إعتبر كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان، انّ الأنباء عن تشكيل حكومة اختصاصيين زادت من احتمال تنفيذ الإصلاحات اللازمة لحصول لبنان على أموال «سيدر» البالغة 11 مليار دولار، والتي تعهّد بها المجتمع الدولي لتطوير البنية التحتية للبلاد.
أعدّ كبير الإقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي (Institute of International Finance IIF) غربيس إيراديان تقريراً بعنوان «أمام لبنان فرصة لاستعادة الاستقرار»، عدّد خلاله 10 عناصر رئيسية للإصلاحات:
1- خفض أسعار الفوائد
بعد قرار جمعية المصارف خفض الفائدة المرجعية في سوق بيروت الى 8,5% على الودائع بالدولار والى 11,5% بالليرة اللبنانية، اعتبر ايراديان انّه ما زالت هناك حاجة لخفض اضافي بنسبة 1% على الودائع بالدولار الاميركي وعلى فوائد الدين العام، من اجل تعزيز السيولة وتحفيز استثمارات القطاع الخاص والتخفيف من حدّة تداعيات الاصلاح المالي.
2- استعادة عافية النظام المصرفي
من المرجح أن يتمّ تقليص حجم القطاع المصرفي وإعادة رسملته وهيكلته، بعد ان تعرّضت البنوك لضغوط كبيرة مع تدهور جودة الأصول والربحية والسيولة بالعملات الأجنبية. فقد تراجعت قروض القطاع الخاص بنسبة 11% من نهاية عام 2018 إلى نهاية عام 2019. ومن آب إلى كانون الاول 2019، فقدت البنوك التجارية حوالى 10 مليارات دولار من الودائع (أي ما يعادل 6% من إجمالي الودائع). وارتفعت القروض المتعثرة إلى أكثر من 16% من إجمالي القروض. وتدهورت أوضاع السيولة على خلفية تدفقات الودائع. وفيما تضاعف النقد المتداول منذ حزيران 2019 إلى 15 كانون الثاني 2020، اقترح ايراديان أن يقوم مصرف لبنان بفتح حسابات مضمونة جديدة بحدّ أدنى من فترة الاستحقاق من اجل جذب جزء من السيولة التي يحتفظ بها القطاع الخاص نقداً.
3- الاستمرار في التعديل المالي
استنادًا إلى المعلومات الجزئية، يقدّر العجز المالي لعام 2019 بنسبة 11.7% مقارنة بنسبة 8% من إجمالي الناتج المحلي مقدّرة في الميزانية. ويعزى هذا التدهور بشكل رئيسي إلى انهيار إيرادات الضرائب في الربع الأخير من عام 2019. وارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 162% من الناتج المحلي الإجمالي إذا تمّ احتساب السعر الرسمي للصرف، والى 185% من الناتج المحلي الإجمالي إذا تمّ استخدام سعر الصرف الموازي في نهاية 2019.
تعتمد مسودة ميزانية 2020 اعتمادًا كبيرًا على تخفيض مدفوعات الفائدة على الدين المحلي وخفض كبير آخر في النفقات الرأسمالية الممولة محليًا. وبالتالي، يمكن وفقاً لايراديان ان يؤدي مزيد من الانكماش المتواصل في الإنتاج، وضغط الواردات، والتهرّب الضريبي إلى انخفاض إضافي قدره 1.9 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في الايرادات (من 18.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 16.6% في عام 2020). ورغم ذلك، من المتوقع أن يتقلّص إجمالي الإنفاق الحكومي بما لا يقل عن 6 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، من خلال توفير 4.5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من خدمة الدين العام، و1.5 نقطة مئوية في الإنفاق الآخر. وفي النتيجة، يمكن أن يتقلّص العجز المالي من 11.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020.
وبالتالي، ستحتاج السلطات إلى تنفيذ اجراءات عدّة في اطار التعديل المالي:
• معدلات ضريبية أعلى لفئات الدخل الأعلى، وتحويل العبء الضريبي إلى الأُسر الأكثر ثراءً ابتداءً من عام 2021.
• فرض غرامات على الممتلكات الساحلية المبنية بطريقة غير قانونية.
• إغلاق جميع المعابر غير القانونية ومكافحة التهريب.
• تعزيز إدارة الإيرادات الضريبية ومكافحة التهرّب الضريبي المنتشر.
• تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها في كهرباء لبنان.
• إعادة جدولة وخفض أسعار الفائدة الفعلية على الدين العام بنسبة 3 نقاط مئوية (من 6.5% إلى 3.5%).
• إعادة هيكلة الإدارة العامة، بما في ذلك إغلاق المؤسسات العامة القديمة، والقضاء على الآلاف من الموظفين الأشباح في القطاع العام.
• إصلاح نظام التقاعد.
• تشكيل لجنة مكافحة الفساد.
• اقرار قانون استعادة الأموال العامة المسروقة.
• إعداد خطة لخصخصة الاتصالات.
واوضح ايراديان، انّه بعد عام 2020، مع التنفيذ الكامل للإصلاحات المالية والهيكلية، ومع افتراض استقرار سعر الصرف عند حوالى 2000 ليرة لبنانية مقابل الدولار، من المتوقع أن تنخفض نسبة الديون بوتيرة سريعة إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024 في ظل السيناريو المتفائل.
4- إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان
يظل قطاع الكهرباء عبئاً ثقيلاً على الميزانية. فقد بلغت تحويلات الميزانية إلى كهرباء لبنان 1.7 مليار دولار أي ما يعادل 3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019. ولطالما عرفت السلطات كيفية إصلاح قطاع الكهرباء واعترفت به كخطة أساسية للإصلاح، لكن لم يتحقق تقدّم كبير حتى الآن.
