كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : تزايدت الآمال أمس بولادة الحكومة الجديدة بين اليوم أو بعد غد الخميس في حال لم يستكمل الرئيس الملكف حسان دياب اتصالاته اليوم، حيث انه عقد لقاءات واجتماعات متلاحقة أمس إستمرت حتى ما بعد منتصف الليل، آملاً أن يستكملها اليوم بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حاملاً التشكيلة الوزارية الجديدة تمهيداً لإصدار مراسيمها لتكون عيدية اللبنانيين لمناسبة عيد رأس السنة الجديدة، فيما المؤشرات عنها تدل الى انها محاصصة حكومية مقنّعة بين القوى التي سَمّت الرئيس المكلف، وإن كانت تلبس لبوس الشخصيات المستقلة. على أنّ الاتصالات والمشاورات جرت أمس كما في الايام المنصرمة على وقع فصول الاذلال اليومي المتمادي الذي يتعرّض له اللبنانيون نتيجة الازمة الاقتصادية والمالية التي تزداد استفحالاً يوماً بعد يوم، بما يهدد بحصول الانهيار المُتخّوَّف منه. وقد شهد اليوم المصرفي الاخير من السنة أمس مزيداً من مشاهد الاذلال لموظفي القطاعين العام والخاص وللمودعين في المصارف التي تستمر في سياسة ”التقسيط المُمِل والمُذِل” في دفع الرواتب للموظفين والسحوبات للمودعين، ما يجعل هؤلاء عاجزين عن تلبية حاجاتهم المعيشية والحياتية.
وكانت الاتصالات بين الرئيس المكلف والافرقاء السياسيين المعنيين اتفاقاً نهائياً على استبعاد توزير اي وزير من حكومة تصريف الاعمال او اي حكومة سابقة، وان تضم الحكومة الجديدة مجموعة من التكنوقراط غير الحزبيين.
وعلمت “الجمهورية” انّ تَمسّك “التيار الوطني الحر” بإعادة توزير كل من وزير شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي ووزيرة الطاقة ندى البستاني ووزير الاقتصاد منصور بطيش كان من المعوقات التي تؤخر الولادة الحكومية، ما دفع حركة “أمل” الى التمسّك بإعادة توزير حسن اللقيس في وزارة الزراعة و”حزب الله” بالدكتور جميل جبق في وزارة الصحة، وتيار ”المردة” بيوسف فنيانوس في وزارة الاشغال. وبنتيجة الاتصالات أمس سحب ”التيار” وزراءه فردّ الآخرون بسحب وزرائهم، وتقرر ان تكون الحكومة خالية من اي وزير سابق في حكومة تصريف الاعمال او اي من الحكومات السابقة. ولكن التشكيلة الوزارية المنتظرة، وحسب ما تسرّب منها، تظهر وكأنها محاصصة وزارية مقنّعة عبر أسماء غير حزبية، وستتكوّن الحكومة من 18 وزيراً موزعين مناصفة بين المسيحيين والمسلمين:
ـ للمسيحيين 9 وزراء: 4 وزراء للموارنة و3 للروم الارثوذكس ووزير للروم الكاثوليك وآخر للأرمن. وعرف من الاسماء المطروحة دميانوس قطار (ماروني) وديع العبسي (أرثوذكس).
ـ للمسلمين 9 وزراء: 4 وزراء للشيعة 4 وزراء للسنة ووزير للدروز.
وعلم انّ من الاسماء المطروحة للحصة الشيعية: غازي وزني (لوزارة المال)، عبد الحليم فضل الله، علياء المقدار، ودكتور من آل قاسم.
ومن الاسماء المطروحة للحصة السنية، الى الرئيس المكلف، كلّ من طارق المجذوب او عبد الرحمن البزري، عثمان سلطان (لوزارة الإتصالات)، والعميد المتقاعد في مخابرات الجيش باسم خالد أو العميد البحري المتقاعد حسني ضاهر (لوزارة الداخلية).
ومن بين الاسماء المرشحة لتمثيل الطائفة الدرزية غسان العريضي.
