مع الازدياد المتعاظم في اعباء الأزمة الإقتصادية والمعيشية الخانقة والغلاء المستفحل الذي بدأ ينعكس على كافة الطبقات الاجتماعية، فإن أبواب الفرج لا تزال موصدة بكل أسف من جميع جوانبها. فلا أسعار صرف الدولار إنخفضت مع قرار نقابة الصيارفة العودة الى العمل بعد إضراب دام شهرا كاملا، ولا السلة الغذائية التي وعدت عبرها الحكومة بتخفيض أسعار بعض السلع الأساسية ستبصر النور قريبا، بانتظار أن يتم الإستيراد من الخارج كما قال بعض الوزراء، حتى أن زنة ربطة الخبز الذي وعد وزير الإقتصاد راوول نعمه بإبقائها على حالها، قد إنخفض وزنها، فيما مادة المازوت متوفرة فقط للمهربين بينما تباع للمستهلكين في لبنان بالسوق السوداء بزيادة تصل الى ستة آلاف ليرة عن سعرها الرسمي المحدد من وزارة الطاقة.
في ظل كل ذلك يجد اللبنانيون أنفسهم ملزمين بتأمين ما يتوفر من المواد الغذائية بأسعار خيالية مخافة ارتفاع أسعارها أكثر، ولو أن القسم الأكبر منها بدأ ينفذ من الأسواق لأن إستيرادها من بلد المنشأ أصبح مكلفا جدا.
ووسط هذه المخاوف على المستقبل يعود الشارع إلى التحرك من جديد، وبعناوين مستجدة، بعضها ليست موضع اجماع شعبي، لكنها تضاف إلى المطالب الاقتصادية والحياتية.
وفي هذا السياق رأت مصادر معنية بالأزمة الإقتصادية في اتصال مع “الأنباء” أن “لا شيء يبشر بالخير، وأن كل ما يصدر عن مجلس الوزراء من قرارات لا ترقى الى مستوى معالجة الواقع المؤلم الذي يعيشه اللبنانيون، وأن كل ما يحكى عن مبادرات لحل الأزمة لا يعدو كونه وعودا فارغة، وعلى ما يقول المثل الشعبي: لو بدا تشتّي غيّمت”.
المصادر وصفت الحكومة بأنها “كثيرة الوعود قليلة التنفيذ، وهي تقوم بإلهاء الناس وإشغالهم بأمور لا علاقة لهم بها”. واعتبرت المصادر أن تأجيل جلسة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي “مؤشر سلبي، قد يكون له ارتدادات صعبة على الوضعين الإقتصادي والمعيشي، ما يطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل هذه المفاوضات وحول الأسباب التي جعلت إجراءات وفد الصندوق غير جاهزة للإجتماع كما جرى التبرير”.
وأشارت المصادر إلى أن أسباب عدم الاجتماع “تتجاوز التبريرات التي حالت دون عقده وهو ما قد يظهر في الأيام المقبلة، وقد يكون بعضها مرتبطا بشروط او مطالب لم يتجاوب معها لبنان”.
مصادر مالية قالت بدورها لـ “الأنباء” إن ما دفع وفد الصندوق الدولي الى التأجيل ”مرده الى عدم التزام الحكومة بوعودها إن لجهة معالجة التضارب بالأرقام المالية أو لجهة عدم إرتياح إدارة الصندوق لمعالجة الأزمة النقدية، وسط مخاوف من عودة إرتفاع سعر الدولار، حيث أن سياسة الخفض التدريجي لسعر الصرف التي تتبعت يوم أمس تهدف الى جعل الذين يكدسون دولاراتهم في بيوتهم يبادرون الى بيعها قبل أن ينخفض سعرها وبعدها تعود أسعار الدولار للارتفاع مجددا وربما تصل الى أكثر من خمسة آلاف ليرة”.
في المجال نفسه رأى الوزير السابق فادي عبود أن احتمال حصول المعجزات لإنقاذ الوضع الإقتصادي أصبح ضئيلاً جدا، وأشار في حديث لـ “الأنباء” الى أن الحكومة لم تقم بما هو مطلوب منها لمعالجة الأزمة الإقتصادية، وسأل: “كيف يمكن للذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع المصارف ولا يقومون بفتح الإعتمادات اللازمة للإستيراد والتصدير أو الذين تنقصهم الخبرة في إدارة شؤون الشركات، من أن يعالجوا أزمة بحجم الأزمة التي يشهدها لبنان؟”، وقال: “ليتهم يتعلمون من مصر وتركيا كيفية إدارة أزماتهما”، مستغربا “الكلفة الباهظة في أسعار الشحن والتخليص التي تدفع وتحتسب بالدولار”.
ورأى عبود أن سياسة الحكومة في معالجة الأزمة “هي سياسة فاشلة لا يمكن من خلالها أن نبني بلدا طالما سيبقى التعامل بالدولار هو السائد”، ولفت الى أن “الحد الأدنى للأجور بات يساوي 150 دولارا فقط، فيما استيراد المواد الغذائية أصبح يكلف رسوما مضاعفة، فكيف سيكون سعرها على المستهلك؟”، مشيرا الى ما صدر عن وزارة الإقتصاد بمنع تصدير بعض مواد التنظيف التي لها علاقة بالوقاية من فيروس كورونا رغم وجود فائض كبير منها، وذكّر “كم كان وزير الإقتصاد متشددا بعدم السماح برفع سعر ربطة الخبز أو تخفيض وزنها، فيما اليوم نجده قد رضخ لقرار تخفيض الوزن الى تسعمئة غرام”.
وحول رأيه بارتفاع سعر صرف الدولار، قال عبود إن العرض والطلب هو الذي يحدد السعر ولا يمكن تثبيته في هذه الحالة، وأشار الى أن كل مصرف في لبنان “فاتح على حسابه” ويصدر التعاميم التي تناسبه على حساب المودعين.
وعن الإصلاحات المطلوبة، رد عبود: “لم نر شيئا من الإصلاحات التي تحدث عنها رئيس الحكومة حسان دياب وإدعاء أن حكومته طبقت 97 بالمئة منها، فيما لم نلمس شيئا منها أيضا”. وسأل: “كيف يحَارب الفساد وإن أراد أحدهم تسجيل سيارته سيدفع ما فوقه وتحته، وإن كان لديك معاملة إدارية لا يمكن إنجازها من دون رشوة لا تقل عن مئة دولار؟”.
وازاء كل ذلك فإن مصادر نيابية لفتت من ناحيتها عبر “الأنباء” الى أن تفاقم الأزمة ”سيولد إنفجارا كبيرا لا أحد يمكنه التكهن بنتائجه”.