5- السعي للحصول على برنامج من صندوق النقد الدولي
تُقدّر احتياجات لبنان الخارجية من التمويل بنحو 24 مليار دولار (42% من الناتج المحلي الإجمالي) على مدى 5 سنوات (2020-2024) لتجنّب المزيد من الانخفاض في إجمالي الاحتياطيات الرسمية. وهذا يعكس احتياجات التمويل الكبيرة والتأخّر الطويل المتوقّع، أن تتمكن البلاد من العودة إلى الوصول الكامل إلى الأسواق بمعدلات مستدامة. واعتبر ايراديان انّ التمويل الذي تمّ التعهّد بتقديمه بقيمة 11 مليار دولار من CEDRE، يعدّ رقمًا كبيرًا ومرحّبًا به، لكنه لا يكفي لتمويل العجز المزدوج وزيادة احتياطيات العملات الأجنبية.
في هذا السياق، أمل أن تسعى الحكومة الجديدة للحصول على برنامج من صندوق النقد الدولي لتوفير تمويل إضافي ووقف التدهور الاقتصادي وتعزيز العملات الأجنبية السائلة.
وفي حين أنّ حجم تمويل صندوق النقد الدولي يعتمد على الاحتياجات المالية وقوة الإصلاح التي ستنفذها السلطات، فقد يصل القرض إلى حوالى 8.5 مليارات دولار، أي ما يعادل 1000% من حصة لبنان في صندوق النقد الدولي (بما يتماشى مع برامج صندوق النقد الدولي الأخرى، بما في ذلك الأرجنتين وأيسلندا) والتي امتدّت على مدى 3 سنوات. ويمكن أن يحفز البرنامج المدعوم من صندوق النقد الدولي أيضًا تمويلًا إضافيًا من مصادر متعددة الأطراف وثنائية تبلغ حوالى 3 مليارات دولار بالإضافة إلى قروض ميّسرة بقيمة 11 مليار دولار.
6- إعادة جدولة الديون
يمكن تنفيذ العديد من التدابير من قِبل السلطات، بما في ذلك تمديد آجال الاستحقاق للديون المحلية التي تمثل حوالى 62% من إجمالي الدين العام في نهاية عام 2019. ويمكن استبدال السندات المستحقة بسندات جديدة ذات آجال أطول، وربما في عائدات منخفضة في سياق برنامج مع صندوق النقد الدولي.
7- توحيد أسعار الصرف في ظل ظروف مستقرة
حالما يتحسن الوضع المالي وتتمّ استعادة الثقة ويتم تأمين التمويل الكافي من CEDRE وصندوق النقد الدولي، يمكن السعي الى تعديل سعر الصرف الرسمي. في مثل هذه البيئة، من شأن توحيد سعر الصرف أن يعزز الشفافية ويحسّن السيولة في سوق الصرف. ومع ذلك، ستحتاج هذه الخطوة إلى أن تكون مدعومة بسياسة نقدية مشددة تبقي التضخم تحت السيطرة، من خلال تعزيز مرونة القطاع المصرفي، والالتزام بالإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك الحوكمة والتقدّم الكبير في إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان.
8- خصخصة شركتي الخليوي ومؤسسات عامة أخرى
ينبغي أن تكون الخصخصة عنصراً رئيسياً آخر في برنامج إصلاح الحكومة الجديدة بهدف تخفيض الدين العام وتحسين الكفاءة. يمكن لخصخصة شركتي الخليوي أن توّلد أموالاً كافية لتخفيض الدين الحكومي بأكثر من 6 مليارات دولار (13% من الناتج المحلي الإجمالي) دفعة واحدة.
9- الحدّ من الفساد
أدّى الفساد المستشري في لبنان إلى تقويض النمو الاقتصادي وتفاقم عدم المساواة، وساهم في حدوث عجز كبير وارتفاع الدين العام. لذلك ينبغي أن تكون معالجة الفساد وتحسين الحكم عنصرين أساسيين في الإصلاحات المالية والهيكلية. ومع ذلك، فإنّ التقدّم في هذه المجالات يتوقف على إرادة سياسية قوية ومستدامة.
10- إنشاء صندوق الحماية الاجتماعية
في بيئة الركود الحالية، يُعدّ الاستهداف الكافي لبرامج الرعاية الاجتماعية للفئات الضعيفة أمرًا ضروريًا. فيجب إنشاء شبكة أمان للتخفيف من الآثار السلبية للانكماش على أكثر المجموعات ضعفًا. ويمكن تخصيص تحويلات نقدية تبلغ حوالى 100 دولار شهريًا لـ200,000 أسرة فقيرة لتغطية الاحتياجات الأساسية. ولتغطية التكلفة، يجب إنشاء صندوق اجتماعي خاص بقيمة حوالى 2 مليار دولار يمكن تمويله من خلال منح CEDRE واسترداد الأموال العامة المسروقة.
المخاطر تبقى قائمة
في المقابل، رأى ايراديان في تقريره، انّ المخاطر تبقى قائمة، حيث قد يستقيل مجلس الوزراء أو يتعرّض لضغط شديد من قِبل مجموعات المصالح الخاصة، والتي قد تعيق حدوث الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة.
ويمكن أن يؤدي «ارتفاع البطالة وتدهور الظروف الاجتماعية إلى اختبار عزم السلطات على تنفيذ السياسات في إطار البرنامج الاقتصادي المقترح».
كما يمكن أن يكون حجم تأثير الأزمة المالية على العائلات والشركات وقطاعات الخدمات الرئيسية في الاقتصاد أكبر مما كان متوقعًا. وانّ التمويل الخارجي المتاح قد يكون غير كافٍ.