كتبت صحيفة “النهار” تقول: لم تحجب التوقعات المتفائلة باقتراب ولادة الحكومة الموعودة في وقت وشيك، الاصداء البالغة السلبية التي ترددت أمس على مختلف المستويات عقب ليلة الهجمات الكثيفة على فروع مصرفية عدة في شارع الحمراء ليل الثلثاء – الاربعاء والتي اثارت ردود فعل واسعة كان بعضها من قلب الجماعات المنخرطة في الانتفاضة التي تناهض توسل العنف والانزلاق الى الشغب. ولعل ما زاد طين الاصداء السلبية حيال هذه الهجمة بلة، أن بعض الجوانب المتصلة بالاعتداءات التي بررت بالاحتـجـاجـات علـى الســـياســات المصرفية والاجراءات المتشددة التي تتخذ في معاملات المودعين والزبائن ربط بايحاءات طائفية ومذهبية، الامر الذي فاقم المناخ الذي اشاعه هذا التطور السلبي واستدعى مواقف مستنكرة من معظم المسؤولين.
وخلّفت التوقيفات التي حصلت خلال المواجهات التي دارت بين المعتدين على المصارف في شارع الحمراء وقوى مكافحة الشغب تداعيات اضافية أمس اذ دارت مواجهات جديدة وعنيفة بين متظاهرين أمام ثكنة الحلو حيث يحتجز نحو 48 موقوفاً واعداد من المتظاهرين طالبوا باطلاق هؤلاء وسجلت اصابات خلال المواجهة التي تعرض خلالها افراد قوى الامن الداخلي للرشق بالحجارة فيما اطلقت هذه قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين لتفريقهم وابعادهم.
واذ مر اليوم الثاني من “اسبوع الغضب” الذي أعلنته الانتفاضة الشعبية بدءاً من الثلثاء بتحركات متفاوتة من قطع طرق وفتح معظمها واستمرار التظاهرات في بعض المناطق، فان الانظار ستتجه ابتداء من عصر اليوم الى طبيعة التحركات الجديدة التي قد تطلقها الانتفاضة في ظل الاتجاهات المنتظرة لبت استحقاق تاليف الحكومة، علماً ان الانتفاضة كانت حددت مهلة 48 ساعة للرئيس المكلف حسان دياب تنتهي بعد ظهر اليوم لانجاز تشكيلة حكومة اختصاصيين مستقلين والا الاعتذار. ويسود اعتقاد واسع بأنه في حال بلورة الطبيعة النهائية لتشكيلة حكومة دياب اليوم ولو قبل ولادتها في الفترة الفاصلة عن نهاية الاسبوع، فان الحكومة الجديدة ستكون أولاً أمام امتحان حاسم يشكله موقف الانتفاضة منها وتبين ما اذا كان ممكناً قيام مرحلة اختبارية انتقالية بين الحكومة الموعودة والانتفاضة ناهيك برصد مواقف القوى السياسية والهيئات الاقتصادية والمصرفية والمالية الداخلية منها ومن ثم مواقف الخارج العربي والغربي منها. وهي اختبارات شديدة الدقة والحرج لان الحكومة يفترض ان تشكل على الاقل انجازا من شأنه لجم سياقات الانهيار والتدهور المالي والاقتصادي واقناع المجتمع الدولي بمد يد العون الى لبنان لتجنيبه اخطار الانهيار.وما لم تأت تركيبتها ملائمة ومقنعة للانتفاضة الشعبية وشرائح واسعة داخلية وكذلك للاسرة الدولية الداعمة تقليدياً للبنان، فان الازمة ستأخذ وجوهاً أخطر من السابق لان مناعة لبنان على الصمود أمام موجات التردي المالي والاقتصادي والاجتماعي ستزداد ضعفا وتراجعاً، علماً انه من الواضح ان نقطة الضعف “التكوينية” للحكومة ستكون عبر ولادتها على وقع موافقات ومحاصصات اللون الواحد بين قوى تحالف العهد و8 آذار.
معادلة الحكومة
في غضون ذلك، لخصت الاوساط القريبة من طبخة تشكيلة حكومة دياب المعادلة السياسية التي أدت الى تقدم عملية انضاج الولادة الحكومية بالآتي: “حزب الله” ضغط لتعويم تكليف دياب والرئيس نبيه بري تحرك في هذا الاتجاه والوزير جبران باسيل “كوع” عن موقف سلبي كان يزمع اتخاذه ولكنه سيخرج بحصة وازنة جدا لتياره في الحكومة، والرئيس المكلف دياب رضخ لتعديل عدد من الاسماء. ولن يكون الحزب التقدمي الاشتراكي ممثلا فيهاً.
