا نية بعد لإرجاء لقاء بعبدا وان القرار لا يزال يتارجح بين خياري التأجيل أو ابقاء اللقاء بمن حضر وفي ضوء ردود الفعل والمواقف الأخرى سيحسم هذا القرار.
وسبقت لقاء رؤساء الوزراء السابقين زيارة قام بها ظهراً الرئيس ميقاتي لعين التينة. وصرح بعد لقائه الرئيس بري أنّ موقف رؤساء الحكومات السابقين من لقاء بعبدا سيٌعلن في الساعات المقبلة. وقال: “كنا نتمنى على الرئيس عون إجراء مشاورات ثنائية مع جميع الأقطاب قبل لقاء الحوار في بعبدا”. وأضاف: “القرارات التي اتُخذت في جلستي 1 أيلول و6 أيار لم تُترجم على الأرض، فما النفع من ذهابنا إلى لقاء بعبدا”؟ وأكّد “أنّ لا قرار قطيعة ولكن يجب أن نعرف النتيجة قبل أن نخطو أي خطوة”، مشدداُ على أنّه “لا يمكن الانجرار إلى أي حرب لأن لبنان فوق كل اعتبار”.
ومن المقرر ان يحدّد حزب “القوات اللبنانية” موقفه من المشاركة في اللقاء أو عدمها غداً الأربعاء عقب اجتماع لـ”تكتل الجمهورية القوية” برئاسة رئيس الحزب سمير جعجع في معراب.
وفي هذا السياق، وطبقاً لما أوردته “النهار” أمس، تنامت مساحة الاستغراب لعدم دعوة الرئيس حسين الحسيني الى لقاء بعبدا. ووصفت مصادر معنية هذا الاستبعاد بأنه خطوة مستهجنة ازاء الرئيس الحسيني شخصياً وسياسياً كونه عرّاب الطائف، فيما لم يفهم بأي عرف بروتوكولي أو سياسي أو حتى طائفي كيف يختزل من لائحة المدعوين رؤساء مجلس النواب السابقين فيما توجه الدعوات الى رؤساء الجمهورية السابقين ورؤساء الحكومة السابقين. وأكدت أن أي عذر استندت اليه الجهات الداعية غير مبرّر، فالواجب يقضي بتوجيه الدعوة، وتلبيتها أو عدمها أو الاعتذار شأن المدعو.
وأمس تحدث الرئيس عون عن لقاء الخميس فقال إن “الموضوع الأساس للحوار الذي دعا اليه الخميس المقبل في قصر بعبدا، هو تحصين السلم الأهلي عبر تحمل كل طرف من الأطراف الداخلية مسؤولياته، وذلك تفادياً للانزلاق نحو الاسوأ وإراقة الدماء، ولاسيما بعد ما رأينا ما حصل في شوارع بيروت وطرابلس إثر التحركات الاخيرة”. ونفى أن يكون هدف انعقاد طاولة الحوار العودة الى حكومة وفاق وطني، مشيراً الى “أن النظام التوافقي يفتقر الى الديموقراطية في ظل غياب ما يسمى الأقلية والأكثرية”. وشدّد على أنه “بالصناعة والزراعة تدعم الليرة اللبنانية وليس بالاستدانة من الخارج الذي لطالما اعتمدنا عليه في السابق الى جانب الاقتصاد الريعي”، مشدداً على “أنه يتحمل كامل مسؤولياته كرئيس للجمهورية بهدف إيجاد الحلول للأزمة الراهنة”، قائلاً: “نعمل على بناء لبنان من جديد وهذا يستغرق وقتاً طويلاً”.
وليلا اصدر المكتب الإعلامي للرئيس ميشال سليمان بيانا افاد فيه انه إنسجاما مع دعواته الدائمة لاستكمال جلسات الحوار والتزاما لروحية اعلان بعبدا يؤكد الرئيس سليمان مشاركته في لقاء بعبدا في ٢٥ حزيران .