عندما شاهدت البارحة عبر وسائل الإعلام ما حدث مع فنّانة عربية معروفة قبل دخولها إلى منزلها أصابتني الدهشة، دهشة لتعقيمها بواسطة مرشة كبيرة من رأسها إلى أخمص قدميها، ودهشة لنقل وسائل الإعلام وترويجهم لفيديو لا يمت إلى السلوك الصحيح والمفترض لمكافحة كورونا هذا الوباء العالمي.
في مقلب آخر، قال لي بحزن عميق “الجميع مرعوبون، أغلقت المدن والساحات كما البيوت، الجميع عندنا ركن في منزله، يعدّ الأيام وينتظر الأحداث ويترقّب ما يُتلى عليه من هنا أو هناك”، وأضاف، “السبب هو هذا الزائر الملعون الذي أسدل ظلاله الثقيلة علينا”.
ما جعلني أخاف وأحزن أكثر من حزنك صديقي، هو الاستسلام التام لهذا الدفق من التحدّيات، وأنا التي أدرك أنّ هذا الشعور هو طبيعي وسط مشهد وضعنا بين ليلة وضحاها أمام مأساة إنسانية أشعرتنا بضعفنا كبشر، كما طرحت أمامنا أخلاقيات احترام النفس البشرية وعلى غير صعيد، إلاّ أنّ هذا الاستسلام قد يوصل إلى ما لا تحمد عقباه.
في أي أزمة تواجهنا، قد نشعر بالخوف والقلق والرهبة الشديدة، مهمتنا بالتأكيد ليست في جعل هذه المشاعر تختفي، على العكس، علينا أنّ نعي أنّه يمكننا الاعتراف بأنّ مخاوفنا وقلقنا طبيعيين، إذ لم يسبق أن واجهنا أي شيء مثل هذا من قبل، ومن هنا مصدر خوفنا من هذا المجهول الذي يتربّص بنا. المسألة تتمحور إذاً حول استلاب قوتنا وقدرتنا على المواجهة، وهنا يكمن الخطر.
سألت نفسي لماذا نخاف؟ أنخاف لضبابية الموقف الذي نعيش، أم نخاف لعدم توفّر معلومات كافية عن الواقع الذي يحيط بنا، أو نخاف لفقدان الثقة بيننا وبين من يُفترض أن يقوموا بحمايتنا وحفظ حياتنا، نخاف ونخاف ونخاف لأسباب قد يصعب حدّها أو حصرها..
أمام هذا الواقع الآسر الذي يرمي بنا حيث يرغب ويريد، أعتقد أنّ مهماتنا مضاعفة بل أكثر من مضاعفة، فمسؤوليتنا تجاه هذه الأزمة الخانقة ليست محصورة بشخص أو باختصاصي، أو بخبير أو بمن يُفترض أن يديروا شؤون البلاد والعباد وعلى أي بقعة وجدوا أو تواجدوا.
من هذا المنطلق، أعترف أنّني أشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجتنا إلى معرفة إدارة مشاعرنا لا سيما السلبية منها، وتعلّم كيفية التحكّم بها، كما أدرك حاجتنا إلى تعلّم الكثير الكثير بسرعة قياسية وبساطة في مقاربة الأمور في آن. مرتكزات أجدها أساسية لاتخاذ الإجراءات التي تساعدنا على السيطرة والتغلّب على مشاعر اليأس والعجز التي قد تلتف حول أعناقنا فتخنقنا، عندها نفعل بأنفسنا ما قد يعجز كورونا عن إلحاقه بنا.
أدرك تماماً أنّنا وُجدنا في مواجهة لم نخترها، ولكن يُمكننا بالطبع أن نقوم بمحاولات عديدة وكثيرة ربما، فلنبدأ بمفاتيح صغيرة تُساعدنا على كسب معركتنا مع هذا المعلوم المجهول، في هذه الأزمة كما في غيرها ربما، نحتاج إلى صنع مفاتيح تنير دروبنا فتُسهم في طمأنتنا والتخفيف من حنقنا وغضبنا كما من قلقنا واضطرابنا.
