كتب ناجي س. البستاني – على موقع “النشرة” الالكتروني:
تتواصل الإتصالات العالية المُستوى الرامية إلى تشكيل الحُكومة المُقبلة(1)، وهي ستُستكمل خلال الساعات والأيّام القليلة المُقبلة، في ظلّ مُناشدات بضرورة تسريع الإتصالات والجُهود، بحيث تتمّ عمليّة التشكيل خلال أيّام، وليس خلال مهلة الشهر والنصف التي كان قد حدّدها رئيس الحُكومة المُكلّف الدُكتور حسّان دياب. فما هي المَعلومات المُتوفّرة، وما هي العقبات المَوجودة وتلك المُتوقّعة؟.
أوّلاً: ليس صحيحًا أنّ النقاش لا يزال في مرحلة وضع الهيكليّة العامة للحُكومة، من دون التطرّق بعد للأسماء، حيث جرى التواصل بالعديد من الشخصيّات لجسّ النبض بشأن توزيرها، بالتزامن مع تعمّد تسريب بعض الأسماء لإختبار ردّ فعل الشارع عليها. وقد سقط نتيجة ذلك أكثر من إسم، نتيجة رفض بعض الشخصيّات المُرشّحة تولّي المسؤولية، لا سيّما من الطائفة السُنيّة، حيث رفض هؤلاء تجاوز الغطاء المعنوي غير المُتوفّر من جانب “تيّار المُستقبل”، وإشترطوا الحُصول على غطاء مرجعيّة دار الإفتاء. كما سقطت أسماء أخرى، بفعل رفضها أن تكون مُمثّلة للحراك في الشارع، من دون أن يتمّ ترشيحها من جانب الناس المُنتفضين، قبل تسميتها من قبل الجهات العاملة على تشكيل الحُكومة.
ثانيًا: من حيث الشكل، جرى التوافق على أن تكون الحُكومة المُقبلة مُصغّرة إلى أقصى الدرجات، وبعد أن كان الحديث عن حكومة ما بين 18 إلى 24 وزيرًا، زاد الحديث أخيرًا عن إمكان أن تكون الحكومة مُكوّنة من 14 وزيرًا فقط. ومن حيث المَضمون، بات معروفًا أنّ الحكومة لن تضم وزراء أو نوّاب من الشخصيّات الحاليّة المعروفة، بل شخصيّات إختصاصيّة–ولوّ أنّ هذه الشخصيّات مُعيّنة في مناصبها الرسمية أو الإداريّة الحالية أو السابقة من قبل قوى سياسيّة، وسيتم ترشيحها إلى الحكومة المُقبلة بدعم سياسي واضح أيضًا.
ثالثًا: يُوجد حاليًا تباين نسبي في مواقف مسؤولي القوى السياسيّة الرئيسة الثلاث التي تمكّنت من إنجاز التكليف، أيّ كل من “التيّار الوطني الحُرّ” و”الثنائي الشيعي”، بشأن المدى الذي يُمكن الوُصول إليه على مُستوى إستقلاليّة وزراء الحُكومة المُقبلة، في ظلّ تضارب في المَعلومات في هذا الصدد، بين من يتحدّث عن إختصاصيّين مُستقلّين لإمتصاص المُعارضات الداخليّة والخارجيّة على إختلاف أنواعها، ومن يتحدّث عن وزراء إختصاصيّين أيضًا لكن ستتمّ تسمية أغلبيّتهم من قبل قوى الأغلبيّة النيابيّة، مع تقاسم للوزارات الأساسيّة والخدماتيّة.
رابعًا: إنّ باب التواصل مع “تيّار المُستقبل” غير مُفتوح سوى جزئيًا، ولغرض مُحدّد لا يرتبط بالإشتراك في الحُكومة، بل بالحُصول على تعهّدات بعدم إستبدال لأحد من المسؤولين المُحسوبين على “التيّار الأزرق” في مؤسّسات الدولة وفي بعض المناصب الحسّاسة، الأمر الذي يستوجب توفّر الغطاء السياسي لذلك داخل السُلطة التنفيذيّة.
بالنسبة إلى العقبات المَوجودة وتلك المُتوقّعة، إنّ إزدياد عدد الرافضين الإنضمام إلى الحُكومة المُقبلة بشكل مُباشر أو غير مُباشر، يُمهّد لمعارضة داخليّة قويّة لها، خاصة في ظلّ رفض أحزاب “القوّات” و”الإشتراكي” و”الكتائب”، إضافة إلى “الحراك الشعبي”، المُشاركة في الحُكومة أو تأمين التغطية لها، كلّ من موقعه ولأهداف مُختلفة. كما أنّ التدهور الحاصل في العلاقة بين كلّ من “تيّار المُستقبل” و”التيّار الوطني الحُرّ”، بالتزامن مع إستمرار مُناصري “التيّار الأزرق” بعمليّات قطع الطرقات وسط تصعيد ملحوظ للخطاب المذهبي، زاد حال التشنّج، وإنعكس سلبًا على جُهود إقناع شخصيّات سنيّة بالإنضمام إلى الحُكومة المُقبلة، من دون أن تكون مُقرّبة من قوى “8 آذار”. إلى ذلك، إنّ المواقف العربيّة والغربيّة التي صدرت حتى تاريخه، تراوحت بين المُشكّكة والمُعارضة من جهة، والتي تنتظر حُكومة إصلاحيّة تستجيب لمطالب المُتظاهرين من جهة أخرى، الأمر الذي يُخشى أن يسفر عن مزيد من الصُعوبات مُستقبلاً، باعتبار أنّ الغطاء العربي والدَولي غير مُؤمّن حتى اللحظة، علمًا أنّ هذا الغطاء حاسم لتوفير المُساعدات الماليّة والقروض الضروريّة جدًا لمُساعدة لبنان على مُواجهة الأزمة الإقتصاديّة والماليّة والحياتيّة الخانقة التي يُعاني منها حاليًا.
في الختام، لا شكّ أنّ التركيبة الحُكوميّة النهائيّة ستُحدّد مواقف الكثير من القوى الداخليّة والخارجيّة منها، وبالتالي تبعًا للتركيبة النهائية للحُكومة التي ستُعلن، يُمكن تقدير الإتجاه الذي ستسلكه الأمور. ويُمكن القول إنّ الرهانات الحالية مُتضاربة جدًا، بين من لا يزال حتى الساعة يُراهن على إفشال ولادة حُكومة جديدة برئاسة الدُكتور دياب لإعادة إحياء خيارات أخرى، ومن يُراهن على إفشال عمل هذه الحُكومة –في حال نجحت قوى الأغلبيّة النيابيّة في منحها الثقة، وكذلك من يُراهن على تثبيت حُكومة بقُوّة الدُستور وبأسرع وقت– ولوّ من دون إجماع داخلي أو خارجي! وكل ما سبق لا يُبشّر بالخير.