الاستقرار الوحيد الذي يعيشه لبنان اليوم هو عداد الاصابات بوباء «كورونا»، فيما تؤكد المؤشرات الداخلية والخارجية على مرحلة شديدة الصعوبة تحتاج الى «عقلانية» وقدرة على «تقطيع الوقت» بأقل الخسائر الممكنة، فالعالم بقواه الكبيرة والصغيرة يوقت «ساعته» على الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة بعد ستة اشهر، وجود دونالد ترامب في البيت الابيض شيء وخروجه شيء آخر، ترامب المرشح سيكون غير ترامب الفائز بولاية ثانية، مزاجية الرئيس وسياساته «الخرقاء» داخليا وخارجيا طبعت الاعوام الاربعة الماضية، وتداعياتها متواصلة في الولايات الاميركية وعلى امتداد الخريطة العالمية، وستستمر معنا خلال ما تبقى من الولاية الاولى، ولان لبنان ليس جزيرة معزولة، ولانه جزء من «الكباش» الاقليمي والدولي، يسود الترقب على الساحة اللبنانية في ظل انقسام واضح في كيفية تعامل القوى السياسة مع هذه المرحلة، وفيما اختار حزب الله استراتيجية «تقطيع الوقت» بأقل الخسائر الممكنة حتى تتضح هوية «الساكن الجديد» في البيت الابيض، وهي استراتيجية تبنتها دول كبرى، يذهب البعض من خصومه وحلفائه في آن واحد الى الاستعجال في تقديم «اوراق اعتماد» لدى واشنطن في خطوة متهورة قد تدفع الامور نحو الاسوء اذا لم يجر تداركها «وعقلنة» بعض «الرؤوس الحامية»، خصوصا ان لبنان يخوض استحقاقات اقتصادية صعبة على وقع «ارباك» واضح في التعامل مع قانون «قيصر» السوري الخاص بحصار سوريا، فيما تواصل واشنطن استخدام «الترهيب» في ملف العقوبات، وتعديل مهمات «اليونيفيل»… «سقطات» حكومية… و«بصمات» اميركية
فعلى وقع «التخبط» الحكومي والتعثر في اكثر من ملف، و«السقطات» غير المبررة لرئيس الحكومة التي سمحت للدولة العميقة بضرب «هيبة» حكومته وتفريغها من اي مضمون اصلاحي، عادت «البصمات» الاميركية لتظهر بوضوح على الساحة اللبنانية، تزامنا مع الدعوات الى النزول الى «الشارع»، سواء بإعادة «نبش» شعار نزع سلاح حزب الله، والتهديد بالعقوبات على حلفاء الحزب، وقانون «قيصر» السوري، والابتزاز في ملف اليونيفيل، ورهن نجاح التفاوض مع «صندوق النقد» بتنازلات سياسية. وبحسب اوساط سياسية مطلعة ثمة ترقب جدي لطبيعة التحركات المقبلة، وشعاراتها السياسية، خصوصا مع وجود تحريض جدي على «العنف» تحت عنوان «الجوع»، وعندها ستكتمل «الصورة» وتعرف حقيقة توجهات بعض القوى المناهضة لحزب الله التي «تتوارى» خلف بعض الحراك الشعبي…
أشهر شديدة الخطورة
ووفقا لتلك الاوساط، يدرك حزب الله ان المنطقة والعالم وربما لبنان سيكون امام ستة اشهر شديدة الصعوبة والخطورة في ظل استماتة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للتجديد لولاية ثانية، ومواكبة هذه المرحلة تكون «بالتريث» بانتظار مرور «الموجة» العاتية التي لا يعرف حتى الان متى واين ستعصف، كون اولويات الادارة الاميركية في هذه المرحلة متشعبة ومتصلة بالكثير من الملفات، ولا يمكن التكهن بتوجهات الرئيس الاميركي «المغامر»، وهذا ما يفتح «الابواب» امام شتى الاحتمالات المتوقعة وغير المتوقعة على اكثر من صعيد سياسي وامني واقتصادي، ولهذا تقتضي هذه المرحلة «الهدوء» والترقب وعدم استعجال البت في اي من الملفات القابلة «للانفجار» او لخلق توترات ليست في مكانها داخليا، سواء مع الحلفاء او مع «الخصوم». ومن هنا تراجع الحزب «تكتيكيا» حيال الموقف من صندوق النقد الدولي، ومنح «الضوء الاخضر» للحكومة في التفاوض المشروط بتأمين المصلحة الوطنية وعدم التسبب بانهيار اجتماعي يؤدي الى غرق البلاد في الفوضى، وفي مقابل استعجال البعض لقطف ثمار وجود ترامب في السلطة، حافظ على وتيرة مقبولة من العلاقة السياسية مع تيار المستقبل، ولا تزال «الخطوط» مفتوحة مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ما ساهم في تخفيف اي توتر سني ـ شيعي على الارض على الرغم من خروج «البيت الوسط» من «نعيم» السلطة، والامر مماثل في العلاقة مع الحزب التقدمي الاشتراكي حيث يستمر «ربط النزاع» على حاله وفق القواعد القديمة، فيما لم يطرأ اي تغيير على «البرودة» المنضبطة في العلاقة مع القوات اللبنانية حيث لا التباس في التباعد العمودي والافقي في المواقف الاستراتيجية بين الطرفين، لكن هذا لم يتحول يوما الى «صدام» على الارض…
«ابتزاز» مفضوح؟
وفي السياق نفسه، لم «يهضم» حزب الله كثيرا «شطط» مسؤولي التيار الوطني الحر الاخير وخروج تصريحاتهم عن المألوف في مقاربتهم للعلاقة الثنائية، بعدما دخلوا في عملية «ابتزاز» مفضوحة للحزب ليس فقط على خلفية الخلافات الداخلية في ملفي معمل كهرباء سلعاتا، وقانون آلية تعيين الفئة الاولى، بل تعدى الامر الى محاولة استفادة «التيار» من هذا التمايز لتوجيه «رسائل» ود الى الولايات المتحدة الاميركية، في محاولة لتقديم «اوراق اعتماد» جديدة تسعى لاقناع واشنطن بالتعامل مع «التيار البرتقالي» كحالة منفصلة عن محور المقاومة، وباعتبار علاقته مع حزب الله جزءا من ترتيب الاوراق الداخلية، دون ان يكون للامر اي علاقة بالخيارات الاستراتيجية «المعادية» للاميركيين…
حزب الله «يستوعب» «التيار»
لكن «الحكمة» في هذه المرحلة اقتضت من الحزب «استيعاب» تلك المواقف وعدم الذهاب الى رفع مستوى التوتر الى مرحلة «اللاعودة» على الرغم من ادراك قيادة حزب الله وجود حسابات «ضيقة» «ومصلحية» في مواقف الحليف، منها الرئاسي، والخوف من لائحة العقوبات التي تلوح بها واشنطن… فكان الحل «بتبريد» الاجواء للحد من التهور لدى الطرف الاخر «المذعور» والباحث بلا جدوى عن ارضاء الاميركيين الذين لن يرضوا بمواقف شكلية ويسعون لاستغلال الاوضاع اللبنانية الصعبة لمحاولة «تعرية» حزب الله مسيحيا، ومحاصرته داخليا، وهي خطوة كبيرة لا يستطيع باسيل الاقدام عليها لاسباب كثيرة لعل اهمها موازين القوى غير المتناسبة في الوقت الراهن، وسط قلق جدي من التفريط بتحالف مكنه من الامساك بكثير من خيوط «اللعبة» الداخلية، مقابل «لا شيء»، خصوصا ان التجربة مع الاميركيين غير مشجعة، ولهذا يسعى اليوم الى ابتكار معادلة «خنفشارية» يستطيع من خلالها الابقاء على «رجل في الفلاحة واخرى في البور»، وهي استراتيجة صعبة التحقق في ظل تعقيدات المواجهة المفتوحة في لبنان والمنطقة، لكن باسيل يحاول تجربة «حظه» دون الاخذ بعين الاعتبار الثمن السياسي الذي سيدفعه مع تياره السياسي مع دخول العهد «خريف» عمره في بعبدا، وكذلك يتجاهل «الندوب» والترسبات التي طبعت طريقته المصلحية في نسج التحالفات السياسية، واذا كانت «الحكمة» لا تزال هي الحاكمة في تعامل قيادة حزب الله مع هذا «التذبذب» في المواقف، فالكل يدرك ان القاعدة الصلبة والبيئة الحاضنة للحزب لديها راي آخر…
لا للرهانات الخاطئة
وازاء ما تقدم، تنصح اوساط مقربة من حزب الله كل الاطراف في الداخل عدم الدخول في رهانات خاطئة مبنية على تحليلات غير واقعية تفيد بلحظات ضعف يمر بها الحزب ربطا بأحداث المنطقة، فالصراع مفتوح وأدواته متشعبة، وحده حزب الله من يملك «الصورة «الكاملة» للواقع باعتباره شريكا اقليميا فاعلا في اكثر من جبهة، والتفاوض او المواجهة لا يقوم بها الا الاقوياء، وهذا ما سيحصل سواء بقي ترامب او رحل، ولذلك فإن تأمين الحد الادنى من الاستقرار الداخلي يجب ان يكون اولوية للجميع لان الرهان على استغلال الفترة الفاصلة عن الانتخابات الاميركية «جنون» في غير مكانه، وأي «دعسة ناقصة» ستكون خطوة في «المجهول»، وسيكون حزب الله اقل المتضررين.
