اختتمت الدورة الـ56 لمؤتمر ميونيخ للأمن أعمالها، في ميونيخ جنوبي ألمانيا، بعد مناقشات متواصلة متواصلة لابرز القضايا والأزمات الملحة في العالم، بمشاركة دولية واسعة.
وشارك في المؤتمر، 39 رئيس دولة وحكومة، و100 وزير دفاع وداخلية، و500 باحث وخبير من مختلف دول العالم.
وخلال يومين، ناقش المؤتمر العديد من الأسئلة الملحة في العالم مثل المشروع الأوروبي والتعاون في مجال الدفاع ووضع النظام الدولي الليبرالي، وسياسات حماية المناخ، وتفشي فيروس كورونا، والتعاون عبر الأطلسي “العلاقات الأوروبية الأمريكية”، وتداعيات تجدد التنافس بين القوى الكبرى، فضلا عن ملفات الشرق الأوسط، وخاصة ليبيا.
وجاء في التقرير الختامي للمؤتمر أن الخطر الأكبر على حلف شمال الأطلسي “ناتو” في الوقت الحالي “ليس صعود قوى أخرى، وإنما التوجهات المعادية لليبرالية، والهوية الغربية المشتركة”، في إشارة إلى صعود اليمين المتطرف في عدد من الدول الغربية.
وخلص التقرير إلى أن خطر اليمين المتطرف “لا يلقى الاهتمام اللازم” من العالم، في وقت صب المجتمع الدولي كل الجهود على مواجهة التطرف بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وحول إيران، أكد التقرير أن “طهران عززت تدخلاتها في الشرق الأوسط، وكانت مركز التوترات في الإقليم خلال 2019، واقتصادها في تراجع مستمر”.
وعلى هامش المؤتمر، عقد وزراء خارجية عدة دول أبرزها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، اجتماعا رفيع المستوى حول ليبيا، انتهى بإعلان وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بداية محادثات العملية السياسية في هذا البلد نهاية الشهر الجاري.
كما أعلن ماس “أن الأمم المتحدة والشركاء الدوليين سيرصدون كل مسارات دخول الأسلحة إلى ليبيا، لاتخاذ إجراءات جادة لعدم تصاعد الأزمة”.
وجرت فعاليات المؤتمر وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث شارك 3900 شرطي في تأمينه، وفرضت الشرطة حظر طيران فوق وسط المدينة أثناء انعقاد المؤتمر في الفترة بين ١٤ و١٦ فبراير/شباط الجاري، بما يشمل الطائرات المسيرة المستخدمة في التصوير. كما أغلقت الشرطة الشوارع المحيطة بمقر المؤتمر أمام حركة المركبات.
ويملك مؤتمر ميونيخ، الذي يعد أهم مؤتمر أمني في العالم، تاريخا كبيرا يمتد لخمسين عاما، حيث تأسس عام 1963 بواسطة الباحث الألماني إيوالد فون كلايست، ومر بعدة مراحل تحول خلالها من مؤتمر لقضايا الدفاع فقط، ليكون ملتقى للسياسيين ومنصة اللقاءات الدبلوماسية السرية.
ما هو مؤتمر ميونيخ للأمن؟
كل عام في شهر شباط، يجتمع صناع القرار الدوليون رفيعو المستوى في ميونيخ، حيث يناقشون برئاسة السفير فولفجانج إيشينجر وفي إطار مستقل الأزمات الحالية والتحديات الأمنية المستقبلية.
تأسس مؤتمر ميونيخ للأمن في الأصل عام 1963 كاجتماع ألماني أمريكي لتبادل المعلومات حول القضايا الأمنية. مهمة مؤتمر ميونيخ الأمني هي التباحث بشأن التحديات الحالية والمستقبلية للسياسة الأمنية الدولية.
تُظهر مشاركة أكبر وفد أمريكي حتى الآن في حدث هذا العام أن النقاش الألماني الأمريكي لا يزال ذا أهمية أساسية.
كما تعد مشاركة رئيس شركة فيسبوك، مارك زوكربيرج، الأولى من نوعها حيث أن الشركات الكبيرة على وجه الخصوص لها تأثير هام على السياسة الأمنية.
واختير موضوع مؤتمر الأمن في ميونيخ لهذا العام هو “عدم الاهتمام بالغرب”، والذي يمكن ترجمته باللغة الألمانية باسم “West-Losigkeit”. إنه إنشاء لكلمة جديدة من المفترض أن يصف الظاهرة المزدوجة المتمثلة في شعور واسع بأن الغرب والعالم أجمع يتطورون في اتجاه أقل اهتماماً بالغرب. المقصود هو فقدان القيم عبر الأطلسية ومجتمع الأمن.
وكان وصف رئيس المؤتمر فولفغانغ إيشينغر لقاء ميونيخ هذا العام بأنه الأهم خلال العشرين سنة الماضية كون المجتمعين سيناقشون خلاله ملفات وأزمات دولية عالقة ومعقدة وسيحاولون الإجابة على أسئلة مهمة تتعلق قبل كل شيء بمستقبل الغرب وبتراجع دوره سواء على مستوى العالم أو داخل الغرب نفسه، وأسباب هذا التراجع، وسبل معالجته. وأعرب إيشينغر عن شعوره بالإحباط نتيجة عجز المجموعة الدولية عن حل أزمات عالقة أبرزها الوضع في سوريا وليبيا، ووجه انتقادات للاتحاد الأوروبي قائلا إن دوله عجزت عن تحمل مسؤولياتها تجاه أزمات تشتعل بجوارها وهو أمر غير مقبول ويدعو للقلق.
