كتبت صحيفة “النهار ” تقول : على رغم ان كل السنين تحبل بتطورات لبنانية غير اعتيادية، الّا ان سنة 2019 بدت مختلفة تماماً، اذ يمكن وصفها بسنة التحولات الكبرى. فالبلد الذي يعيّد المئوية الاولى لقيام دولة لبنان الكبير، لم يشهد تغيرات على هذا النحو منذ ما يقرب من مئة سنة، فقد تبدلت وجهة لبنان في أزمنة عدة، تارة سياسياً وطوراً اقتصادياً، تارة اجتماعياً وطوراً ديموغرافياً، لكنه لم يعرف انقلاباً سياسياً اجتماعياً اقتصادياً مالياً دفعة واحدة وفي سنة واحدة. فقد كان في 2019 مسرحاً لانتفاضة حقيقية تحتاج الى وقت لقراءتها بتأنٍ، وتقويم نتائجها، لكن الواقع ان ما بعد 17 تشرين الاول 2019 لن يكون كما قبله، فالظروف تبدلت، والمعطيات تغيرت، والناس استيقظت، والاحزاب تراجعت، والسلطة ضعفت، والتحالفات وهنت أو تفككت. وانفرط عقد التسوية الرئاسية ليفرض واقعاً جديداً أيضاً لم يعد ممكناً تجاوزه.
اقتصادياً ومالياً، تبدلت وجهة لبنان، فبلد الاصطياف والسياحة وخدماتها لم يعد كذلك منذ زمن بعيد، وان يكن مصنفاً من الوجهات السياحية المحببة، لكن الاعتماد على السياحة سقط من المعادلة الاقتصادية، ولولا المصطافون اللبنانيون لخلا صيف لبنان من حركة نشطة. وتحول البلد في السنوات الاخيرة وجهة مصرفية وليست استثمارية، لان النظام المصرفي القائم على السرية وحرية تنقل الاموال والعملات المتنوعة والفوائد المرتفعة جذب كثيرين، وتحلت المصارف اللبنانية بسمعة طيبة جداً بدأت تفقدها منذ مطلع السنة 2019، مع خفض تصنيف لبنان المالي وتراجع احتياط لبنان من العملات الصعبة، وفرض قيود على حركة التحويلات، ما جعل الثقة بالقطاع تهتز، بل تنخفض الى حدها الادنى، وتالياً يمكن القول إن لبنان فقد، أو كاد يفقد، هذه الركيزة الاقتصادية أيضاً، وبات يحتاج الى دعامة جديدة لاقتصاده ربما وجدها في تحوّله المستقبلي بلداً نفطياً.
وامام تبدل هذا الواقع الاقتصادي، بات لزاماً مستقبلاً ان يشهد البلد نمطاً اجتماعياً جديداً يقوم على رخاء اقل، وتقنين في العيش، بما يشبه دولاً اخرى متوسطة الحال، اذ ان اللبناني كان يعيش في بحبوحة لا تتناسب مع دخله بل تتجاوزه بكثير، بفضل تحويلات الاهل والاقرباء، وأعمال جانبية توفر له دخلاً مضافاً باتت في تناقص مستمر.
استعادة الأموال المهربة: مزايدات بلا نتيجة
هكذا يتغيّر البلد شيئاً فشيئاً في كل نواحي الحياة، في أنظمته وانماط عيشه، في اقتصاده، واجتماعه، وان يكن يشهد أيضاً تحولاً سياسياً عميقاً يعمل عليه بصمت وخفاء من دون ضجيج من أجل تغيير نظامه في الداخل.
ما هي أبرز محطات 2019؟
انتفاضة 17 تشرين الأول
لعل المحطة الابرز في هذه السنة كانت الانتفاضة الشعبية المطلبية التي انطلقت في 17 تشرين الاول الماضي، وتمددت من رافضي الضريبة على مكالمات الواتساب، الى كل القطاعات المهنية، والمستويات الاجتماعية، وتخطت حدود الطوائف والمذاهب، لتخرج من الاطار المطلبي الى مستوى المطالبة بالتغيير البنيوي ورفض الطبقة السياسية بمجملها تحت شعار “كلّن يعني كلّن”. وقد فرضت الانتفاضة تغييراً كبيراً بدأ باستقالة الحكومة بعد اقرار خطة اقتصادية اصلاحية عاجلة لم تكن ممكنة لولا انطلاق الحراك الشعبي.
