لم يعد خافيًا أنّ البلاد تمرّ بأسوأ مراحلها، وثمّة من يريد لها أن تغرق أكثر ولو وصل الأمر الى فتنة جديدة، وما حصل مساء السبت كان جرس الإنذار. وفي وجه هذه التحديات الخطيرة على سلامة البلد وأهله نجحت جهود محاصرة الفتنة في مهدها باليومين الماضيين، في حركة سياسية تعمل لإرساء شبكة أمان وطني تمنح وقتاً إضافياً قد يستفيد منه لبنان في فتح كوّة في جدار الأفق المسدود اقتصادياً ومالياً ومعيشيًا، إذا ما عمل رسمياً في إطار رؤية واضحة صحيحة بعيدة عن أساليب سابقة لم تؤتِ أي نتيجة سوى إضاعة مزيد من الفرص.
وفي هذا الإطار أتى تحرك رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط باتجاه الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، إذ علمت “الأنباء” أن لقاءات جنبلاط مع بري والحريري تركزت على احتواء الفتنة بموازاة البحث في مخارج الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. وتم التشديد على ضرورة الحوار بين القوى السياسة مع التأكيد على المطالب المحقّة للناس التي كان رفعها الحراك في 17 تشرين الأول الماضي.
وكان جنبلاط استقبل الحريري في كليمنصو، بعد زيارة قام بها إلى عين التينة حيث التقى بري. وقال جنبلاط بعد اللقاء: “لن نستسلم ولن نتردّد وسنتابع في الحوار رغم فداحة الخسائر وقساوة الظروف خاصة الاقتصادية والمالية، ونأمل ان نواجه المؤسسات الدوليّة بكل جديّة من أجل أن نخرج بشيء من النتائج، آخذين بالاعتبار ثغرات كثيرة لكن لا بدّ من الإتصال بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولا بد من تحسين الظروف الداخلية”.
وكان بري علّق على الاحداث التي شهدتها العاصمة وبعض المناطق ليل السبت الأحد، بالقول: “هي الفتنة مجددا تطل برأسها لإغتيال الوطن ووحدته الوطنية واستهداف سلمه الاهلي. هي أشد من القتل، ملعون من يوقظها، فحذار الوقوع في أتونها فهي لن تبقي ولن تذر ولن ينجو منها حتى مدبريها ومموليها!”.
عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ياسين جابر أسف في حديث لـ “الأنباء” لما جرى أمس الأول، مستغربا “حجم الأحقاد لدى البعض واللجوء الى الشعارات الطائفية والمذهبية في وقت يعيش لبنان إنهيارا إقتصاديا وماليا غير مسبوق”. وطالب جابر بالمسؤولية جميع القوى السياسية بما أسماه “تنظيف ساحاتهم”، محمّلاً المسؤولية على وجه الخصوص “للأحزاب التي ركبت موجة ثورة 17 تشرين والتي عرفت حجمها في تظاهرة أول من أمس بأنها غير قادرة على تجييش الناس”. ورأى أن “هناك طابوراً خامساً يعمل على تخريب البلد لقاء مبالغ مالية”.
وحول الجهود التي يبذلها جنبلاط، قال جابر إن الاتصالات واللقاءات في هذه المرحلة مطلوبة، “كما مطلوب الإنفتاح على كل القوى السياسية لصياغة موقف محدد ومقاربة حقيقية لمعالجة ذيول ما حصل والبحث في إنقاذ الوضع الإقتصادي”.
من جهتها أعربت مصادر حزب الله لـ “الأنباء” عن إنزعاجها مما جرى من إشكالات في بيروت وبعض المناطق، مذكرة بأن “الحزب أصدر بيانا وطالب جمهوره بضبط النفس وعدم اللجوء الى ردات الفعل في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به لبنان والذي يتطلب تضافر الجهود من سائر القوى السياسية، وأن تكون الأولوية إنقاذ البلد من الأزمة التي يتخبط بها”.
مصادر تيار المستقبل قالت لـ “الأنباء” إن “ما جرى لن يغير الواقع بشيء، فالأمور زادت عن حدها وهذا ما شهدناه في الأيام الماضية”، موجّهة اللوم إلى حزب الله، الذي بحسب كلامها، “يدفع بجمهوره في كل مرة الى الشارع للقول بأنه موجود ومن أجل الحصول على مكاسب معينة”.
غير أن مصادر “المستقبل” إستبعدت الوصول الى حرب أهلية “لأن الفريق الذي يملك السلاح هو حزب الله، فيما باقي القوى لا تملك السلاح”.
مصادر حكومية أسفت من ناحيتها عبر “الأنباء” لما جرى من تعديات على الأملاك العامة والخاصة في وسط بيروت، وللاستفزازات التي وقعت عند طريق صيدا القديمة وبين الطريق الجديدة وبربور. وأثنت المصادر على دور الجيش وقيامه بواجبه على أكمل وجه، داعية الى الهدوء والتعقل. المصادر أكدت أن الحكومة “ستواجه ما جرى بكل مسؤولية بعد أن تصلها تقارير القوى الأمنية ليبنى على الشيء مقتضاه”.
وفي سياق آخر ومع ازدياد الحديث عن طروحات تعديل وزاري تتراوح بين تغيير 6 وزراء في الحكومة الحالية أو اجراء تغيير حكومي كامل، قللت مصادر عين التينة من أهمية الكلام عن تعديل وزاري في هذا الظرف الدقيق “لأن الوضع لا يحتمل إستقالة الحكومة وتحديد موعد للاستشارات النيابية وتشكيل حكومة جديدة، 4ذلك قد يستغرق شهورا، والوضع غير مناسب للتعديل والتغيير إلا إذا كانت الطبخة مجهزة بـ “طنجرة ضغط” والأكلة جاهزة لوضعها على المائدة فورا”، وفق تعبيرها.
بدورها إستبعدت مصادر “المستقبل” أن يقبل الرئيس الحريري تشكيل حكومة جديدة “قبل أن يكون هناك إتفاق سياسي من أجل التغيير”، وقالت لـ “الأنباء” إن الكلام الذي نسمعه هو “للاستهلاك المحلي”. وسألت المصادر عن الهدف من تشكيل حكومة جديدة “إذا لم يحصل توافق على كل النقاط التي أدت بالرئيس الحريري الى تقديم استقالته”، وتوقعت في المقابل أن “تبقى الأمور على حالها لأن الحكومة فشلت بحل الأزمة ولم تأت بقرش واحد الى لبنان من الدول المانحة”.