كتبت صحيفة “النهار ” تقول : في خضم أزمة التأليف الحكومي العالقة في عنق زجاجة الأحزاب التي لا تريد ان تتخلى عن مكتسباتها وتتعامل مع المستجدات كما كانت تفعل قبل انتفاضة 17 تشرين الاول الماضي، وتصر على إعادة توزير وجوه سياسية معروفة، بعضها مستفز للشارع، بخلاف إرادة الرئيس المكلّف تأليف الحكومة حسان دياب الذي لا يزال يكرر معزوفته عن حكومة اختصاصيّين، من غير أن يشرح مفهوم الاختصاص، في ظل غياب الغطاء السنّي الواضح للحكومة المقبلة، بات الوقت ضيقاً لولادة هذه الحكومة في عيد رأس السنة كما توقع رئيس الجمهورية ميشال عون، وبات التأجيل في حكم المؤكد، على رغم التسريبات عن الاتفاق على الأسماء، ولا سيّما الذكور منهم، إذ تسري الشائعات عن ان التأخير يرتبط باختيار الوجوه النسائية المغيبة حتى الآن. وبدا الرئيس المكلف أمس محاصراً أمام طلبات الأحزاب وإراداتها التي لا تلتقي معه.
وفي معلومات “النهار” أن دياب الذي يحاول تجاوز العقدة السنيّة يعمل على استباق اجتماع المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى السبت 4 كانون الثاني خوفاً من تصعيد ضده يمكن أن يثير الشارع مجدداً، وهو يواجه عقدة مسيحية، إضافة الى تمسك “حزب الله” بالوزير جميل جبق وحركة “أمل” بالوزير حسن اللقيس.
في هذه الأثناء، بات موضوع “الأموال المهربة” الى خارج لبنان الشغل الشاغل لعدد من السياسيين، وربما كان الغرض من اثارته، إلهاء اللبنانيّين بمواضيع ترتبط بأمنهم المالي والغذائي، وإبعادهم عن الملفات السياسية، علماً ان أهل السلطة يدركون تماماً، كما قال مصدر وزاري مطلع لـ”النهار”، ان “الملف لن يصل الى أي نتيجة، وان إثارته ليست إلّا زوبعة في فنجان. فالطبقة السياسية حليفة الطبقة المالية، وشريكتها، وأكثر من ذلك، فهي لا تملك أي دليل على مخالفات ارتكبت في هذا المجال”.
واذا كان أكثر من وزير ونائب أثار الموضوع أخيراً، فإن تغريدة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل التي جاء فيها أن “قصة الأموال المحوّلة أو المهربة بعد 17 تشرين صارت مثل قضية استعادة الأموال المنهوبة أو الموهوبة. الفرق انها ليست بحاجة لقانون، وهي مسؤولية حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وأصحاب المصارف… إذا ما عملوا شي وكشفوا الأرقام وأصحابها، لازم نتحرك على أول السنة”، طرحت أسئلة حول جدية الأمر بعدما علمت “النهار” من مصادر نيابية أن تكتل “لبنان القوي” يتحضر لطلب تشكيل لجنة نيابيّة للتحقيق في هذا الملف.
وكان النائب الكتائبي الياس حنكش وجه كتاباً الى الحاكم رياض سلامة طلب بموجبه “الحصول على معلومات عن نقل أموال الى الخارج عبر تحويلات مصرفية على رغم القيود التي فرضتها المصارف في هذا الشأن والتي أثرت على الشركات والمؤسسات التجارية المهددة بالإقفال لعدم قدرتها على استيراد المواد الأولية والأساسية منذ 17 تشرين الأول”. واستند حنكش في كتابه الى “قانون حق الوصول الى المعلومات الصادر في العام 2017 وذلك حسماً للجدل القائم حول التحويلات المذكورة، ولا سيما بعد تصريحات لمسؤولين يؤكدون حصولها”.