المصارف أقفلت اسبوعين
نتيجة النقص في العملات الاجنبية وعدم قدرة المصارف على توفير السيولة للمودعين، ونتيجة القيود على التحويلات التي تسببت في خسائر اقتصادية كبيرة، وهي نتائج طبيعية للخلافات السياسية وللسياسات الاقتصادية والمالية، وليس بسبب الانتفاضة، تحرك الناس في اتجاه المصارف، واعتصموا في داخلها، ما أدى الى مواجهات مع الموظفين أوجبت اقفال المصارف مدة 15 يوماً متواصلة، الى ايام اخرى متقطعة، وهو اقفال لم يحصل على هذا النحو في تاريخ لبنان حتى خلال الحرب الاهلية. وفتحت المصارف لاحقاً بحماية امنية لم تمنع قيام اعتصامات متكررة داخلها وأمامها طلبا للحصول على الودائع.
أول وزيرة للداخلية
في الاول من شباط، عينت ريا الحسن وزيرة للداخلية والبلديات في حكومة سعد الحريري لتكون المرأة الأولى في العالم العربي تتولى وزارة الداخلية، وكان سبق لها أن تولت وزارة المال في الحكومة الأولى لسعد الحريري في تشرين الثاني 2009.
انتهاء التسوية الرئاسية
اذا كانت التسوية الرئاسية قضت بتوزع الرئاسات الثلاث على مدى العهد الرئاسي، فان التباعد بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، وانعكاسه على العلاقة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، أديا الى فرط عقد تلك التسوية، وتالياً دخول البلاد في مرحلة جديدة من التعامل، ظن كثيرون انها ستكون مع الحريري نفسه وانما بدفتر شروط جديد. لكن خروج الحريري من المشهد الحكومي باعتذار واضح وصريح، ادخل البلاد في مرحلة جديدة غير واضحة المعالم، خصوصا ان الرئيس المكلف حسان دياب لم يحظ برضى الحريري ومجمل الطائفة السنية التي باتت أقرب الى معارضة العهد. ومع هذا التطور، يتجه لبنان الى حكومة لون واحد، أو حكومة مواجهة قوامها أحزاب 8 اذار. ويترقب المتابعون النصف الثاني لولاية الرئيس عون بعد مضي ثلاث سنوات لم تسجّل خلالها انجازات تذكر.
تبدل سعر صرف الليرة
نَعِم لبنان طوال ربع قرن، بالاستقرار المالي بفضل تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية ازاء الدولار والعملات الاجنبية. والسياسة التي اعتمدها مصرف لبنان في هذا المجال منذ العام 1992 لم تتبدل على رغم انتقادات كثيرة من خبراء اقتصاديين يرون في تحرير سعر الصرف محركاً للأسواق والانتاج والتجارة. وللمرة الاولى منذ تسعينات القرن الماضي، لم يتمكن مصرف لبنان من تثبيت سعر الصرف في الاسواق الرديفة أي لدى الصيارفة حيث تجاوز الدولار الاميركي الـ2100 ليرة لبنانية مع اعتماد السعر الرسمي في المصارف.
خفض تصنيف لبنان
في 5 تشرين الثاني 2019، خفضت وكالة “موديز” تصنيف لبنان السيادي من Caa1 إلى Caa2 مع إبقاء نظرتها المستقبلية حيال التصنيف سلبية، أي مع إمكان خفض هذا التصنيف مجدداً. ثم عادت “موديز” فخفضت التصنيف الائتماني لأكبر ثلاثة مصارف في لبنان من حيث الأصول إلى مستويات أعلى للمخاطر، إذ خفضت تصنيف الودائع بالعملة المحلية لدى بنك عوده وبلوم بنك وبيبلوس بنك من Caa1 الى Caa2. وخرج تقويم وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني متضمناً خفض تصنيف لبنان السيادي نتيجة المخاطر الائتمانية التي يواجهها. كذلك خفضت وكالة “ستاندارد أند بورز” للتصنيف الائتماني تصنيف لبنان إلى CCC/C بفعل تزايد المخاطر المالية والنقدية مع نظرة مستقبلية سلبية.
تصفية “جمال ترست بنك”
في 29 آب أعلنت الحكومة الأميركية فرض عقوبات على مصرف “جمال ترست بنك”. وصنفت واشنطن المصرف منظمة “إرهابية” لتقديمه خدمات مالية ومصرفية إلى المجلس التنفيذي لـ”حزب الله”