تجري شركة منتجات الهيدروكاربون «هيبكو» (المملوكة من عائلة البساتنة) مفاوضات مع شركة «تراكو غروب» السعودية (التي يرأس مجلس إدارتها سمؤال عبد الله بخش)، لشراء حصّتها في شركة «وردية هولدنكز إنك».
وفي حال تمت هذه الصفقة ستتمكن «هيبكو» من الاستحواذ على أكثر من 30% من مبيعات البنزين والمازوت في لبنان.
قالت مصادر عاملة في تجارة المشتقات النفطية، إن الشركة السعودية «تراكو غروب» التي تملك 85% من شركة «وردية هولدنكز» قرّرت الانسحاب من السوق اللبنانية وبيع هذه الحصّة بقيمة 76 مليون و500 ألف دولار.
الأنباء المتداولة في السوق عن دواعي هذا الانسحاب، تشير إلى أن الشركة السعودية باتت في موقع مالي حرج يستدعي منها تسييل بعض ملكياتها للحفاظ على بنية أعمالها الرئيسية في السعودية المتصلة بالمقاولات ومواد البناء والاتصالات. أزمة «تراكو» مماثلة للأزمات التي تضرب شركات المقاولات السعودية بعدما أجبرت الحكومة على تقليص إنفاقها الاستثماري بسبب انخفاض أسعار النفط وارتفاع العجز في موازناتها العامة، فانعكس الأمر سلباً على المشاريع الإنشائية.
«وردية»، التي يمتلك بنك عوده الـ15% الباقية منها، تبلغ حصّتها من مبيعات البنزين في لبنان 18%، ومن المازوت 11%، ومن كاز الطيران 20%. هذه الحصّص تستحوذ عليها من خلال استيراد المشتقات النفطية وبيعها عبر 184 محطّة محروقات منتشرة على الأراضي اللبنانية. معظم الأراضي التي بُنيت عليها محطات المحروقات مستأجرة وتدار من خلال عقود استثمار ونقل محروقات مع شركة يملكها هنري عون الذي تربطه صلة قرابة مع المديرة العامة للشركة دانيا نكد. كذلك تملك «وردية هولدنكز» شركة «باور انترناشيونال» المتخصصة بمزج وتعبئة زيوت الآليات. تأسّست شركة «باور» في عام 1979 بهدف استيراد وتوزيع الزيوت والمواد الكيميائية التي أساسها زيوت النفط.
سعر الفيول والمازوت
المستورد أعلى بنحو 20 دولاراً من سعر السوق
بحسب المعلومات المتوافرة على موقع الشركة الالكتروني، فإن شركة «وردية» تأسّست في عام 1922 تحت اسم «Socony-Vaccum» الأميركية الجنسية وكانت تعمل بشراكة مع IPC لبناء مصفاتي الزهراني وطرابلس. وفي عام 1955 عدّل الاسم ليصبح «موبيل أويل ليبانون» على أساس أنها المقرّ الإقليمي ووكيلة شركة «موبيل أويل» في الشرق الأوسط، وقد استمرّ هذا الأمر حتى مطلع الستينيات حين انتقل مقرّ الشركة الرئيسي إلى السعودية. وفي هذا الوقت كانت هذه الشركة محور نزاع قضائي مع الحكومة الأميركية، فاستغلّت انفجار الحرب الأهلية في لبنان لتسحب هذا الاستثمار من لبنان وتبيع ملكيتها لرجل أعمال من عائلة الأحدب. رجل الأعمال اللبناني غيّر اسمها إلى «وردية هولدنكز»، إلا أنه في أواخر الحرب الأهلية قرّر التخلّي عن ملكيته لمجموعة من المساهمين حتى تبيّن في عام 1995 أن كل الاسهم بات يحملها وليد جنبلاط.
في عام 1995 اشترى كلّ من «موبيل» و«بنك عودة»، وتحت اسم شركة «بي بي هولدينغز»، 15% من أسهم وردية و10% من أسهم «باور انترناشيونال». لاحقاً باع جنبلاط كل الأسهم المتبقية في «وردية» و«باور» لشركة “تراكو غروب” (المملوكة، في حينه، من عبد الله بخش السعودي الجنسية الذي توفي قبل سنوات فانتقلت الملكية إلى وريثه سمؤال عبد الله بخش)، ويقال أن المستثمر السعودي دفع 20 مليون دولار ثمناً لحصة جنبلاط.