أما نائب “حزب الله” حسن فضل الله، فتحدث “عن 11 مليار دولار للمصارف في الخارج”، ولفت الى انه “اذا استعدنا الأموال من الخارج يصبح لدينا سيولة وعندها يمكن المواطن العادي ان يأخذ أمواله وهذا يعيد الثقة بين المواطن والمصارف”. واعتبر فضل الله أنه “يفترض ان تبدأ هيئة وعد بها حاكم مصرف لبنان بجردة على العمليات التي لها علاقة بالتحويلات واذا كانت الأموال المحولة غير شرعية فيجب ان تستعاد”.
ولكن ماذا لو كانت الأموال المحولة شرعية مئة في المئة؟ يقول الحاكم رياض سلامة إن “مصرف لبنان سيتخذ كل الخطوات القانونية لمعرفة مصير التحويلات الخارجية إلى سويسرا وما إذا كانت قد حصلت فعلاً”.
وأكدت مصادر مصرفية لـ”النهار” ان الأموال، وإن خرجت من لبنان، فقد خرجت بطريقة قانونية ولكن يمكن اعتبار تحويلها في هذه الظروف لا أخلاقي، مع ضرورة التأكيد ان لبنان لم يقر تشريعاً لفرض قيود على التحويلات، وبالتالي وجب التمييز بين تحويلات لمودعين حصلت من بعض المصارف الى الخارج خلال هذه المرحلة، وتحديداً بعد فرض القيود المصرفية، وهي تحويلات قانونية إذ تصرفت المصارف إستناداً الى ملاءتها وقدرتها على تأمين الأموال الأجنبية لتحويلها. فيما الجزء الآخر يتعلق بالتحويلات المتعلقة بالسياسيين والاداريين في القطاع العام وأصحاب المصالح خلال سنة 2019 وحتى ما قبل، وهنا بيت القصيد، وهو الملف الذي يجب التحقيق فيه، والأهم التحقيق في مصدر هذه الأموال والحسابات”.
وقال المحامي الدكتور بول مرقص ان قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44 الصادر عام 2015، ينص على “جرم الفساد السياسي، وهو يشمل الإثراء غير المشروع. لكن تحويل الأموال وإن كان على سبيل التهريب évasion de capitaux لا يشكل بذاته جرماً ما لم يكن مصدره جرمياً أي ناتجاً من هذه الجرائم أو صرف النفوذ واساءة استعمال السلطة abus de pouvoir واختلاس الأموال العامة détournement de fonds والرشوة (…)”.
وأبلغ مصدر مصرفي آخر فضل عدم ذكر اسمه لعدم الدخول في سجالات، “النهار” أن تعميم مصرف لبنان بالحد من التحويلات لعدم خسارة العملات الاجنبية ليس قراراً إلزامياً ولا منعت الحكومة اللبنانية تحويل الاموال الى الخارج بل تركت الحرية للمصارف وتم التشديد على اجراءات التحويل. وبالتالي فإن لدى المصرف اذا كان يمتلك ملاءة وقادر على تحويل المال لمودعيه ان يقوم بما يراه مناسباً. أما الكلام عن مصادر هذه الأموال فهي ليست إلّا ودائع كانت موجودة في المصارف وتم التحقق منها قبل ذلك. وأما الاشخاص الذين تدور حولهم شكوك ما، فإن على هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان أو القضاء فتح ملفاتهم ولا تقع المسؤولية على إدارات المصارف. لذا فإن عمليات التحويل ان حصلت في عدد من المصارف وبكميات محدودة لأنها ناتجة من اعتمادات كانت مفتوحة قبل ذلك التاريخ أو لسداد مترتبات خارجية فهي قانونية مئة في المئة.
من جهة أخرى، بدأ قسم المباحث الجنائية المركزية الجمعة الماضي، بإشراف مباشر من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، تحقيقات في ما خص تحويل سياسيين مليارات الدولارات الى الخارج، كما صرح الخبير الاقتصادي مروان اسكندر الذي أدلى بإفادته، موضحاً ان “هناك بعض اللغط حول فهم المعلومات التي أدلى بها”. وقال أن الأموال التي تحدث عنها وهي بقيمة ملياري دولار “جرى تحويلها بشكل طبيعي وليس تهريبها كما هو متداول”