كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: البناء على الكلام المتفائل لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف الدكتور حسان دياب يدفع الى توقّع ولادة الحكومة الجديدة في الايام القليلة المقبلة الفاصلة عن عيد رأس السنة، أمّا البناء على المعطيات الماثلة حول العقبات التي بدأت تواجه سعي دياب لإعداد التشكيلة الوزارية فإنه يدفع الى التشاؤم في إمكان ولادة الحكومة قريباً، خصوصاً بعدما بدأ يظهر انّ دياب يواجه مشكلات عدة تبدأ بالاحجام السني عن المشاركة في حكومته، ولا تنتهي بالخلافات التي بدأت تظهر حول التشكيلة الوزارية وما يُقال عن اندفاع الوزير جبران باسيل الى تسمية جميع الوزراء المسيحيين مستبعداً بقية الافرقاء منها.
علمت “الجمهورية انّ اللقاء الذي جمع الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف حسان دياب في عين التينة أمس، تخلله عرض لنتائج حركة الاتصالات التي أجراها دياب في الايام القليلة الماضية، اضافة الى بعض النقاط العالقة التي ستتمحور حولها حركة الرئيس المكلف في الايام المقبلة.
وبحسب المعلومات، فإنّ الاجواء توحي بالتقدم، وتحدث بري عن بعض التفاؤل في إمكان ولادة الحكومة في وقت ليس ببعيد، إذا طغت الايجابيات على حركة المشاورات الجارية.
ولفتت المعلومات الى انّ دياب ما زال يصرّ على حكومة مصغرة من 18 وزيراً. وهو عقد امس لقاءات مع الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الديموقراطي اللبناني وتيار “المردة” و”اللقاء التشاوري”، وسيستكملها اليوم على الأرجح مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، و”التيار الوطني الحر” و”الثنائي الشيعي”.
وبحسب مصادر مطّلعة فإنّ حركة الاتصالات التي يجريها الرئيس المكلف تعكس تقدماً في وضع الصيغة الحكومية الجديدة، لكن من دون ان تكتمل حتى الآن، وتتطلب جولة مشاورات جديدة في ظل تَكتّم واضح حول الاسماء المطروحة للتوزير، علماً أنّ “سوق الاسماء” قد ازدهر في الايام الاخيرة حيث كانت بورصة التداول في بعضها مرتفعة جداً، الّا انّ مصادر مطلعة اكدت انها ليست نهائية، مشيرة الى انّ العقدة الأساس ما زالت محصورة بموضوع التمثيل السني في الحكومة، حيث يبدو الرئيس المكلف في مواجهة “سد سني” أمام حكومته، بحيث انّ مجموعة من الاسماء قد استمزَج رأيها للتوزير واستجابت له، الّا انها ونتيجة لضغوط متعددة الجهات السنية الطائفية والسياسية عادت واعتذرت.
وعُلم في هذا الاطار انّ تحضيرات تجري لحركة اعتراضية واسعة على المستوى السني في وجه دياب، لها طابع سياسي وطائفي، أقرب الى معركة إلقاء الحرم السنّي على حكومته قبل تشكيلها، وتحدثت بعض المعلومات عن دعوات الى مسيرات حاشدة تعقب صلاة الجمعة اليوم. وقالت المصادر انّ مفاوضات دياب اذا استمرت بوتيرة التقدم التي تشوبها، فهذا معناه انّ الحكومة لن تطول ولادتها.
دياب في بعبدا
وكان دياب قد التقى الخليلين ليل الإثنين – الثلاثاء الماضي، ثم نقل عشيّة عيد الميلاد الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تصوّراً أولياً لتشكيلة حكومية من 18 وزيراً وأخرى من 24. وقالت مصادر سياسية مطلعة انّ اللقاء بين عون ودياب شكّل مناسبة لتقويم حصيلة الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف السبت الماضي مباشرة، وتلك التي أجراها مع اطراف أخرى من مواقع مختلفة ومرجعيات وشخصيات مستقلة.