طوال فترة وجودها في لبنان، حقّقت شركة «وردية» لمالكيها أرباحاً بمئات ملايين الدولارات. مصدر الأرباح الأساسي هو تقسيم المغانم في السوق بين مستوردي المشتقات النفطية. المغانم ناجمة عن تقسيمات دولية تسيطر عليها شركات أميركية وفرنسية وروسية وغيرها من الشركات التي تعمل من خلال وكلاء محليين أو إقليميين، إذ لا تتنافس هذه الشركات في الأسواق المحلية، بل يجرى توزيع هذه المغانم برعاية حكومية بواسطة آليات تسعير المشتقات النفطية والمواصفات المسموح إدخالها إلى لبنان…
دارت الأيام بعائلة بخش السعودية وطالتها الأزمة المالية السعودية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، فعرض المالكون شركة وردية للبيع. وبحسب مصادر عاملة في تجارة النفط، تلقّى المستثمر السعودي مجموعة من العروض أبرزها من شركة «توتال» الفرنسية، ومن شركة «ترافيغورا» السويسرية، ومن مجموعة مستثمرين لبنانيين بقيادة مصرف لبناني أيضاً.
المفاجأة تمثّلت في رفض هذه العروض بسبب العقود التي وقّعتها الشركة لاستثمار المحطات وحصرية توزيع المشتقات النفطية المستوردة، وذلك باستثناء العرض المقدّم من توتال الفرنسية، لأنه يخلّ بالاتفاقات الدولية على توزيع عقود استيراد وتوزيع النفط بين الدول الكبرى.
سرعان ما تبيّن أن هناك اهتماماً من شركة «هيبكو»، التي يرأس مجلس إدارتها بشير البساتنة، علماً بأنها شركة مملوكة من مجموعة شركات يملكها بهاء الدين النصر البساتنة وعدد من أقاربه أيضاً. ويقول المطلعون، إن اهتمام مجموعة البساتنة، يأتي بعد شرائهم حصّة 60% من مجموعة «كوجيكو»، التي يملكها وليد جنبلاط أيضاً، بقيمة 20 مليون دولار. وبالتالي، فإن استحواذهم على شركة «وردية» سيمنحهم قدرة تحكّم كبيرة عبر الشركات التي تملكها كوجيكو، والحصص السوقية، بالإضافة إلى الحصص التي يستحوذ عليها البساتنة عبر «هيبكو»، والحصص السوقية التي تملكها «وردية» أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن جنبلاط باع هذه الحصّة بعدما اتّهم بهيج أبو حمزة بسوء الأمانة، إذ أن أبو حمزة كان يدير كل أعمال جنبلاط وأبرزها ملكياته في شركات النفط.
“الإمبراطورية” التي يسعى البساتنة إلى تحقيقها، تشمل إلى جانب انتشار هيبكو ووردية، شركة «كوجيكو» التي تملك شركة «ليفنت أويل» وشركة MPC، ولديهم أكثر من 80 محطّة محروقات في لبنان غالبيتها تقع في مناطق نفوذ جنبلاط. هذه المحطات يجري تحويلها تحت اسم هيبكو حالياً. والمعروف أن هيبكو تعمل كوكيل لشركة أميركية اسمها «فيتول» ووكالتها لا تقتصر على لبنان بل تمتد إلى العديد من دول الشرق الأوسط والمغرب العربي والشرق الأقصى.
في حال تمت الصفقة بين «هيبكو» وشركة «وردية» يقدّر أن تبلغ الحصّة السوقية للمجموعة النهائية، أكثر من 30% من سوق البنزين والمازوت وكاز الطيران. تمركز هذه الحصّة بيد شركة واحدة ذات نفوذ كبير في لبنان، سيجعل سوق المشتقات النفطية خاضعاً لمصالحها وحساباتها الخاصة وسيزيد قدرتها على ممارسة الضغوط على الدولة لتعديل سياسة تسعير المشتقات النفطية، وسياسة تخزين النفط المستورد، وسياسة استيراد المازوت والفيول لمصحلة كهرباء لبنان، إذ من اللافت أن الكميات المستوردة من الفيول أويل والمازوت تسعّر أعلى بنحو 20 دولاراً من الاسعار الرائجة في السوق رغم أن عقود استيراد المشتقات النفطية هي من دولة لدولة، إلا أن الوكيل، أي شركة هيبكو، يستورد المشتقات من دول مختلفة وعديدة، ومن النادر أن يكون الاستيراد من الجزائر والكويت اللتين لديهما عقود موقعة مع لبنان.