«قيصر» في بعبدا ولا تعيينات؟
في غضون ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة في قصر بعبدا اليوم تغيب عنها التعيينات بعدما حالت الخلافات دون وضعها على جدول الاعمال، وارجئت مبدئيا الى الاسبوع المقبل، ولم تستبعد مصادر مطلعة ان يتم نقاش الاداء الحكومي في التعامل مع ملف عقوبات «قيصر» على سوريا، مع العلم ان اطرافا وازنة في الحكومة كانت تفضل عدم وضع لبنان تحت ضغط تقديم اجوبة على قانون هو غير معني فيه رسميا، وكان بالامكان التعامل معه دون «ضجيج» ووفقا للمصالح اللبنانية، وصفت تلك الاوساط توزيع نسخ على الوزراء في جلسة مجلس الوزراء الاسبوع الماضي بأنها غير موفقة، لانها اعطت طابعا رسميا للملف، وأظهرت الحكومة بأنها معنية بتقديم الاجوبة للاميركيين بالموافقة او الممانعة، وهو امر غير مطلوب، وكان بإمكان الرئيس حسان دياب عقد اجتماعات غير رسمية مع الوزراء المعنيين ووضع ملاحظاتهم حول كيفية تجنب اي عقوبات اميركية في ظل عدم القدرة على قطع الشريان الحيوي بين لبنان وسوريا، وعدم قدرة لبنان على المشاركة في حصار الشعب السوري في ظل ترابط المصالح بين البلدين، وهي خطوة بدأت عمليا بعيدا عن الاضواء وستستكمل لاحقا باجتماعات جديدة.
في سياق آخر، من المقرر ان يمدد مجلس الوزراء اليوم التعبئة العامة بعيد اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع، وقد سجلت وزارة الصحة العامة 14 حالة كورونا جديدة، 6حالات من المقيمين جميعهم من المخالطين، و8 حالات من الوافدين، ما يرفع العدد التراكمي الى 1256فيما استقرت الوفيات على 27 وفاة.
منع «تفخيخ»«اليونيفيل»
في هذا الوقت تتركز الجهود السياسية والديبلوماسية على منع اي محاولة اميركية-اسرائيلية لتمرير تعديل مهام قوات اليونيفل في جنوب لبنان، وفيما تبلغ الجانب اللبناني وجود ممانعة فرنسية واوروبية وروسية في مجلس الامن لمنع تفخيف دور القوات الدولية الذي سيؤدي الى توترات غير محدودة في المكان والزمان، يلوح الاميركيون بتخفيض مساهماتهم المالية كنوع من الضغط للتعويض عن افشال جهودهم الديبلوماسية التي تتركز على توسيع مهام قوات الطوارىء لتشكل الحدود الشرقية ومنحها حق مداهمة الاملاك الخاصة دون سابق انذار، وهذا ما يرفضه لبنان، وسبق لحزب الله ان ابلغ من يعنيهم الامر انه غير متمسك بوجود هذه القوة اذا ما كانت ستتحول الى أداة بيد الاسرائيليين والاميركيين…
دياب وعون :لا للتعديل
وقد حضر هذا الملف في بعبدا خلال لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن حيث اكد «تمسك لبنان بالقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان وبالدور الايجابي الذي تلعبه»، مشيرا الى اتخاذ مجلس الوزراء قرارا بـ «التوجه الى مجلس الأمن بطلب تمديد مهمتها لسنة اضافية من دون تعديل لولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها «تمكينا لها من الاستمرار في القيام بدورها الحيوي والذي هو حاجة اقليمية ودولية».
بدوره، أكد رئيس مجلس الوزراء حسان دياب ان «الاستقرار في جنوب لبنان ثابت بقرار لبناني مفاده الاحتكام إلى الشرعية الدولية في فرض هيبتها ومنع العدوان على السيادة اللبنانية، ولولا هذا القرار، لكانت الانتهاكات الإسرائيلية اليومية تسببت بتوتر دائم على الحدود. من هنا، فإن لبنان يتطلع إلى تأكيد التزام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي حفظ الاستقرار على حدود جنوب لبنان، وفرض تطبيق لقرار 1701على اسرائيل، رافضا تعديل مهمة «اليونيفيل» كضرورة لمنع التوتر.
هل تنجح خطة «استدراج» الدولارات؟
في هذا الوقت، بدأت محاولة استعادة الدولارت المسحوبة الى بيوت المواطنين بالامس مع فك الصرافين الشرعين اضرابهم امس، وفي خطوة محفوفة بالمخاطر، وسط رهان على استعادة الثقة المفقودة بالنظام المصرفي والنقدي، ثبت سعر الصرف موقتا لمدة اسبوعين بهامش متحرك بين الشراء بسعر 3950 كحد ادنى والبيع بسعر 4000 كحد أقصى، على ان يصل السعر المفترض بعد هذه المدة الى 3200، وتبدو هذه المهلة محاولة لاستعادة نحو 4 مليارات دولار لم تخرج خارج البلاد وفق تقديرات المصرف المركزي، حيث يتم اغراء المواطنين بسعر ال4000الاف املا بتهافتهم على الصرف بسعر اعلى قبل هبوط السعر مجددا بعد اسبوعين ما سيساهم في توازن السوق بفعل العرض المفترض، وقد شككت اوساط مالية في نجاح هذه المحاولة لان الغالبية العظمى من اللبنانيين لا تثق بان الانخفاض بالسعر سيحصل ويستمر الى وقت طويل، خصوصا ان تجارب الماضي لم تكن مشجعة… والتقييم الحقيقي سيكون بعد اسبوع من الان.