حازت الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب ثقة مجلس النواب ب63 صوتا من أصل 84 نائبا. وحجب 20 نائبا الثقة عنها، في حين امتنع نائب عن التصويت.
رد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب على مداخلات النواب خلال جلسة الثقة وقال في ختام الجلسة المسائية: “دولة الرئيس، السادة النواب، إسمحوا لي أن أتحدث إليكم، وإلى اللبنانيين، كل اللبنانيين، في كل المناطق، من الشمال إلى الجنوب، ومن السلسلة الشرقية إلى البحر، بشفافية، وصدق، وبالحقائق… هذه الحكومة هي السلطة التنفيذية، لكنها حكومة غير مسيسة، وإن كان لبعض وزرائها هوى سياسي، لكنهم جميعا ينسجمون مع الإطار العام الذي وضعته منذ اليوم الأول لتكليفي”.
أضاف: “هذه الحكومة، مهما تكاثرت الإتهامات، هي حكومة إختصاصيين غير حزبيين. ولأننا كذلك، فقد أخضعنا أنفسنا لمعمودية صعبة كي نتمكن من حل معادلة معقدة. نحن نطلب الثقة من مجلسكم الكريم، لكن قلوبنا في الخارج، تنبض إلى جانب مطالب الناس الذين نحن منهم. ونحن نتبنى مطالب الإنتفاضة – الثورة التي أحدثت زلزالا في البلد، لكن عيوننا عليكم تنتظر ثقتكم. إنها معادلة غريبة فعلا. لكن السؤال كان يراودنا دوما: كيف نحصل على الإثنين معا؟ تبين لنا سريعا أن لا أحد يستطيع إلغاء أحد. للنواب شرعيتهم التمثيلية ومكانتهم وموقعهم ودورهم، بما يمثلون سياسيا وشعبيا، وحصلوا على ثقة الناخبين، وهم – دستوريا – يمثلون الشعب اللبناني تحت قبة البرلمان. وللانتفاضة – الثورة مشروعيتها وتأثيرها وجمهورها، وانتزعت ثقة بحضورها الفاعل، وهي – شرعيا – تمثل شريحة كبيرة من الشعب اللبناني”.
وتابع: “لا أحد يستطيع الطعن بشرعية النواب المنتخبين من قبل شريحة كبيرة من الشعب اللبناني. ولا أحد يستطيع الطعن بمشروعية الإنتفاضة التي تمثل شريحة كبيرة من الشعب اللبناني أيضا. هنا تكمن المعادلة المعقدة: كيف يمكن إيجاد توليفة بين الإثنين معا؟ هنا جمهور وهناك جمهور. لا يختلفون كثيرا، لكنهم بالتأكيد يحملون الهوية ذاتها، وما يصيب البلد يصيبهم جميعا… ومع ذلك، وقف كل في ساحته وكأنه نقيض الآخر. في الواقع، المعادلة أبسط مما تبدو عليه بكثير، فالشعب واحد وإن اختلفت أهواؤه السياسية، لكن حاصل القسمة بين اللبنانيين هو الإنهيار”.
وقال: “لولا انتفاضة اللبنانيين في 17 تشرين الأول، لما كانت هذه الحكومة. ولذلك، فإن هذه الحكومة محكومة، قناعة وواقعا، بحمل مطالب اللبنانيين، وإطلاق مسار الإنقاذ، فالتحديات التي تواجه البلد تكاد تكون كارثية، بينما القدرة على تجاوزها هشة، نتيجة الخسائر المتراكمة في البلد على كل صعيد، وخصوصا على الصعيد المالي”.
أضاف: “إن لبنان يمر في مرحلة عصيبة جدا، وهي غير مسبوقة، وعبور هذه المرحلة بأمان، هو أمر أقرب إلى المستحيل من دون قوة دفع خارجية بالإضافة إلى القوة الداخلية. وبما أن بعض الخارج منشغل عنا، أو يدير ظهره لنا، أو يحاسبنا على الخطايا التي ارتكبت خلال عقود، فإن القوى السياسية الداخلية والحراك الشعبي وكل فئات الشعب اللبناني، معنيون جميعا بتأمين قوة دفع ليتمكن لبنان من تجاوز الأخطار الكبيرة المحدقة به. ولذلك، فإن الحكومة ستعمل على إدارة تشاركية مع مكونات المجتمع اللبناني كافة، من أجل السير في طريق الإنقاذ”.