وبعد اللقاء قال دياب انّ زيارته لرئيس الجمهورية كانت لمعايدته ومعايدة جميع اللبنانيين، لافتاً الى “انّ الكلام بقي في الاطار العام وكان هناك تجاوب كامل من فخامته. وكل ما استطيع قوله: إن شاء الله خير ونحن لا زلنا في اليومين الاولين، وإن شاء الله الامور سائرة كما يجب”.
وفي معلومات لـ”الجمهورية” انّ عون ودياب أجريا مقاربة أولية لتصنيف الحقائب قبل الحديث عن الأسماء المقترحة وفق الصيغتين بحدها الأدنى 18 وزيراً وأقصاها 24. وتم التفاهم على الإسراع قدر الإمكان في إعلان التشكيلة فور إنهاء المشاورات التي ستجري مع بري و”حزب الله” و”التيار الوطني الحر”. ولم يؤكد اي مصدر او ينفي مشاركة رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل في اللقاء بعد رواية تحدثت عن لقاء بين دياب وباسيل قبَيل اللقاء في بعبدا.
وعلى رغم التكتم الذي أحيطت به التشكيلة الوزارية، فقد قالت المصادر “انّ الأسماء المطروحة، منها ما هو جدي ومنها ما هو للمناورة. فالتفاهمات النهائية لم تنجز بعد، خصوصاً انّ للثنائي الشيعي رغبة بتسمية وزرائه كما باسيل، وهو امر لم يرتح له معاونو دياب الذين لفت عدد منهم الى الترددات السلبية التي تؤذي الرئيس المكلف طالما انّ الجو السني ما زال على حاله من التشنّج تجاه تجاهله لهذه الأجواء في الأيام التي أعقبت تسميته وتكليفه”.
الحريري وتياره
في غضون ذلك، قالت مصادر بارزة في تيار “المستقبل” لـ”الجمهورية” انّ المنحى الذي تسلكه الامور يوحي حتى الآن بأنّ الرئيس سعد الحريري يتجه نحو التموضع الكامل في المعارضة، متوقعة ان يحسم خياره النهائي بعد تشكيل الحكومة.
وأشارت هذه المصادر الى “انّ طبخة تكليف الدكتور حسان دياب تختزن بصمات الوزير جبران باسيل”، لافتة الى “انّ المكتوب يقرأ من عنوانه، وبالتالي فإنّ كل المؤشرات والتسريبات تَشي بأنّ الحكومة المقبلة ستخضع الى اعتباري المحاصصة والمحاسيب، وهذا ليس فقط رأينا، بل هو أيضاً رأي شريحة واسعة من الناشطين في الحراك”. وأكدت المصادر نفسها “انّ المطلوب تشكيل الحكومة في أقصر وقت ممكن لتتفرّغ لمعالجة الازمة الاقتصادية المالية، لكن ما نخشاه هو أن تأتي التركيبة الوزارية مخيبة للآمال”.
ووضعت المصادر مواقف الحريري الحادّة الأخيرة ضد عون وباسيل في سياق “بق البحصة بعد سنوات من الصبر والتحمّل”. ولفتت الى “انّ الحريري أعطى التسوية الرئاسية كل الفرَص خلال الفترة الماضية وتحمّل اتهامات ظالمة حول وجود صفقات ومصالح بينه وبين باسيل، منطلقاً من انّ الاولوية يجب ان تكون لمعالجة الازمات المتراكمة ولو تَطلّبَ ذلك بعض التضحيات، الّا انه ثبت في نهاية المطاف انّ هناك صعوبة في التفاهم مع الطرف الآخر في التسوية”. واعتبرت “انّ الحريري تحرر الآن من باسيل”، مشيرة الى “انّ تجربة رئيس “المستقبل” في رئاسة الحكومة أظهرت له انّ هناك رئيسين للجمهورية، واحد علني هو ميشال عون وآخر في الظل هو باسيل”.