وقالت هذه الاوساط انه جرى مساء امس اسقاط الأسماء على الحقائب الوزارية وحلت مبدئيا آخر العقد بموافقة الوزير باسيل على مشروع حل متعلق بتوزير دميانوس قطار في وزارة العمل وقد نقل شادي مسعد الى باسيل هذا الاقتراح الذي وافق عليه. وتحدثت الاوساط عن امكان ولادة الحكومة غداً على أبعد تقدير وقالت إن الغداء الذي سيجمع ظهر اليوم الرئيس بري ودياب في عين التينة سيشهد عرض مسودة التشكيلة الحكومية وبت اسماء الوزراء الشيعة بعدما وزعت الحقائب بين كل القوى الحكومية وبت توزيع الحقائب السيادية الاربع. وأوضحت ان التشكيلة الحكومية ستكون من 18 وزيرا وليس من 24 وان دياب اختار وزراءه من اسماء رشحتها الاحزاب المشاركة في الحكومة وبينهم أربع سيدات وقد سمى كل فريق وزراءه. وأعطي الثنائي الشيعي خمس حقائب بعد دمج الزراعة بالثقافة أو الاعلام. وستخصص لرئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” وزارات الطاقة التي ستمنح لارثوذكسي يرجح انه ريمون غجر العميد السابق لكلية الهندسة في الجامعة الاميركية اللبنانية والاقتصاد ( من آل حداد) والعدل لماري كلود نجم والبيئة لمنال مسلم. أما الوزارات السيادية فستوزع على غازي وزني للمال وناصيف حتي للخارجية وطلال اللادقي للداخلية وميشال منسى للدفاع وربما كان أيضاً نائباً لرئيس الوزراء. وستعطى الاشغال للميا يمين الدويهي من المردة والسياحة والثقافة أو السياحة والاعلام للطاشناق، كما ستعطى الشؤون الاجتماعية والمهجرين لرمزي مشرفية. ولكن تبت بعد حقيبة الطاشناق وستبت اليوم قبل زيارة دياب لعين التينة.
الحريري
في غضون ذلك أكتسب موقف جديد للرئيس سعد الحريري من التطورات دلالات بارزة اذ اتسم بنبرة متشددة في شأن ما حصل في شارع الحمراء كما حيال “التيار الوطني الحر”. وقد استهجن الحريري الأحداث التي شهدتها منطقة الحمراء وقال: “بيروت ليست مستباحة، ومنطق أن نكسر شوارع الحمراء والصيفي وغيرهما هو منطق مرفوض. وأهل بيروت، وأنا واحد منهم، طفح الكيل لديهم من هذا الأمر، وانتهى… إن كانت هناك تظاهرات سلمية فأهلاً وسهلاً، أما غير ذلك فهو أمر مرفوض. نحن كتيار “قاعدين ساكتين وضابين حالنا في بيوتنا”، لكن أين هي القوى الأمنية والجيش اللبناني؟ على القوى الأمنية أن تقوم بواجبها لتحمي الناس والمؤسسات وكل مواطن أو مؤسسة تتعرض للعنف”.
ورد الرئيس الحريري على الحملات التي يتعرض لها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قائلاً: “كل الناس يريدون أن يلوموا البنك المركزي على كل المصائب المالية الحاصلة في البلد. لكن علينا أن نعرف أمراً واحداً، أن هناك 47 إلى 50 مليار دولار استدانتها الدولة اللبنانية من أجل الكهرباء، فلو أنجزنا الإصلاحات المطلوبة للكهرباء منذ اليوم الأول لكان هناك اليوم 47 ملياراً في جيوب اللبنانيين، ولكن في المقابل، هذه المليارات هي اليوم في جيوب أصحاب المولدات غير الشرعية، وما أدراك من هم أصحاب المولدات غير الشرعية”.
ولاحظ أنه “قبل أن يتم إلقاء المسؤوليات على عاتق هذا أو ذاك، علينا أن نرى أين ذهبت هذه الأموال وكيف ذهبت وما هي مسؤولية الأحزاب السياسية في ضياع هذه المبالغ”.
وأضاف: “البعض يقول إني رئيس حكومة ومسؤول. هذا مؤكد، لكن كان هناك من كان “لا شغلة ولا عملة” له إلا أن يعطل عمل الحكومة، والجميع يعرف من هم”.
وسئل: من هم؟ فأجاب: “التيار الوطني الحر هو من كان يعطل عمل الحكومة”
أما في شأن الحديث عن نيّة الحكومة الجديدة إقالة حاكم مصرف لبنان والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، فقال الرئيس الحريري: “ليشكلوا الحكومة أولا، وفي الأساس الحاكم لديه حصانة ولا أحد يستطيع أن يقيله، ولتتحمل أي حكومة مسؤولياتها. أنا لن أستبق الأمور، وكأي فريق سياسي، سنعطي الحكومة الجديدة فرصة للعمل ونرى ما الذي ستنتجه، ومن ثم نقرر موقفنا منها. ألم يكن الرئيس الشهيد يفعل الأمر نفسه؟”.
وكان الحريري التقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعرض واياه الأوضاع المالية والنقدية في البلاد.