كتبت صحيفة “النهار” تقول: قد يكون مستوى العنف الذي طبع المواجهات التي جرت مساء أمس في ساحات وسط بيروت أبلغ تعبير عن المنقلب القاسي والشاق الذي واجهته حكومة الرئيس حسان دياب في اليوم الاول لانطلاقتها، علماً ان هذا الاختبار الصعب لا يقف عند الحكومة وحدها بل يطاول ايضا الانتفاضة الشعبية في تحدي اختبار الحفاظ على سلميتها وتجنب الفخاخ القاتلة في انزلاق مجموعات منها الى الشغب. ذلك أن مجريات المواجهات التي اندلعت بعنف بالغ في محيط مجلس النواب وخصوصا حول مبنى “النهار” وبيت الكتائب عكست تصعيداً خطيراً ساهمت في تسعيره موجة واسعة من اعمال الشغب والتخريب وتحطيم الممتلكات العامة والخاصة واشارات السير والاشارات الضوئية وكل ما كان يصادف مجموعات من المتظاهرين توافدوا بـ”عدة الشغل” منذ ساعات التجمع الاولى عصراً في ساحات وسط بيروت وشوارعه.
وتفجرت المواجهات أول الامر قرب مجلس النواب حين حاول المتظاهرون تحطيم بوابة حديد ضخمة استحدثت قبل ايام وما لبثت ان انتشرت بعدما قذف المتظاهرون القوى الامنية بالحجارة والمفرقعات وردت هذه القوى بخراطيم المياه. وتطورت المواجهات مع اتجاه مجموعات من المتظاهرين نحو الاسواق في وسط بيروت حيث عمدت الى تحطيم وتخريب اشارات السير والاشارات الضوئية وواجهات بعض المحال التجارية. وبلغت ذروتها ليلاً بعدما تكثفت اعداد المتظاهرين واشتدت الاعتداءات على الاملاك، فتدخلت وحدات مكافحة الشغب واطلقت القنابل المسيلة للدموع بكثافة في ارجاء ساحة الشهداء وابعدت المتظاهرين الذين انكفأوا نحو بيت الكتائب وجسر شارل حلو وما لبثت ان تجددت المواجهات بين كر وفر حتى ساعة متقدمة ليلاً بعدما اتسع نطاقها في اتجاه منطقتي الجميزة ومار مخايل.
وبدا واضحا ان انفجار جولة العنف بعد ساعات من انعقاد الجلسة الاولى لمجلس الوزراء منذ ولادة حكومة الرئيس حسان دياب عكس المؤشر المتقدم والفوري لتصاعد رفض الانتفاضة الشعبية لهذه الحكومة بما يرمز الى الصعوبات الكبيرة في تسويقها اقله في المرحلة الاولى من انطلاقتها، في حين تراهن القوى الداعمة للحكومة والمشاركة فيها على مزيد من الوقت لتهدئة الاصداء الغاضبة والرافضة لها. واعتبرت أوساط معنية في هذا السياق ان انصراف الحكومة الى اعداد البيان الوزاري والاعداد لمشاركتها في جلسة مناقشة الموازنة مطلع الاسبوع المقبل سيبلور تباعاً الاتجاهات التي ستتبعها في مواجهة الاولويات المتزاحمة ومحاولة اقناع الرأي العام الداخلي باعطائها الفرصة اللازمة لاطلاق خططها لمواجهة اخطار الانهيار المالي والاقتصادي كما لاقناع المجتمع الدولي بمد يد الدعم للبنان في ظروفه العصيبة. واشارت الاوساط نفسها الى ان ما جرى أمس من مواجهات يكشف المدى العميق للفجوة القائمة بين خيارات السياسيين ولا سيما منهم الاكثرية الحاكمة التي جاءت بهذه الحكومة والتي مع انها تضم اختصاصيين من ذوي الخبرات فان طغيان لعبة المحاصصة التي طبعت ولادتها اساءت على نحو كبير الى محاولات تسويقها.
الجلسة الاولى
وفي الجلسة الاولى لمجلس الوزراء في قصر بعبدا بعد التقاط الصورة التقليدية للحكومة، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للوزراء: “مهمتكم دقيقة وعليكم اكتساب ثقة اللبنانيين والعمل لتحقيق الاهداف التي يتطلعون اليها سواء بالنسبة الى المطالب الحياتية التي تحتاج الى تحقيق، أو الاوضاع الاقتصادية التي تردت نتيجة تراكمها على مدى سنوات طويلة”. وشدد على ضرورة العمل لمعالجة الاوضاع الاقتصادية واستعادة ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسات اللبنانية، والعمل على طمأنة اللبنانيين الى مستقبلهم. أضاف: “سبق ان اعددنا خطة اقتصادية واصلاحات مالية سيقع على عاتق الحكومة تطبيقها او تعديلها عند الضرورة”. ودعا الى عقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء “لانجاز جداول الاعمال وتعويض ما فاتنا خلال الاسابيع الماضية”.
