كتبت صحيفة ” نداء الوطن ” تقول : وصل عامر الفاخوري الى أميركا أو أنه في عوكر أو في أي مكان آخر، لا فرق. لم يخرجه القضاء العسكري ليعيده الى السجن. لذا فإن استنكارات “الثنائي الشيعي” وقرارات ”التمييز” ومنع السفر هي من نوع رفع العتب و”يكاد المريب…”.
كيف أتى عميل سابق مرتكب لجرائم بحق معتقلين الى لبنان؟ ستبقى مسألة قدومه مثيرة للتكهنات والروايات، وستنسج حولها حكايات تحفّز الخيال.
أما الواقع فهو أننا أمام تركيبة سياسية وصلت الى لحظات وَهَن مفصلية. فرغم إمساكها بالقرار، من رئاسة الجمهورية الى رئاستي البرلمان والحكومة والقضاء، فإنها مضطرة الى الإفراج عن مجرم تلوثت يداه بالدماء، ومجبرة على ابتلاع كل أدبيات السيادة والمواجهة المفتوحة مع الأميركان.
ليست المرة الأولى التي يوضع فيها القضاء العسكري في موقف صعب. ولأن مثال العميد فايز كرم لا يزال حاضراً في الأذهان، يجدر التذكير به. ففي ظل “إتفاق مار مخايل” بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” خرج من باب المحكمة نفسها العميل الذي كاد أن يصبح وزير داخلية لبنان. وفي ظل مفاعيل الاتفاق نفسه يخرج عامر الفاخوري رضوخاً لضغوط واشنطن وخشية العقوبات. ثم يريدوننا أن نتوهم حصول صفقة بين أنداد، أو نصدق أن المسألة مجرد اجراء تقني قضائي ويمكن اصداره في الآحاد والأعياد!.
عامر الفاخوري قصة نموذجية وتعبير واضح وفج عن تحالف قدّم مصالحه على مصلحة البلاد، فصار كل شيء “ضرورات تبيح المحظورات”. السلطة هدف سامٍ. هذا ليخدم مشروعاً اقليمياً، وذاك ليتربع على الكرسي، وآخر ليتشارك في الأرباح. وهكذا دارت الحياة واستمر أوكسجين الفساد يغذي السلطة، حتى “وقع الفاس بالراس” وصارت الدولة أشلاء.
يطرح الافراج عن عامر الفاخوري سؤالاً دائماً عن الدولة ومقوماتها واستقلالية القضاء، مثلما يطرح سؤالاً إضافياً عن جدوى بقاء قضاء عسكري صار واجباً الغاؤه او حصره بقضايا العسكريين.
في معمعة عامر فاخوري تغيب حكومة حسان دياب. وهي مثيرة للشفقة كونها تواجه الكورونا بحطام دولة فيما تدَّعي الانجازات. هي تجهل حتماً سبب خروج عامر الفاخوري، لكنها تعرف “الفاخوري” الذي أتى بها ومستسلمة الى كونه يركب “دينة” الجرَّة حتى في القضاء.