وكان الحريري دَردش مع مجموعة من الاعلاميين عشية الميلاد، فحمل على حزب “القوات اللبنانية” الذي رفض تسميته ما أدى إلى عزوفه عن التكليف.
ونفى أن يكون التقى دياب كمشروع لرئيس مكلّف، بل التقاه بناء لاقتراح باحثاً في إمكان توزيره في حكومته. وعندما سئل عمّن طرح دياب رئيساً مكلفاً، رَد حسب معلوماته الى “انّ الوزير السابق وئام وهّاب هو من اقترحه”.
وقال الحريري: “للأمانة الثنائي الشيعي كان حريصاً على تسميتي لرئاسة الحكومة انطلاقاً من الحرص على عدم إدخال البلد في أي فتنة”. رافضاً الاتهام بأنه يقف وراء تحريك الشارع.
وفي موضوع ترشيح القاضي نواف سلام وعدم تبنّي كتلة “المستقبل” هذا الترشيح، دعا الحريري إلى عدم ركوب هذه الموجة. وقال: “أنا أوّل من طرح اسم نواف سلام، ولكن ارتأينا أنه إذا سمّيناه ولم يحصل على تأييد صوت شيعي واحد فكيف نتعامل مع الموضوع؟”.
وفي هجوم مباشر على رئيس الجمهورية وباسيل قال الحريري: “الواضح أنّ العهد يتصرف وكأن لا شيء في البلد، ويَتذاكى. “هلق بيتبنّى الثورة”، وإن شاء الله تكون كل الحكومة الجديدة من الاختصاصيين، لكنني لن أشارك في الحكومة بنحو مباشر أو غير مباشر ولن أعطيها الثقة”. ولاحظ “أنّ هناك تركيزاً على إنهاء الحريرية السياسية وحملات منظّمة عليها وتمنيات بدفنها”، وقال: “من يحاول أن يدفن الحريرية السياسية كمن يحاول أن يدفن نفسه. يحاولون إزاحة سعد الحريري منذ 15 عاماً. عام 2005 اغتالوا رفيق الحريري وحسبوا أنّ الأمور ستنتهي خلال أيام ويعود الناس إلى منازلهم، فيما الحقيقة أنهم هم عادوا إلى منازلهم ورفيق الحريري لا يزال في ساحة الشهداء”.
وشدد الحريري أمس، في ذكرى اغتيال محمد شطح، على أنّ “شطح قوة الاعتدال والحوار في زمن الانقسام والتطرف وعنوان الوفاء والإقدام والشجاعة في الأيام الصعبة”، مشيراً الى “أننا نفتقد حكمته ورؤيته وصدق مواقفه وعقله الذي أنار دروبنا لسنوات طويلة. أسأل الله في ذكراه ان يحمي لبنان من شياطين السياسة وتجار المواقف”.
“القوات”
الى ذلك، قالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية” انّ “المطلوب في هذه المرحلة منح الرئيس المكلف فرصة تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، وإن حكم “القوات” وموقفها سيكون على طبيعة الحكومة المشكّلة، ففي حال لمست ان الحكومة المشكّلة لا تمت بصلة الى حكومة الاختصاصيين المستقلين سيكون لها موقف شديد الرفض والمعارضة لحكومة تقف وراء تسمية وزرائها القوى السياسية وتتحكم بإدارة هذه الحكومة، لأنّ اي حكومة مؤلفة على قاعدة وزراء سمّتهم قوى او مرجعيات سياسية ستفشل في عملها ولن تتمكن من انتزاع ثقة اللبنانيين أولاً ومن إجراء الاصلاحات المطلوبة ثانياً، وثالثاً لن تتمكن من إخراج لبنان من أزمته لأنه لم يصل الى هذه الازمة الا نتيجة الادارة السياسية الفاشلة للأكثرية القائمة. وبالتالي، هناك فرصة على الرئيس المكلف ان يستفيد منها، وان يَتّعظ ممّا وصلت اليه البلاد من انهيار مالي واقتصادي، وان يدرك تماماً انّ مصير حكومته سيكون الفشل الذريع في حال ذهب في اتجاه، إمّا تحت الضغوط وإمّا تحت اي اعتبار آخر، الى تشكيل حكومة بعيدة عن مطالب الناس التي تريد حكومة بعيدة عن القوى السياسية وتأثيرها، وايضاً ان تكون حكومة قادرة على العمل ووضع الخطط اللازمة لإخراج لبنان من أزمته”.