وكشفت مصادر دياب لـ”الجمهورية” انه يعمل بصمت في هذه المرحلة، ويفضّل ان يبقي مشاوراته بعيداً من الأضواء لضمان نجاحها في الوصول الى حكومة تشبهه بكل المعايير. ولفتت الى أنه أبلغ من يجب إبلاغه انه يرفض إعادة توزير اي وزير كان في الحكومة السابقة، فالمرحلة تقتضي العمل كفريق وزاري متجانس.
وقالت هذه المصادر ان اكثر من نصف التركيبة الحكومية بات جاهزاً بانتظار التفاهم على اسماء السيدات اللواتي سيدخلن الحكومة العتيدة، في ظل إصرار الرئيس المكلف على ان يكون ثلث الحكومة من الجنس اللطيف.
وكشفت مصادر مطلعة ليل امس لـ”الجمهورية” انّ أجواء الاتصالات دلّت الى طَي موضوع اعادة توزير هؤلاء الوزراء لمصلحة تأليف حكومة انتقالية ومتجانسة خالية من اي وزير سابق في الحكومة الحالية او غيرها من الحكومات السابقة، على يتم اختيار وزراء لا يثيرون غضب ايّ من القوى السياسية الأساسية، ولاسيما منها تيار “المستقبل” والحزب “التقدمي التقدمي الإشتراكي”.
”القوات”
وفي هذا السياق قالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية” ان “ما يتسرّب حتى اللحظة عن عملية تشكيل الحكومة ليس مطمئناً، اذ انّ الحقائب عادت لتوزّع للقوى السياسية التي كانت تشكل الحكومة الماضية، كما انّ الاختصاصيين الذين يحكى عنهم يتبيّن انّ بعضهم تُسمّيه القوى السياسية”. وأسفت “لكون الأكثرية المعنية لم تدرك بعد عمق الازمة وحجمها، بدليل استمرارها في الآليّات السابقة نفسها في تشكيل الحكومة، فيطرح البعض منها أسماء من الحكومة الماضية، فيستنفر البعض الآخر ليطرح اسماء بدوره من الحكومة السابقة نفسها، وهكذا دواليك، فيما المواطن يدفع كل دقيقة تأخير في تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلّين من رصيده ومعيشته وخوفه على حاضره ومستقبله وكيف سيؤمن المأكل لعائلته”. ودعت هذه المصادر إلى “الكَف عن سياسة المناورات على حساب الناس، والإقلاع عن محاولات تشكيل حكومة تديرها الذهنية نفسها التي أفلست البلد، والذهاب فوراً نحو حكومة اختصاصيين مستقلين”.
مواقف
وفي المواقف، لوحظ أمس انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يأت على ذكر الاستحقاق الحكومي، إذ ركّز أمام وفد جامعي يُعد “الورقة الاصلاحية للشباب الطالبي الجامعي اللبناني” على “أهمية اعتماد الكفاءة في التوظيف بدلاً من “الواسطة”، لأنّ الكفاية تؤمن استحقاقاً مادياً ومعنوياً، في حين انّ سياسة “الواسطة” المعتمدة شعبوية تبغي استقطاب أصوات الناس في صندوق الاقتراع اكثر من رفع مستوى العلم والانتاج في البلاد”، وقال: “الفساد موجود بكثرة في لبنان ومافياته متضامنة في ما بينها أينما وجدت، بحيث انها تصطنع الخلافات في حين انها ليست كذلك على الاطلاق. فالخلافات تحمّس الناس على الانقسام والعصبية تؤمّن للفاسدين الاستمرار، كذلك هناك خطأ احياناً في التعبير أو في تحديد الفاسد، وهذا ما رأيناه اخيراً. لذلك من الضرورة ان يكون الشباب اكثر وعياً، فيحددون الهدف بدقة. إنّ ما تقومون به اليوم يشجّع من هم في الحكم ويعطيهم قوة التغيير، وإن شاء الله سترون شيئاً جديداً”.