التقرير الأمني
وقد تم مؤخراً إطلاق التقرير الأمني لميونيخ 2020 الذي وزع على ضيوف المؤتمر وسلط التقرير الأضواء على أبرز التحديات التي تواجه الدول الغربية والتي تتصدر اهتمامات وتساؤلات المشاركين بالمؤتمر، ومنها مدى قدرة الغرب على الخروج باستراتيجية مشتركة لعصر جديد من منافسة القوى العظمى، وتزايد الانشقاقات والانقسامات داخل المعسكر الغربي، والتي بدت واضحة بمواقف دوله تجاه مستقبل الاتفاق النووي الإيراني ومشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، واختلالات التجارة عبر الأطلسي، والإنفاق الدفاعي لحلف الناتو، وهل يجب على دول الاتحاد الأوروبي التعاون بشكل أوثق في قضايا الأمن والدفاع والتجارة والهجرة.
تراجع الدور الأمريكي كحارس للنظام الدولي
ويشير التقرير إلى تراجع واشنطن عن دورها التقليدي كحارس للنظام الدولي، وتركها المجال لقوى أخرى، مثل روسيا وإيران وتركيا. وتساءل كيف يمكن لأوروبا أن تؤكد نفسها كلاعب عالمي بحد ذاتها.
ونبه التقرير إلى تحديات أخرى منها ضعف صوت الاتحاد الأوروبي عبر العالم، وضرورة الدفاع عن قيمه الأساسية، وقال إنه قد يكون لدى الغرب أكبر الاقتصادات والأسلحة الأكثر فتكا على وجه الأرض، إلا أن الغرب لن يتمكن من البقاء مالم تكن لديه عائلات وقيم قوية، مضيفاً أن المعركة من أجل الغرب لا تبدأ بساحات القتال، بل تبدأ بالعقول والإرادات.
وأعرب معدو التقرير عن اعتقادهم بأنه إذا ما واصل الغرب تردده نحو التدخل بالنزاعات الأجنبية العنيفة، فلن يعني ذلك اختفاء هذه النزاعات بل قد تزداد تصعيدا. وأشار التقرير للأوضاع بدول الجوار لأوروبا وتحديداً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقال إن شعوب تلك الدول وبعد ثماني سنوات من ثوراتها الشعبية لازالت تتوق للتغيير من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ولم يتحقق سوى القليل فلا يزال النمو راكداً والفساد منتشراً ومعدلات بطالة الشباب من أعلى المعدلات في العالم، كما أن فرص التطور السياسي لا تبدو أكثر إشراقًا، وأضاف أن دول البحر المتوسط، التي مزقتها حالات من عدم الاستقرار خلال السنوات الأخيرة لاتزال، مركزاً ومصدراً وطريقا للنازحين واللاجئين الذين يتجه غالبيتهم إلى أوروبا.
ونبه التقرير إلى أن كل محاولات الاحتواء الجزئي دون الإصلاحات السياسية والاقتصادية الشاملة التي يطلبها الناس في تلك الدول لن تجلب الاستقرار الدائم، وإن التكرار التالي للانتفاضات فيها ربما يكون مسألة وقت فقط.
تحديات المناخ
وفيما يتعلق بالتحديات المناخية يرى التقرير، أن السياسات التي تتبعها دول مجموعة العشرين، وهي أكبر عشرين اقتصادا على مستوى العالم، وتمثل 78 بالمائة من انبعاثات غازات الدفيئة، فشلت إلى حد كبير حتى الآن بإجراء التعديلات والتحولات اللازمة على سياساتها الصناعية والبيئية، وهو ما ينذر حال استمرارها بكوارث مناخية تشرد أكثر من 140 مليون شخص بحلول عام 2050 بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية وحدها. كما تحدث التقرير عن تزايد المخاطر بالفضاء الخارجي جراء تزايد عدد الأقمار الاصطناعية فيه، والتي قدرها بأكثر من 2000 قمر تديرها حوالي 75 دولة، وقال إن الفضاء ساحات عالمية تتطلب التعاون لإبقائها آمنة، خاصة مع وصول العديد من اللاعبين الجدد من الجهات الرسمية وغير الحكومية إلى ساحته.
وتكمن أهمية مؤتمر ميونيخ للأمن بكونه منصة فريدة على مستوى العالم يتم خلالها بحث القضايا الأمنية. كما أنه يمنح الفاعلين السياسيين فرصة التواصل عن قرب بشكل غير رسمي. وخلال تصنيفها الجديد وضعت جامعة بنسلفانيا الأمريكية مؤتمر ميونيخ للأمن بمرتبة أهم مؤتمر من نوعه في العالم. ويعقد المؤتمر خلال شهر شباط من كل عام، وقد انعقد للمرة الأولى عام 1963 وكان يُسمى اللقاء الدولي لعلوم الدفاع، بيد أن المؤتمر غير اسمه لاحقاً إلى “المؤتمر الدولي لعلوم الدفاع”، ومن ثم أصبح اسمه “مؤتمر ميونيخ للأمن”.
المصدر: سكاي نيوز عربي/ dw. arabic. / فرانس 24