وأضافت المصادر: “أمام المرحلة الاستثنائية الدقيقة والخطيرة التي يمر بها لبنان، المطلوب اليوم حكومة اختصاصيين مستقلين بالفعل. وعندما نقول مستقلين أي ان لا يكون للوزراء مرجعية في اتخاذ قراراتهم او ان تحرّكهم القوى السياسية، وإنما تحرّكهم فقط المصلحة الوطنية العليا من اجل معالجة الامور بواسطة فريق عمل متجانس بعيداً من مصالح القوى السياسية وما تبحث عنه من توازنات ومن مراكز نفوذ. وبالتالي، أمام هذا الوضع فإنّ “القوات اللبنانية” التي رفضت التسمية في التكليف ستكون شديدة المعارضة في التأليف في حال اشتَمّت انّ هنالك اي محاولة لتشكيل حكومة مغلّفة تحت عنوان “اختصاصيين مستقلين” وتكون بالفعل تابعة لقوى سياسية بنحو مُضمر. وبالتالي، فإن الرئيس المكلف هو على محك تأليف حكومة تجسد تطلعات اللبنانيين، وتكون على مستوى المرحلة ومتطلباتها المالية والاقتصادية”.
الموازنة جاهزة
على المستوى المالي، أنجزت لجنة المال والموازنة النيابية امس مشروع قانون موازنة 2020، وأدخلت تخفيضات على الانفاق بما يوازي نحو 1000 مليار ليرة. وأوضح رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان أنّ التخفيضات “طاولت بنوداً عدة، منها المجالس والصناديق والتجهيزات وقوانين البرامج والجمعيات التي لا تُعنى بالرعاية الاجتماعية”.
وفي بعض التفاصيل التي كشفها كنعان، يتبيّن انّ المشروع تضمّن إقرار رفع الضمان على الودائع المصرفية من 5 ملايين ليرة إلى 75 مليون ليرة. كذلك أقرّت اللجنة تجميد وتعليق الإجراءات الناجمة عن التعثّر في تسديد القروض السكنية والزراعية والصناعية 6 أشهر من تاريخ نشر الموازنة”.
مسألة خروج الأموال
وعلى خط موازٍ، ناقشت اللجنة، في حضور وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، مسألة خروج اموال من لبنان بطريقة غير قانونية. وبعد اللقاء، كشف سلامة عن بدء التحقيق في مسألة خروج أموال من لبنان، مؤكداً أنّ “كل شيء يمكن ملاحقته من الناحية القانونية، ولا شيء خفياً عنّا”. وأضاف: “سنقوم بكل ما هو مسموح لنا لكي نتحقق من كل التحويلات التي حصلت عام 2019. بالتأكيد، الناس لديها الحرية في التصرّف بأموالها، أما إذا كانت هناك أموال مشبوهة فنستطيع أن نحصل على المعلومات اللازمة في شأنها”.
وعندما سئل سلامة إلى أي حدّ يمكن أن يصل سعر صرف الدولار؟ أجاب: “لا أحد يعلم”.
وقد أثار جواب سلامة بَلبلة، ما دفع مصرف لبنان لاحقاً الى إصدار بيان توضيحي، أكد فيه “انّ كلام الحاكم بعد لقائه بلجنة المال والموازنة لا يعني إطلاقاً أي تغيير في سعر صرف الليرة الرسمي والمحدّد عند 1507,50، وإنما جاء رداً على سؤال حول سعر الصرف لدى الصرّافين تحديداً. ويؤكد المكتب انّ سياسة مصرف لبنان لا زالت قائمة على استقرار سعر الصرف بالتعامل مع المصارف”.