ممارسات أجدها منطلقاً يُساعدنا على ضبط بعض الأمور التي تحيط بنا أو تؤرّقنا، ما يدفعنا إلى الالتزام وعدم الاستهتار بإجراءات الوقاية والحماية، وقد تتمثّل بــ:
ضرورة رفع الوعي وتوخي الحذر بشأن الصور والمعلومات والأفكار التي يتم نشرها ومشاركتها،
الالتفات إلى أهمية مشاركة كل من نستطيع بالمعلومات الدقيقة والصحيحة على أن تكون من اختصاصيين ومصادر موثوقة،
المساهمة في دعم الأشخاص القلقين بشأن الأصدقاء أو الأقارب في المناطق المتأثرة أو الموبوءة،
أهمية الحفاظ على خصوصية وسرية أولئك الذين يسعون للرعاية الصحية،
احترام قرار الآخرين في اتخاذ إجراءات وقاية أو في الالتزام بالحجر الصحي المنزلي،
رفع درجات وعي الأهل ومن يهتم برعاية الأطفال، ومساندتهم لتخطّي هذه المرحلة،
التبليغ الفوري عند شعورك بأنك في خطر الإصابة بالمرض،
الابتعاد عن التنمّر في كل الأوقات وتجاه أي كان،
تقديم مسار إيجابي للأمور التي يُمكن القيام بها أو تنفيذها.
ندرك جميعاً أنّنا أمام أزمة عالمية تؤثّر على ملايين البشر، وعلى كامل دورة الحياة على هذا الكوكب الأم، أزمة فيروس كورونا قصة غير واضحة الخطوات ومبهمة النهاية. فاليوم أكثر من أي وقت مضى، أوقن أنّنا جميعنا معنيون، وجميعنا مسؤولون، لذا علينا أن نعمل ونتصدّى لهذه التحدّيات.
صحيح أنّ ما يحدث لنا كل يوم في هذه الفترة غريب جداً، إلاّ أنّ غرابته برأيي لا تكمن فقط في زجّنا قسراً ضمن دوّامة تقفز بنا بسرعة نحو فيروس لا يقيم وزناً ولا اعتباراً لأي من البشر! وإنّما لوجودنا أمام اختبارات متسارعة، وقد لا تكون سهلة على الاطلاق، التحدّي الأساس فيه هو مسؤوليتنا جميعاً في التصرّف بوعي وحكمة، لنتمكّن من الإمساك بزمام الأمور محاولين إعادة رسم مسار حياتنا في الاتجاه الصحيح.
صحيح أيضاً، أنّه ما من لمسة سحرية ستخرجنا من هذا المأزق الذي لا نعرف حدوده، ولم ندرك أفقه بعد، ولكن بات مؤكّداً أنّه يجب علينا تعلّم نهج جديد لم نعهده قبلاً في حياتنا وسلوكنا.
أدرك أنّ تغيير معتقداتنا وممارساتنا أثناء الأزمات أو الطوارئ أمراً قد يكون صعباً، إلاّ أنّني أعتقد أنّنا بتنا نعيش في زمن يجب أن نسعى فيه إلى تعلّم تحديد أولوياتنا والعمل وفق مبدأ “كُن فيكون”، فنجهد بأنفسنا لنبحث عن أدوات بقائنا وننجز بأيدينا مستلزمات حياتنا كي نتمكّن من تغيير حالنا إلى الأفضل. فهل سنستطيع؟
إنّه بلا شك عام التحدّيات الكبرى؟ هل سننجح في اجتيازها واحدة تلو الأخرى؟ نحن حقاً من نقرّر …
الدكتورة ليلى شمس الدين
أستاذة جامعية وباحثة في الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع والاعلام.