ومن جهته قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إنّنا ”نوجّه صرخة الى الله كأبناء وبنات له لنقول: لم تعد محمولة الطريقة التي يتعامل بها السياسيون عندنا مع موضوع تشكيل الحكومة”، آسفاً “أن يعود السياسيون اليوم ليطالبوا بحصص بعد 70 يوماً من الانتفاضة التي يشارك فيها الكبار والصغار في الشوارع والساحات والطرقات، وأن يبقوا على روحهم ونهجهم القديم في اختيار الاسماء والوزارات، وكأننا امام أولاد صغار”. وتابع الراعي في تأمله خلال صلاة المسبحة الوردية مساء أمس في كنيسة الصرح البطريركي: “نذكر في صلاتنا الرئيس المكلف الذي يتلقّى الضربات من كل الجهات، كي يتحمّل مسؤوليته كما يمليها عليه ضميره الوطني”، مشيراً إلى أنّ “الكنيسة لا يمكنها ان تتحزّب لأحد ولا ان تتلوّن بلون أحد، وهذا دورها وواجبها، ولكننا نصلي من اجل الخير العام وخلاص لبنان”.
الحراك
من جهة ثانية ركّز الحراك في يومه الـ75 على السياسات المالية، فتوجّه إلى المصارف حاملاً سلسلة من المطالب أبرزها استعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين، وإجراء قيود مصرفية عادلة ضمن إطارٍ زمنيّ واضح واستثناء المودعين الصغار وحسابات التوطين، وتطبيق القيود فقط على المودعين الكبار.
ونفّذ عددٌ من المحتجّين اعتصاماً أمام مصرف لبنان وسط انتشار كثيف للقوى الأمنية وفرقة من مكافحة الشغب في محيطه، ودعوا الى الامتناع عن دفع القروض المصرفية المحدّدة الخاصة بالسكن والسيارات والتعليم الى حين إلغاء الفوائد لمَن سدّد أكثر من نصف الدين.
كذلك انضمّ الحراك في معظم المناطق إلى سلسلة الإحتجاجات أمام المصارف. ففي بعلبك، اعتصم المحتجّون أمام المصلحة المالية، وفي طرابلس تمركزوا أمام مصرف لبنان. أمّا شبّان حراك صيدا وشابّاته، فنفذوا سلسلة من التحرّكات، بدأت صباحاً داخل بعض المصارف.
من جهةٍ ثانية، نفّذ عددٌ من الناشطين وقفة تضامنية مع المخرج ربيع الأمين، الذي خضع للتحقيق في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في ثكنة جوزف ضاهر عند بوليفار كميل شمعون، على خلفية ادّعاء الوزير السابق مروان خير الدين عليه بسبب منشور له على فيسبوك.
وصدر عن المنتفضين في زحلة والبقاع مساء أمس بيان شدّد على ثوابت ”ثورتنا التي التزمنا بها وسنناضل لتحقيقها”، وأعلن الخميس 2 كانون الثاني من السنة الجديدة يوم إضراب عام وشامل في كلّ المؤسسات والجامعات والمعاهد والمدارس العامة والخاصة في زحلة وجوارها.
الأزمة المالية الى 2020
إقتصادياً، تقفل سنة 2019 اليوم على أزمة مالية واقتصادية حادة، من المتوقّع أن تبدأ تداعياتها القاسية بالظهور أكثر فأكثر مع مطلع السنة الجديدة. ومن خلال المؤشرات الحالية، ستكرّ سبحة الاقفالات للمؤسسات من مختلف القطاعات، الأمر الذي يهدّد بزيادة البطالة، وتراجع النمو، وارتفاع نسبة الديون الهالكة في المصارف. ويدخل البلد من خلال هذا الواقع في حلقة مفرغة ستزيد الضغوط المعيشية على المواطنين.
في هذا السياق، قال نقيب أصحاب الفنادق بيار الاشقر لـ”الجمهورية” انّ معظم فنادق لبنان هي في حال إقفال جزئي حالياً، إذ انّ القسم الاكبر من أجزاء الفنادق مقفلة. واعتبر “انّ الحركة في الاعياد ليست كافية لصمود القطاع”. في حين كشف نقيب اصحاب المطاعم طوني الرامي انه “حتى شهر كانون الاول 2019 تجاوز عدد الاقفالات الـ 500 مطعم، إنما الأمر الاخطر أنّ الاقفالات الكبيرة والاعداد ستكون الى تزايد اعتباراً من 1-1-2020”.
الى ذلك، ستبرز في 2020 أزمة استيراد السلع الاستهلاكية. والقلق القائم في شأن فقدان مواد حياتية حيوية مبرّر، لأنّ قدرة التجّار على الاستيراد في ظل الاجراءات المصرفية، وارتفاع اسعار الدولار في السوق الموازية تبدو معدومة.