وقال رئيس الوزراء حسان دياب: “أننا أمام مأزق مالي واقتصادي وعلينا تخفيف وطأة الكارثة على اللبنانيين وتأمين الاستقرار الذي يحفظ البلاد”، لافتا الى أن الرهان هو على حماية ظهر الجيش وقوى الامن عبر تأمين المظلة السياسية”. وأكد الحرص على التعبير الديموقراطي. وأضاف: “أشعر ان المرحلة لا تحتمل ترف التهاني وهناك تحديات هائلة تنتظرنا، وعلى رغم ان جلسة اليوم تحمل صفة بروتوكولية الا انني أرغب في ان تكون صافرة انطلاق. آمال اللبنانيين تتآكل ومن حقهم ان يصرخوا ويطالبوا بوقف المسار الانحداري وعلينا تخفيف وطأة الكارثة وعناونين المشاكل واضحة”. وتمنى أن يتمكنوا من تقديم صورة مختلفة عن العمل الحكومي، قائلاً: “علينا العمل ليلاً نهاراً من أجل تحقيق أهدافنا ونحن لسنا حكومة سياسية ويجب ان تكون استثنائية باداء وزرائها”.
وفور انتقاله الى السراي، أعلن دياب أنه “ستكون هناك جلسات متتابعة لصوغ البيان الوزاري لانجازه في اسرع وقت لكن لن أضع سقفاً زمنياً”. وكشف في دردشة مع الاعلاميين أنه التقى بعيداً من الاعلام عدداً من السفراء الاجانب “الذين طلبوا موعداً اثناء فترة التأليف وجميعهم أبدوا استعداداً للتعاون”. وأفاد أن نهج الحكومة المالي والاقتصادي سيكون مختلفا تماما عن الحكومات السابقة، وان “اقالة حاكم مصرف لبنان غير واردة حاليا ونريد ان نبني على الايجابية”. وأكد أنه سيزور دار الفتوى قريبا، وذكر ان “هناك ما بين 4 و6 وزراء يمثلون الحراك في الحكومة ولكن الحكومة كاملة بمنهجها تمثّل الحراك” وأنه على تواصل دائم مع الحراك. وأضاف:” الحراك معه كل الحق في الشق المطلبي لانه وصل الى الذروة في 3 عقود ولكن الشق السلبي من الحراك لا يخدم الحراك المطلبي السلمي”. وختم بأنه “مع صوتي، يصبح للنساء ثلث معطل وانا اسميه ثلثا ضامنا”. ويشار في هذا السياق الى ان الحكومة الجديدة ضمت ست نساء.
ودعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “الشعب اللبناني الى أن لا يتسرّع بالتشكيك والرفض وأن يمنح الحكومة فرصة وضع برنامج إنقاذي وخطّة عمل. ويجب على الحكومة أن تنال الثقة وتكسبها وتستحقها من الشعب اللبناني”، مشدداً على أن “أعمال الشغب وتكسير الممتلكات العامة والخاصة وحرق الدواليب وقطع الطرق لا تجوز في هذه المرحلة، فلنمنح الحكومة فرصة للعمل، وإذا لم تقم بعملها فحينها يكون التظاهر والاحتجاج حقّاً مشروعاً للحراك المدني الذي دعمناه منذ اليوم الأوّل”.
مواقف دولية
اما في المواقف الدولية من الحكومة الجديدة، فرحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، مؤكدا العمل مع رئيس الوزراء الجديد حسان دياب من أجل دعم الإصلاحات في البلد المثقل بالديون والذي يصارع أزمة اقتصادية. وجاء في بيان الناطق باسمه: “إن الأمم المتحدة ملتزمة دعم لبنان في تعزيز سيادته واستقراره واستقلاله السياسي”.
كما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال وجوده في القدس أن “فرنسا ستفعل كل شيء لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة العميقة التي تعصف به”. وقال: “سنقوم بكل شيء لمساعدة أصدقائنا اللبنانيين في الأزمة العميقة التي يمرون بها”.
وأصدر الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي بيانا عن تشكيل الحكومة الجديدة فاعتبرها” خطوة أساسية نحو ضمان قدرة البلاد على معالجة الأزمات المتعددة التي تؤثر عليها ويتعيّن على الحكومة اللبنانية أن تتصدى بسرعة للتحديات الاقتصادية الحادّة وتنفّذ إصلاحات هيكلية للاستجابة لحاجات الشعب اللبناني وتوقّعاته. ويجب ضمان حماية مناسبة للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع”. واضاف “يدعم الاتحاد الأوروبي لبنان في الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن مساعدته في تعزيز الحكم الرشيد والمحاسبة ومكافحة الفساد. ويؤكد الاتحاد الأوروبي من جديد على الشراكة القوية مع لبنان وشعبه ودعمه المتواصل لاستقرار لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله السياسي”.
بومبيو
في تعليق اول للإدارة الاميركية على تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة أعلن وزير الخارجية الاميركي جورج بومبيو ان واشنطن لن تقدم مساعدات الا لحكومة لبنانية غير فاسدة وتلتزم اجراء إصلاحات وتستجيب لمطالب الشعب اللبناني . وقال ان التظاهرات التي نراها في لبنان والعراق تطالب باحترام السيادة معتبرا ان حزب الله يعمل لصالح النظام الايراني وليس للشعب اللبناني .