وتابع: “كرة النار تتدحرج بسرعة، وتحاول هذه الحكومة وضع عوائق أمامها لوقفها، وإخمادها، وبالحد الأدنى لتخفيف إندفاعتها ووهجها. إذا أفلتت كرة النار من يد هذه الحكومة، فإن ألسنة النار ستتطاير في كل إتجاه، ولن يكون أحد بمنأى عن خطرها وحريقها. إذا إنزلقت كرة النار من يد هذه الحكومة، فلن ينفع بعدها الحديث عن خطة كهرباء، ولا عن إصلاح، ولا عن محاربة فساد، ولا عن مصارف، ولا عن رواتب، ولا عن موازنة، ولا عن خطط وبرامج… نحن في هذه الحكومة ندرك جيدا ماذا نواجه، ونعلم جيدا أن تحملنا هذه المسؤولية ليس تشريفا، وإنما هو تكليف بمسؤولية وطنية. ولذلك فإن الحكومة ستواجه التحديات بصلابة، وخطة ومنهجية. لا أحد منا في هذه الحكومة يريد منافسة نائب أو زعيم، إطلاقا، كل ما نريده هو الإنقاذ. نحن آتون لخدمة الناس وحل مشاكلهم، وسنعمل لكل لبنان، ولكل اللبنانيين: من عكار إلى الناقورة، ومن بعلبك والهرمل وزحلة والبقاع الغربي وراشيا، إلى طرابلس والضنية والمنية وزغرتا والكورة وبشري والبترون، ومن الشوف إلى عاليه وبعبدا والمتن وجبيل وكسروان، إلى حاصبيا ومرجعيون والنبطية وبنت جبيل وصور وصيدا وجزين”.
وقال الرئيس دياب: “علينا أن نتصارح ونعترف أن خطر السقوط ليس وهما، بكل أسف، نحن نريد انتشال البلد، لكننا لا نستطيع القيام بهذه المهمة الإنتحارية إذا كان الواقفون خلفنا يتحينون الفرصة لدفعنا إلى الهاوية من دون حبل إنقاذ. إذا نجحنا يا دولة الرئيس لا نريد أوسمة ولا تصفيقا ولا تمجيدا ولا نصبا تذكارية. ليست هذه غايتنا، نحن لا نريد شيئا لأنفسنا، لكن لنا مصلحة في أن ننجح بإنقاذ لبنان. نعم يا دولة الرئيس، نحن قلقون على لبنان الغد، وقلقون أكثر أن البعض لا يتعامل مع المخاطر بمسؤولية، بينما المطلوب من الجميع، ومن دون إستثناء، المساهمة في عملية الإنقاذ”.
أضاف: “ليست هذه الحكومة هي التي أوصلت البلد إلى هذا الوضع الخطير، على العكس، وزراء هذه الحكومة قرروا خوض هذه التحديات لأنهم يريدون إنقاذ لبنان. كل واحد منهم يضع نفسه وكفاءته وخبرته في خدمة مشروع الإنقاذ. وبعد ذلك سنذهب إلى بيوتنا من دون منة، لأننا مقتنعون أن ما نقوم به هو خدمة علم، لخدمة الوطن والشعب اللبناني”.
وتابع: “على مدى ساعات، استمعنا إلى مداخلات السادة النواب. بعضها أنصفنا، وبعضها نصحنا، وبعضها حاسبنا وكأننا في الحكم منذ ثلاثين سنة، سامحهم الله. لكن، هل يعقل أننا لم نسمع مصارحة واقعية لأسباب ما وصلنا إليه؟ هل يعقل أن البلد في حالة انهيار، وليس هناك أحد يجرؤ على تحمل المسؤولية، ولو جزئيا، أو أخلاقيا، أو بحكم موقع المسؤولية؟ على كل حال نحن لا نريد الدخول في سجالات سياسية مع أحد، فقط اتركونا نعمل. لا نريد الرد على كل ما قيل من كلام يضخ التشاؤم، لأننا نريد بث التفاؤل، مهما كانت التحديات صعبة. همنا الآن كيف نحمي أموال الناس في المصارف، وكيف نستطيع تغيير واقع علاقة الناس مع المصارف وسقف سحوباتهم. همنا كيف نحافظ على الاستقرار النقدي. همنا كيف نضبط أسعار السلع والمواد الغذائية. همنا كيف نؤمن الأدوية وحليب الأطفال. لا يمكننا أن نتفرج على ما يحصل، وسنعمل بالتأكيد لمعالجة هذه الهموم”.
وأردف: “نريد الحفاظ على المال العام، والموجودات من العملات الأجنبية، وأموال المودعين، لا سيما في المصرف المركزي، من أجل خدمة أولويات الناس من المواد الغذائية والأدوية والمواد الطبية والقمح والمحروقات، وقد أبلغنا حاكم مصرف لبنان هذه الثوابت. لم ننتظر الثقة لمعالجة هذا الموضوع، وندرس جميع الاحتمالات المتعلقة باستحقاقات سندات اليوروبوند على لبنان لهذه السنة”.
وختم: “إن منحتمونا الثقة، فنحن سنبذل ما يفوق طاقاتنا من أجل وضع لبنان على مسار الإنقاذ، وحماية اللبنانيين من المخاطر الكبرى. نطلب الثقة من مجلسكم الكريم، ونطلب أيضا دعمكم، ومؤازرتكم، لأن مهمتنا صعبة جدا وتحتاج إليكم جميعا، وإلى اللبنانيين، كل اللبنانيين. نسأل الله التوفيق، والخيرة في ما اختاره الله”.